قانون الإدماج.. هل بات حلًا لمشاكل اللاجئين بهولندا؟

سحر رمزي

رؤية – سحر رمزي

أمستردام – ما زالت هولندا تبحث عن حل لإحداث حالة من الإدماج أو المواطنة للوافدين الجدد من اللاجئين، ومؤخرا أصدرت تقريرًا هامًا عن أسباب إعاقة الاندماج، ووجدت الحل في  قانون جديد لتحقيق هذا الإدماج، ولكن بالنسبة للاجئ مشكلته تنحصر في شيء آخر وهو في كلمة الاندماج ويرى أنه يفضل كلمة مواطنة، باعتباره يعيش في هولندا ويتقبل قوانينها ونظامها ولكنه غير مطالب بالذوبان في البلاد.

وحسب تقرير هام نشر في وسائل الإعلام الهولندية وخاصة “أن أو أس”، والذي جاء بناء على وجهات نظر بعض من اللاجئين أن فكرة المواطنة أفضل من الاندماج، وأن الكثيرين يواجهون صعوبة شديدة بالتخلي عن ثقافتهم لصالح الانتماء إلى معايير وقيم جديدة، وأن “الالتزام بالواجبات والمساواة في الحقوق، واحترام ثقافة، انتماء وآراء الآخرين من أهم مظاهر الاندماج، وأنه كلما زاد شعور المهاجرين باحترام ثقافتهم، كلما أسرعوا في الاندماج ببلدهم الجديد.
 
المرأة العربية والشرق أوسطية لا تندمج بسهولة

حسب التقرير الهولندي، غالباً ما تجد المهاجرة العربية أو الشرق أوسطية الجديدة، نفسها في أوروبا بين ضرورتي الاندماج في المجتمع الجديد من جهة، والحفاظ على “الهوية” و”العادات” و”التقاليد” من جهة أخرى. إذ يقتصر دور المرأة على تأدية المهام المنزلية التقليدية بدل المشاركة الفاعلة في المجتمع، وقد أظهرت دراسة صادرة عن مؤسستي الاندماج والمعرفة الهولنديتين، تمكنت نسبة كبيرة من الرجال المهاجرين الجدد من إيجاد فرص للعمل، بينما اقتصر ذلك على القليل من السيدات. ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى إهمال البلديات، المنظمات والشركات الهولندية، للسيدات القادمات إلى أوروبا وعدم الجدية في مساعدتهن للدخول في سوق العمل الهولندي، ولعل أصعب ما يواجه المرأة تعلّم اللغة، أو التفاعل الإيجابي مع المواطنين الهولنديين. وأنه من الضرورة منح المرأة الأولوية للعمل والمساهمة في المجتمع فبدونها تبقى هذه العملية يشوبها الكثير من العيوب.

العمل محفز للاندماج

العبارة المفضلة للبلديات “يجب عليك الحصول على وظيفة في أسرع وقت ممكن”، للتخلص من عبء المساعدات الاجتماعية المقدمة للوافدين الجدد، السبيل الأمثل للاندماج. إلا أن سوق العمل الهولندي يواجه تحديات كبيرة في استيعاب كل الوافدين الجدد، لا سيما وأن الكثير منهم يفتقر التدريب، الشهادة والمهارات اللغوية المطلوبة في هولندا ففي مقارنة لحجم توظيف القادمين الجدد في بعض دول الاتحاد الأوروبي مع هولندا، أظهرت دراسة للمعهد الهولندي للبحوث الاقتصادية تعثراً هولندياً في استقطاب القادمين الجدد في سوق العمل. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، لا تشترط السلطات، تصريح إقامة أو دبلوماً يسمح بمشاركة الوافدين الجدد في سوق العمل، وغالباً ما يمنح سوق العمل الألماني، فرصة المشاركة لذوي الخبرة والمؤهلات اللازمة، ولكن من جانب آخر، تتميز هولندا تعزيزها للتدريب والعمل التطوعي في أوساط اللاجئين بغية إعادة تأهيلهم مهنياً للدخول في المعاهد، المؤسسات والشركات الهولندية. ويعد العمل التطوعي في هولندا جسراً مهماً لخلق التواصل مع المجتمع الهولندي، خصوصاً أنه يلعب دوراً أساسياً في عملية الاندماج ويسهل الحصول على فرصة عمل في المستقبل

دور اللغة في الاندماج

وأكد التقرير الهولندي أن أهمية لغة البلد تأتي من صلتها الوطيدة بعملية الاندماج والتأقلم في المجتمع. فهي تلعب أدواراً متعددة في عملية الاندماج سواءً على المستوى الشخصي أو الاجتماعي. وعلى صعيد الوافدين الجديد تتحول اللغة إلى أداة وصل بينهم و بين المجتمع مما يعزز عملية الاندماج؛ إذ إنه من دون تعلم اللغة سيكون من الصعب جداً، وربما من المستحيل التفاعل مع المجتمع أو السلطات الهولندية.

ومن جهة أخرى فإنها تعتبر رمزاً للانتماء أو ربما سبباً لظهور حالات من التمييز داخل المجتمع ضد الأشخاص الذين لا يتحدثون بها، لكن اللغة الهولندية تشكل بالنسبة للكثير العقبة الأساسية أمام الاندماج نظراً إلى صعوبة تعلمها واستساغتها. فيصعب على بعضهم تخطي اختبار اللغة والاندماج المعروف باسم “أنبورخرينك”، الأمر الذي يثني الكثير عن مواصلة التعلم ويحثهم على تقديم طلبات للحصول على إعفاء من هذه الاختبارات بدلاً من اجتيازها.

هولندا تحل أزمة احتيال مدارس اللاجئين بالقانون

أما فيما يتعلق باللاجئين العوائل، يعلل الآباء عدم حاجتهم لتعلم اللغة الهولندية حيث إن أطفالهم يتعلمونها بسرعة فائقة بعد وصولهم إلى هولندا. إذ يصبح الأبناء، بهذه الحالة، وسيلة اتصال دائمة بين المجتمع الهولندي وآبائهم، مما يقلل من فرص اندماج الأخير لينعكس سلباً على المشاركة في جميع مجالات المجتمع على قدم المساواة مع مواطني الدولة، بالإضافة إلى الصعوبات المذكورة، إلا أن التحدي الأخطر، يكمن في احتيال مدارس اللغة الهولندية التي كشفتها صحيفة الـ”فولكس كرانت” قبل أسابيع. حيث يتم التحايل لتقاضي جزء من مبلغ “قرض اللغة” بالاتفاق بين الطالب والمدرسة، من خلال توقيعهم على فواتير الدروس الوهمية بزعم تقديمها للطالب، ليتم تقاسم المبلغ بين الطرفين دون أن يكون الطالب قد حضر الدروس أو تعلّم اللغة، وبسبب عمليات الاحتيال  في مدارس اللغة، ستعتمد هولندا سياسة اندماج جديدة ابتداء من العام القادم، بموجبه سيتم إلغاء نظام “قرض اللغة” لتتحول مسؤولية الإشراف على إدماج القادمين الجدد إلى البلديات.

موافقة البرلمان شرط التنفيذ

مؤخرا وافقت الحكومة على مشروع قانون حول نظام جديد لإدماج الوافدين. وفق النظام الجديد يتعلم الوافدون الجدد اللغة الهولندية ويبدأون العمل بأسرع وقت ممكن. المشاركة هي الطريق الأفضل للاندماج. وتشكل السرعة والعمل حسب المقاس ميزات محورية في هذا النظام. باقتراح من وزير العمل والشؤون الاجتماعية كولميس سيعرض القانون الآن على مجلس النواب.

يهدف مشروع القانون إلى اعتماد نظام جديد للاندماج يتيح للوافدين البداية السريعة في مسار الاندماج وتعلم اللغة الهولندية بشكل أفضل. ومن الأفضل أن يدمجوا بين دروس اللغة والعمل المأجور أو التطوعي. بهذه الطريقة يمكنهم المشاركة السريعة والقيـّمة في المجتمع الهولندي، وسيكون للبلديات دور مهم وفق النظام الجديد: فهم الأقرب إلى متابعي دورات الاندماج، مما يمكّنهم من تقديم العمل الضروري لكل حالة حسب حاجتها. كما ستخفف البلديات من الأعباء عن حاملي إقامات اللجوء الذين يتلقون المعونة الاجتماعية. حيث ستدفع البلديات عنهم في الشهور الستة الأولى فواتير الإيجار والتأمين الصحي والماء والغاز والكهرباء اقتطاعها من المعونة الشهرية. فقد أظهرت دراسة أجرتها مفتشية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن حاملي إقامة اللجوء في الشهور الأولى كثيراً ما يواجهون مصاعب في تدبير الشؤون المالية. يهدف هذا الإجراء إلى تحقيق درجة من الاستقرار للتفرغ للبدء بالاندماج

النظام الحالي ليس كافيًا

يعاني النظام الحالي للاندماج من النقص من عدة جوانب. حيث هناك الكثير من العوائق التي تجعل الوافدين يحتاجون إلى وقت أطول من اللازم لإكمال الاندماج. كما أن النظام لا يشجعهم على بلوغ أعلى مستوى ممكن من إجادة اللغة، كما يتيح النظام الحالي إمكانية لذوي النوايا السيئة لممارسة الاحتيال من خلال نظام الفواتير لتمويل دروس اللغة على سبيل المثال. هذه المشكلة ستحلّ ايضاً، حيث سيلغى نظام القروض للاجئين الذي يتيح لمتابعي دورات الاندماج دفع تكاليف دروس اللغة بأنفسهم. في النظام الجديد يتم دفع تكاليف دروس اللغة لهذه الفئة من قبل البلدية مباشرة.

بدء التطبيق

تعلق الحكومة أهمية كبيرة على الإسراع في الإجراءات البرلمانية الخاصة بمشروع القانون، لكي يصبح بالإمكان البدء بتطبيق النظام الجديد في الأول من تموز (يوليو) 2021

ربما يعجبك أيضا