الاعتراف بفلسطين.. طريق بريطانيا لتصحيح وعد بلفور

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

تزامنًا مع مساعي حكومة الاحتلال ضم 30% من أراض الضفة الغربية، كانت هناك دعوة لبريطانيا للاعتراف بدولة فلسطين وتصحيح وعد بلفور الذي مكن الصهاينية من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، بعدما أعلنت الحكومة البريطانية اعتراضها على خطة الضم الإسرائيلية، فهل تصحح حكومة جونسون خطأ بلادها بعد مرور 102 عامًا على وعد من لا يملك لمن لا يستحق.

دعوة للتصحيح

بعد مرور أكثر من 102 عام على وعد بلفور، دعا آفي شلايم شلايم الكاتب ذو الأصول العراقية في مقال بصحيفة “الجارديان” البريطانية، حكومة بوريس جونسون للاعتراف بدولة فلسطين وتصحيح وعد بلفور.

وقال شلايم، في مقاله: “إذا كان هناك وقت لإعادة دراسة الإرث والمسؤوليات الاستعمارية، فهذا هو الوقت المناسب”، مشيرًا إلى أن هذا التوقيت يتزامن مع الكشف عن خطط إسرائيلية لضم الضفة الغربية.

وأضاف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، أن “سرقة فلسطين من الفلسطينيين كانت جزءًا من هذا الإرث، ففي 2 نوفمبر 1917 أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور إعلانه الشهر بدعم وطن قومي لليهود في فلسطين”.

وأشار الكاتب إلى أن “اليهود كانوا يشكلون 10% من سكان فلسطين في هذا الوقت، بينما باقي السكان كانوا من العرب، إلا أن بريطانيا اعترفت بالحقوق الوطنية لأقلية صغيرة وحرمت منها الأغلبية”. 

وذكر الكاتب أن إعلان وعد بلفور مكن الحركة الصهيونية من الشروع في الاستيلاء المنهجي على فلسطين، العملية التي وصفها الصهاينة أنفسهم بأنها استعمار استيطاني.

قصة استيلاء اليهود

في 1917 كان اليهود يسيطرون على 2% فقط من فلسطين، ولكن في 1947 اقترحت الأمم المتحدة تقسيم الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين واحدة للعرب وأخرى لليهود.

وبموجب هذه الخطة، تم تخصيص 55% من فلسطين لليهود، على الرغم من أنهم كانوا يسيطرون على 7% فقط.

وفي أعقاب حرب 1948، وسع الاحتلال الصهيوني الأراضي التي تحت سيطرته لتبلغ 78% من أرض فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني.

وتأكد هذا الوضع الذي أعقب الحرب في اتفاقيات الهدنة التي توصلت إليها إسرائيل في 1949 مع الدول العربية المجاورة، وهي الحدود الوحيدة المعترف بها دوليًا التي كانت لديها.

وفي يونيو 1967 أكملت إسرائيل غزوها لفلسطين باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبتوقيع اتفاق أوسلو مع إسرائيل في 1993، تخلت منظمة التحرير الفلسطينية عن مطالبتها بـ 78% من فلسطين.

وفي المقابل، كان الفلسطينيون يأملون في إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها الجزء الشرقية من القدس المحتلة، لكن مع التوسع المستمر في المستوطنات الإسرائيلية وانتهاك القوانين الدولية كل ذلك أدى لانهيار عملية أسلو للسلام.

وتعزز هذه المستوطنات المشروع الاستعماري خلف الخط الأخضر، “حدود ما قبل 1967″، والتي أظهرت أن جميع الحكومات الإسرائيلية التي تشكلت منذ اتفاق أوسلو بما فيها حكومات حزبي العمل والليكود، أكثر اهتمامًا بالأرض من السلام.

خطة الضم الإسرائيلية

وبعد أن تشكل ائتلاف حكومي مؤخرًا إثر 3 انتخابات غير حاسمة خلال عام، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطته الرسمية لضم 30% من الضفة بما في ذلك الكتل الاستيطانية، ووادي الأردن.

وفي حال تم الضم الذي تؤيده أغلبية في الكنيست، سيترك للفلسطينيين 15% من فلسطين التاريخية، ويدق المسمار الأخير في نعش حل الدولتين، الذي لايزال يتمسك به المجتمع الدولي.

يأتي الضم بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصديق والحليف السياسي المقرب من نتنياهو، وذلك في إطار خطته التي أعلن عنها مطلع العام الماضي والمعروفة بـ “صفقة القرن”.

ويمكن القول: إن هذه ليست خطة سلام ولكن مصادقة من الولايات المتحدة على كل عنصر في قائمة أمنيات نتنياهو، التي احتفى بها مع رفاقه وكأنها “وعد بلفور ثان”.

بالنسبة للفلسطينيين، تقدم خطة ترامب مكافأة ضئيلة بقيمة 50 مليار دولار على مدى خمس سنوات إذا وافقوا على “دولة” تتكون من مجموعة من الجيوب المحاطة بالمستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية، بدون تواصل جغرافي، ولا عاصمة في القدس الشرقية، ولا الجيش، لا حدود مع العالم الخارجي، ولا سيطرة على مجالهم الجوي أو مواردهم الطبيعية. لن يُسمح لهم بتسمية هذه الدولة إلا إذا استوفوا قائمة الشروط التي حددتها إسرائيل.

هل تعترف بريطانيا بفلسطين؟

في المقابل، كان لموقف بريطانيا الرافض لخطة الضم، وانضمامها إلى عشر دول أخرى في الاتحاد الأوروبي لتحذير إسرائيل من الضم، بادرة أمل لتصحيح الموروث الاستعمار الذي خلفته في فلسطين.

وفي الوقت ذاته وقع 130 نائبًا في مجلس العموم البريطاني خطابًا مفتوحًا يحث رئيس الوزراء بوريس جونسون على فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل في حال مضت قدمًا في خطة الضم.

ويمثل الاعتراف بفلسطين كدولة داخل حدود 1967، طريق آخر أمام بريطانيا لتصحيح أخطاء بلفور، والوقوف في نهاية الأمر في الجانب الصحيح من التاريخ.

في سيرة ونستون تشرشل لعام 2014، وصف بوريس جونسون تصريح بلفور بأنه “غريب” و”غير متماسك بشكل مأساوي” و”قطعة رائعة من فودجياما وزارة الخارجية”، وهو مثال نادر للحكم السليم والدقة التاريخية من قلم جونسون.

وفي 2017 رفض وزير الخارجية البريطاني آنذاك بوريس جونسون، دعوة حزب العمال للحكومة البريطانية للاعتراف رسميًا بدولة في فلسطين في الذكرى المئوية لوعد بلفور، معلنًا أن “الوقت لم يحن بعد للعب بهذا الكارت”.. فهل آن الآوان لحكومة جونسون الاعتراف بدولة فلسطين؟

ربما يعجبك أيضا