بعد 34 عامًا… السويد تحل لغز اغتيال رئيس الوزراء “بالمه”

هدى اسماعيل

 هدى إسماعيل 

34 عاماً كاملة، استغرقتها السلطات السويدية، للكشف عن هوية القاتل المتورط في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق أولوف بالمه، وهو الحادث الذي يرجع تاريخه إلى فبراير 1986، ليفتح الباب أمام العديد من التكهنات، في أحد أكثر الحوادث غموضا في تاريخ السياسة الدولية.

اليوم أعلن القضاء السويدي إغلاق التحقيق في القضية، بعدما وصل التحقيق إلى طريق مسدود على الرغم من الفرضيات التي تم التدقيق فيها منذ 1986، وعقد المدعي العام كريستر بيترسون، المكلف بالملف منذ 2017، مؤتمرا صحفيا بالفيديو، أعلن فيه إقفال التحقيق، وأكد أن المشتبه به الأساسي بارتكاب الجريمة “توفي”.

واستمع القضاء لآلاف الأشخاص بينما تبنى عشرات العملية في هذا الملف الذي تشغل وثائقه رفوفا يبلغ طولها الإجمالي 250 مترا.

انتهت القضية

يقول الادعاء السويدي: إن مواطنا متوفيا تحدد أنه هو المشتبه به الرئيسي في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق أولوف بالمه، مما يعني أن التحقيقات في القضية انتهت، والمشتبه به هو “ستيج أندستورم” الذي توفي عام 2000.

وقال كبير ممثلي الادعاء “كريستر بيترسون”: “أعتقد أننا قمنا بكل ما طلبتم”.

وأوضح أن المحققين خلصوا إلى أن المنفذ هو ما يطلق عليه “رجل سكانديا ” في إشارة إلى موقع عمل أندستورم، الذي كان مجاورا لموقع الاغتيال.

وأضاف: “بما أن أندستورم توفي، لا أستطيع أن أوجه اتهامات له أو استجوابه. وهذا هو سبب قراري بغلق التحقيقات الأولية”.

دماء على الثلج

على الرغم من العدد الكبير من الشهود لم يكن لدى الشرطة إلا القليل من خيوط القضية، وأوضح الدكتور جان بونديسون، مؤلف كتاب الدم في الثلوج لهيئة الإذاعة البريطانية أن الرصاصات التي تم العثور عليها أشارت إلى أن القاتل استخدم مسدس ماغنوم 357، “سلاح قوي للغاية”، حتى ولو كان بالمه يرتدي سترة مضادة للرصاص لكان قد مات. لذلك فالجريمة تمت من قبل شخص أراد قتله حقًا. وتم خطط لها بإحكام”.

وأضاف “بونديسون”: “إن مقتله شبيهة بسيناريو قتل مارجريت تاتشر في ساحة بيكاديلي بلندن بطلق ناري، ثم يختفي القاتل بعدها في مترو الأنفاق دون أن يُعثر عليه”.

يقول مارتن، نجل أولوف بالمه وآخر من رآه على قيد الحياة: “لدى الشرطة أدلة لا تريد الكشف عنها بعد”. ويعتقد مارتن أن الأمر قد يتعلق بالسلاح الذي استخدمه الجاني والذي لم يعثر عليه مطلقاً.

وقال لصحيفة “أفتونبلاديت” السويدية: إذا كان هناك شخص يعرف شيئا مهما ولم يتقدم به، فمن الواضح أنه حان الوقت للقيام بذلك”.

من هو بالمه؟

ينحدر أولوف بالمه (مواليد 1927) من أسرة أرستقراطية، وانضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في عام 1949 وصعد ليقود الحزب والبلاد في عام 1969، خلفاً لتيج إرلاندر الذي تبنى بالمه منذ انضمامه الى صفوف الحزب.

تقول “آنا سندستروم”، الأمينة العامة لمركز أولف بالمه الدولي: “يقال إن بالمه هو أحد أبناء إرلاندر”. “لقد ترعرع نوعاً ما كسياسي على يد إرلاندر، وهو أحد مؤسسي نظام الرعاية الاجتماعية السويدي.

وتضيف :”إن أحد الإصلاحات الحيوية كان إنشاء الرياض ودور الحضانة، مما سمح للنساء بأن يصبحوا جزء من القوى العاملة لأول مرة، كما عزز المساواة بين الجنسين في البلاد. وكان صوتاً قوياً ومسموعاً في الشؤون الدولية، ومنتقداً لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي”.

المعارض القوي

عارض “بالمه” غزو الاتحاد السوفييتي لتشيكو سلوفاكيا في عام 1968. وفي عام 1972 قارن بين القصف الأمريكي لفيتنام مع معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى تجميد قصير الأجل للعلاقات بين واشنطن وستوكهولم.

قال بالمه لصحيفة “نيويورك تايمز” عام 1973: “لست نادما على ذلك لأني مضطر للتحدث بصوت عال لجعل كل شخص في هذا العالم يسمع. لا يمكنني السكوت عن هكذا قضايا ولا أحد يستطيع إجباري على فعل ذلك”.

ووصف نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بأنه “نظام بغيض بشكل مميز” وقام بتمويل المؤتمر الوطني الأفريقي، وشجب النظام الفاشي للجنرال فرانكو في إسبانيا واصفاً إياه بـنظام “القتلة اللعين”، وشن حملة ضد انتشار الأسلحة النووية. كما عمل في الثمانينات كوسيط خلال الحرب العراقية-الإيرانية.

أكسبته أعماله الكثير من الأعداء والأصدقاء داخل البلاد وخارجها. وأغضب رجال الأعمال والليبراليين في السويد بسبب إصلاحاته، كما أغضبت انتقاداته الحادة والمتكررة للحكومات الأجنبية القادة في جميع أنحاء العالم باستمرار.

كيف مات؟

في ليلة 28 فبراير 1986 كان بالمه قد رفض مسبقا مرافقة الحراس له، وعندما عاد إلى المنزل واقترحت زوجته أن يحضرا فيلماً سينمائياً بشكل مفاجئ، وتحدثت ليزبت مع ابنهما مارتن، الذي كان قد اشترى تذكرتين لحضور السينما له ولصديقته لحضور فيلم كوميدي.

غادر بالمه وزوجته منزلهما بدون أي مرافقة، واستقلوا قطار مترو الأنفاق من البلدة القديمة التي يسكنوها إلى مركز المدينة، والتقيا بابنهما وصديقته خارج السينما الرئيسية في حوالي الساعة التاسعة مساءً. ثم افترقوا بعد حضور الفيلم، وتوجه بالمه وزوجته نحو “سفيفاغن”، الشارع الأكثر ازدحاماً في السويد.

وعند زاوية الشارع، في تمام الساعة (11:20)، ظهر رجل طويل القامة خلف بالمه وأطلق رصاصتين، واحدة مباشرة على ظهره من مسافة قريبة، والأخرى على ليزبت.

ثم جرى القاتل هارباً عبر الشارع وصعد الدرج إلى شارع مجاور، واختفى.

ربما يعجبك أيضا