فساد القضاء الإيراني.. منح التوبة لقاض فاسد ومقتل آخر في رومانيا

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

إن محاكمة المساعد السابق لرئيس القضاء الإيراني، أكبر طبري في اتهامات بالفساد بالمالي كشفت عن هروب القاضي، غلام رضا منصوري، المعروف بقمع عشرات الصحفيين، بعد تورطه في الحصول على رشاوى.

وكان رئيس السلطة القضائية الحالي، إبراهيم رئيسي، قد قام بعد أسبوعين من تعيين طبري، بعزله من منصبه، يوم 18 مارس/ آذار 2019.

يذكر أن أكبر طبري، قبل رئاسة صادق لاريجاني للسلطة القضائية، كان يشغل منصب المدير العام للشؤون المالية لجهاز القضاء.

تجدر الإشارة إلى أن رئيس السلطة القضائية الحالي، إبراهيم رئيسي، قد أشار، في وقت سابق، إلى وجود فساد في هذه السلطة، مؤكدًا ضرورة مكافحته، كما تعهد بتقديم تقرير مالي سنوي عن حسابات المؤسسة القضائية.

محاكمة طبري

يذكر أن طبري تم اعتقاله في أبريل العام الماضي، باعتباره أحد الشخصيات الرئيسية في مكتب صادق آملي لاريجاني الرئيس السابق للسلطة القضائية، في مجموعة تتعلق بالفساد.

وبحسب ممثل الادعاء العام، فإن إحدى قضايا الفساد الاقتصادي لأكبر طبري تتعلق بشخص يدعى مصطفى نياز آذري، أحد أكبر المختلسين، والذي قدم أرضا بمساحة 15 ألف متر مربع في مدينة بابلسر السياحية وثلاث فيلات بقيمة 4 مليارات ومئتي مليون تومان، وذلك مقابل إغلاق قضية فساد.

ووفقا للائحة التهم، فقد هرب مصطفى نياز آذري إلى الخارج بعد أن أطلق سراحه بتدخل من أكبر طبري.

أما القضية الأخرى التي أثيرت في جلسة المحكمة الأحد فتتعلق بشخص يدعى رسول دانيال زاده، الذي بحسب ممثل المدعي العام، قام أكبر طبري بإصدار أمر يمنع ملاحقته من قضايا تتعلق بالفساد وذلك بعد ما تلقى منه رشاوى كبيرة تضمنت 3 وحدات سكنية فاخرة في مجمع “روما” و3 وحدات في مبنى “فلورا” في طهران.

بالإضافة إلى ذلك، دفع رسول دانيال زاده 18 مليارا و300 مليون تومان على شكل رشاوى إلى أكبر طبري.

هذا وتأتي هذه التهم في الوقت الذي كتب فيه مكتب صادق آملي لاريجاني في بيان في يوليو / تموز 2019 أن الرئيس السابق للسلطة القضائية حقق “بشكل مستقل” في الادعاءات ضد طبري، ورأى أن التهم ” غير صحيحة”.

يذكر أن المرشد الايراني كان قد أقال صادق لاريجاني في يناير 2018 واستبدله بإبراهيم رئيسي رئيسًا للسلطة القضائية، لكنه عيّن لاريجاني لاحقا رئيسًا لمجلس تشخيص مصلحة النظام.

وتضم قضية طبري أيضاً 20 متهماً آخرين كانوا متورطين بشكل رئيسي في فساد أجهزة القضاء، وتلقي رشاوى من المتهمين وإعطاء رشاوى للقضاة، وتهم مشابهة.

محاولة إنقاذ

كان النائب الأول لرئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجائي، قد دعا خلال مراسم تقديم الرئيس الجديد لمنظمة السجون الإيرانية، دعا الرئيس الجديد والمؤسسات الأخرى إلى فتح “فصل جديد” بخصوص توبة السجناء.

ولاقت تصريحات محسني آجه إي انتشارًا واسعًا على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وقد اعتبر البعض أن هذه التصريحات تتعلق بموضوع ملف أكبر طبري.

وعلى الرغم من هذا، فقد أصر محسني إيجائي بعد أيام أيضًا على نفس التصريحات التي أدلى بها، وقال: “علينا أن نقلص أرضية الفساد، وإذا لم نتمكن من ذلك، فنحن المقصرون، ويجب علينا تقديم التحذيرات اللازمة بعد إزالة أرضية الفساد. إذا ارتكب شخص خطأ ما، ويريد حقًا أن يُعوّض عن جريمته فلنمنحه فرصة”.

وردًا على هذه التصريحات، نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا) في تقرير عن متابعيها قولهم: “أحد الأسئلة الأكثر شيوعًا هو: لماذا لم يتذكر مساعد الجهاز القضائية قبل هذا موضوع التوبة بخصوص الكثير من الملفات القضائية المثيرة للجدل، وتذكرها في هذه الفترة الزمنية وتزامنا مع ملف طبري؟”، علمًا بأن بعض المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي أشاروا إلى موضوع علي رضا ما فيها، ومحمد علي سروري، الشابين اللذين أعدما عام 2012 بسبب سرقة 70 ألف تومان من شخص بالقوة والساطور.

وردًا على تصريحات إيجائي، بشأن إتاحة فرصة “التوبة” للمتهمين، والتي اعتبرها البعض إشارةً إلى مساعد السلطة القضائية الإيرانية السابق، أكبر طبري، قال النائب عن مدينة أردبيل في البرلمان الإيراني، كاظم موسوي، إن هذه التوبة يجب أن تحظى بقبول المرشد الإيراني، علي خامنئي، أو الشعب.

القاض الهارب

أعلن القضاء الإيراني، السبت الماضي، 13 يونيو/حزيران، عن اعتقال غلام رضا منصوري، القاضي المتهم في قضية الفساد الاقتصادي في السلطة القضائية. وأوضح أن منصوري تم اعتقاله في رومانيا، لكن لم يتم نقله إلى إيران في الوقت الحالي لعدم وجود رحلات بسبب تفشي مرض كورونا.

وغلام رضا منصوري الذي فر من إيران في العام الماضي واحد من عدد من القضاة الذين اتهموا بالفساد خلال محاكمة كبرى لمسؤول قضائي كبير سابق بدأت في طهران في السابع من يونيو/حزيران.

وألقت الشرطة الرومانية القبض على منصوري في وقت سابق من الشهر الجاري وكان من المتوقع أن تصدر محكمة رومانية حكمًا في الشهر المقبل حول ما إذا كان يتم تسليمه لإيران.

يُشار إلى أن غلام رضا منصوري كان قاضيًا في لواسان (شمالي إيران)، وهو محقق في الفرع 9 من محكمة موظفي الحكومة، وقاضٍ في محكمة الإعلام، ومتهم بتلقي رشوة بقيمة 500 ألف يورو مقابل السماح بالبناء “غير القانوني” لفيلتي “باستي هليز” و”كلاك”.

وفي وقت سابق، ذكرت منظمة “مراسلون بلا حدود”، ومكتبها في ألمانيا، ومنظمة “حرية الصحافة والصحافيين”، أن محكمة فيدرالية ألمانية قد رفعت دعوى ضد منصوري، كما دعا عدد من منظمات ونشطاء حقوق الإنسان إلى مُقاضاته في ألمانيا. وبحسب التقارير، كان القاضي منصوري قد أمر باعتقال جماعي لعدد من الصحافيين في عام 2012.

مقتل منصوري

تم العثور على جثمان القاضي الإيراني، غلام رضا منصوري، أمس الجمعة 19 يونيو/ حزيران، خارج الفندق الذي يُقيم فيه.

وأفاد مراسل إذاعة “أوروبا الحرة” من رومانيا، بأن القاضي منصوري تم قذفه من شرفة الفندق الذي كان يقيم فيه، مما أدى إلى إنهاء حياته.

من جانبه قال رئيس جهاز الإنتربول في الشرطة الإيرانية، هادي شيرزاد إن الشرطة في بوخارست أكدت انتحار غلام رضا منصوري. دون أن يذكر أي تفاصيل حول ذلك.

وفي أول رد رسمي إيراني قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، إن القاضي منصوري كان قد راجع السفارة الإيرانية في بوخارست، مضيفًا أن طهران تبقى في انتظار التقرير الرسمي للحادث.

وجاء في تقرير إذاعة “أوروبا الحرة” أن الشرطة تحقق في سبب الوفاة، وهل هذا الشخص تم قذفه من شرفة الفندق أم أقدم على الانتحار.

وقد وصف علي باقري کني، مساعد رئيس السلطة القضائية للشؤون الدولية، الحادث بـ”الانتحار”.

وصرَّح “كني” بأنه “بحسب المعلومات المتوافرة لدينا من شرطة الإنتربول، وهُم من خلال الشرطة الرومانية، يبدو أن سبب وفاة القاضي منصوري هو الانتحار، وليست لدينا معلومات أخرى، وعلينا أن ننتظر مزيدًا من التفاصيل؛ لمعرفة سبب وفاته”.

من جهته، كتب حسام الدين أشنا، من المديرين السابقين لوزارة الاستخبارات اﻹيرانية ومستشار الرئيس اﻹيراني حسن روحاني: “لا تسمحوا بفبركة الملف، واحذروا مواد إزالة الشعر، رجاءً”.

وفي السياق نفسه، قال محامي القاضي المقتول لصحيفة “اعتماد”، إن أسرة القاضي رضا منصوري علِمت بوفاته من خلال وسائل الإعلام. وذكر أنه فور تلقيه نبأ مقتل القاضي منصوري “فحص آخر اتصال له بالإنترنت، واكتشف أن تطبيق واتساب منصوري كان نشطًا حتى الساعة الـ3:15 مساءً، وأنه من المُحتمل أنه قد استخدم الواتساب الخاص به إلى ذلك الوقت”.

وأضاف المحامي أن “عائلة منصوري اتصلت به آخر مرة في الساعة الـ11 صباح يوم الجمعة، وكان في حالة جيدة”.

وعلى الرغم من مرور ساعات على العثور على جثة القاضي الهارب، بالفندق الروماني، لم تنشر السفارة الإيرانية في بوخارست، التي تقع على بُعد بضع مئات الأمتار من الفندق، أي شيء بخصوص الحادث، على موقعها بالإنترنت.

يُشار إلى أنه خلال جلسة محاكمة طبري، أكد ممثل النائب العام أن القضاء الإيراني “ظنَّ” أن منصوري موجود في إيران؛ وذلك لأنه ترك هاتفه المحمول مفتوحًا في البلاد.

ويبقى السؤال، من يقف وراء مقتل القاضي الهارب منصوري، في ظل مؤشرات تكشف التغطية على الفاسدين في القضاء الإيراني؟.

ربما يعجبك أيضا