توتر في العلاقات التركية – الروسية بسبب “ليبيا” و”إدلب”

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

توترت العلاقات التركية الروسية مرة أخرى، بشكل ظهر جليًّا على الأرض في إدلب وليبيا، فوسائل الإعلام الروسية بدأت للترويج بأن المعركة في إدلب على الأبواب، وقد يكون ذلك صحيحًا، وقد يكون مجرد تهديدات للحصول على تنازلات في ملف إدلب أو الملفات الإقليمية الأخرى خصوصًا ليبيا.

بعض وسائل الإعلام طرحت إمكانية أن يتوصل الروس والأتراك إلى مقايضة إدلب بأكملها بليبيا، ولكن هذه المقايضة مستحيلة؛ فالأحلام التركية ترى أن إدلب بل وشمال سوريا والعراق (حلب وإدلب والموصل وأربيل) أيضًا جزء منها، صحيح أن السياسيين في تركيا لم يصرحوا بذلك، ولكن ما يدور على الأرض يؤكد سعي أنقرة لذلك، خصوصًا أن تلك الأحلام مرتبطة بانتهاء اتفاقية لوزان الشهيرة في 2023.

ومن ناحية أخرى فإدلب خط أحمر أمريكي وغربي، بسبب مشكلة اللاجئين، وبسبب رغبة واشنطن في إرغام النظام على الحل السياسي بعدما أقر الكونجرس قانون “قيصر”، ولهذا هدد الرئيس الأمريكي مرارًا بأنه لن يسمح بمجازر في إدلب.

لكن توتر العلاقات الروسية التركية واضح وجلي، وقد يحصل صِدام قريب بينهما، ولكن هذه المرة لن يكون في إدلب السورية وحدها، على غرار ما حدث بينهما قبل أشهر، بل كذلك في محيط الهلال النفطي في ليبيا حيث ثروات ليبيا الهائلة من النفط.

سبب إلغاء الزيارة

فيما كشفت مصادر صحفية أسباب إلغاء وزيرَي الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” والدفاع “سيرغي شويغو” الزيارة التي كان من المقرر أن يجرياها إلى تركيا وتأجيلها إلى موعد لاحق، حيث قالت: إن نائب وزير الخارجية الروسي وصل السبت إلى أنقرة وسلم المسؤولين الأتراك مُقترَحات أعدتها بلاده بشأن الوضع في ليبيا، تحضيرًا لمناقشتها خلال الاجتماع الذي كان سيُعقد الأحد، إلا أنها لم تلقَ قبولًا لدى الجانب التركي، وأمام هذا الرفض تمَّ إلغاء الزيارة وتأجيلها إلى وقت يتم تحديده لاحقًا.

واكتفت وزارة الخارجية الروسية بالقول: إن خبراء البلدين مستمران في إجراء اتصالات مكثفة بشأن اتفاق سريع لوقف النار في ليبيا، وكشف الدبلوماسي الروسي السابق، فيتشسلاف ماتوزوف أن “الزيارة كانت تحظى بقدر كبير من الأهمية، وكان من المفترض أن يبحث الفريقان قضايا مهمة في ليبيا وسوريا، وكان لابد أن يسبقها تنسيق وتعاون عسكري ودبلوماسي على قدر كبير من الدقة”، ولفت إلى أن “فشل انعقاد اللقاء يكشف عن سوء إعداد وتخطيط بسبب غياب التوافق بين روسيا وتركيا”.

وترفض موسكو الدعم التركي المتواصل، على اختلاف أشكاله إلى حكومة الوفاق في طرابلس، خاصة بعد توقيع الاتفاقيتين البحرية والعسكرية بين أنقرة ورئيس المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق فايز السراج، في نوفمبر الماضي.

بدوره قال مسؤول تركي: إن الخلاف الرئيسي بين الجانبين، يتمثل في رفض روسيا المساعي العسكرية التركية للسيطرة على مدينة سرت الساحلية.

استبعاد إمكانية المقايضة 

بعض المراقبين يرون إمكانية عقد مقايضة بين الطرفين، تسمح فيها تركيا بإخراج تنظيمات متشددة من إدلب كتنظيم “حراس الدين”، وهو أصلًا واحد من المطالب الروسية، مقابل السماح الروسي بتمدد تركي في ليبيا والتخلي عن الخطوط الحمراء التي رسمتها موسكو سابقًا هناك، وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أصدر تصريحًا نادرًا الأسبوع الماضي، بالقول: هناك “جماعات متطرفة في إدلب” تعمل على تخريب وقف إطلاق النار، وهو التصريح الذي أثار تكهنات قوية عما يجري بين روسيا وتركيا واتفاقياتهم في إدلب، إلا أن مثل هذا الحديث يبقى مجرد تكهنات صحفية ليس أكثر، وليس هناك على الأرض ما يدعمه.

كذلك ما يضعف تلك النظرية أن البلدان العربية الكبيرة لن تسمح بتمرير مقايضة كهذه أصلًا.

الإعلام الروسي يروج لمعركة في إدلب

وأمام هذه التوترات، بدأت وسائل الإعلام الروسية الترويج شيئًا فشيئًا إلى احتمالية خرق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين تركيا وروسيا بخصوص محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وعودة العمليات العسكرية إلى المنطقة، بعد هدوء جزئي دام لأكثر من 3 أشهر.

وعلى الرغم من أن الدوريات الروسية التركية تسير بشكل شبه أسبوعي على طريق “حلب – اللاذقية” الدولي، والمعروف باسم “M4″، إلا أن الإعلام الروسي اتخذ من الطريق ذريعة لخرق وقف إطلاق النار، حيث نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عمن أسمته “مصدرًا ميدانيًّا رفيع المستوى” أن روسيا منحت تركيا مهلة لفتح الطريق “M4” بالطرق السلمية، وقد انتهت المهلة، واعتبر أن إعادة العمليات العسكرية باتت أمرًا واقعًا والمعركة “على الأبواب”، وأشار إلى “وضع اللمسات الأخيرة على خطة العمل العسكري”، واضعًا “جبل الزاوية وما تبقى من سهل الغاب هدفًا” حسب وصفه.

وبالفعل يواصل النظام حشد قواته في محيط إدلب وسهل الغاب، كما قامت المليشيات الشيعية متعددة الجنسيات وفي مقدمتها ميليشيا فاطميون الأفغانية الشيعية بحشد قوات كبير في شمال حماة وغربها، فضلا عن قوات الحرس الثوري الإيراني المنتشرة في شرق محافظة إدلب، ومؤخرًا شنت الطائرات الروسية عدة غارات جوية على منطقة “جبل الزاوية” جنوب إدلب، وكثفت الميليشيات على الأرض من عمليات التسلل نحو مواقع الفصائل الثورية بالمنطقة.

فيما قال المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير” النقيب “ناجي مصطفى”: إن الفصائل مستعدة لأي تحرك مضاد من قِبَل الميليشيات الموالية لروسيا وإيران، حيث تعمل على إعداد المقاتلين، وزيادة خبرتهم القتالية، إضافةً إلى تجهيز الخطوط الدفاعية على كافة المحاور، كما تم إعداد خطط هجومية، وتعزيز المحاور بكافة الوسائط النارية.

وقبل قليل جرت مكالمة هاتفية بين الرئيسين التركي والروسي حيث وافقا على العمل المشترك من أجل وقف إطلاق النار في ليبيا، ويُجري خبراءُ من البلدين مباحثات موسعة بهدف التوصل إلى اتفاق مبكر لوقف إطلاق النار، وإطلاق عملية التفاوض بين أطراف النزاع في المجالين السياسي والاقتصادي برعاية الأمم المتحدة، وفقًا لقرارات مؤتمر برلين في 19 يناير الماضي، حسبما قالت وزارة الخارجية الروسية، وفي حال فشل تلك المفاوضات لا شك أن العلاقات بينهما ستتدهور إلى أقصى حد.

ربما يعجبك أيضا