أهالي الأسرى الفلسطينيين يخشون الرقم 225‎

محمود

كتب – محمد عبد الكريم

مع إطلالة كل صباح، يمشي سميح قعدان من مدينة رفح جنوب قطاع غزة نحو الجدار، حيث علق “الروزنامة” أو التقويم التي تظهر أيام السنة، ليشطب يوما آخر مضى على نجله عبد الرؤوف (المحكوم 16 عاما في سجون الاحتلال) عسى ذلك أن يقرب موعد اللقاء بينهما.

رغم أنه في عقده السابع إلا أن العجوز قعدان لا يخشى المنية على نفسه، بقدر ما يخشى على حياة نجله رغم أنه يؤكد أنه بوضع صحي جيد، إلا أن حياة الأسرى الفلسطينيين بين أيدي سجانيهم تكون دائما على المحك، كحال الأسير محمد عايد صلاح الدين (20 عاماً)، الذي أبلغ الاحتلال الإسرائيلي، عائلته بإصابته بالسرطان فجأة، ونقله إلى المستشفى في وضع صحي خطير، حيث يرفض الاحتلال أيضا السماح للمحامين بزيارته في المستشفى، مما يزيد من قلق العائلة عليه.

وأكد رشدي شقيق الأسير من بلدة حزما شمال شرق القدس المحتلة، لم يكن مصاباً قبل اعتقاله بأي مرض أو يشكو من أوجاع، سوى إصابة برصاص جيش الاحتلال في قدمه، وبقي يعاني منها حتى اللحظة، وإن الاحتلال لم يقدم له أي علاج، بل مسكنات.

ما تخشاه العائلتان ككل عائلات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الذين يبلغ عددهم  4600 أسير، بينهم 41 أسيرة، 170 طفلا، و 380 أسير إداري، هو أن يكون ابنهم هو الشهيد رقم 225 في داخل زنازين الاحتلال، عقب استشهاد الأسير سعدي الغرابلي (75 عاما) من قطاع غزة،  بعد أن رقد في المستشفى لعدة أيام بحالة موت سريري متأثرا بإصابته بالأمراض المزمنة جراء سياسة الإهمال الطبي الممنهج التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى.

الشهيد الغرابلي الذي حمل رقم 224 كآخر شهداء الحركة الأسيرة أمضى 26 عاما في سجون الاحتلال، حيث رفضت إدارة سجون الاحتلال نقله لتلقي العلاج في عيادة سجن الرملة، وتعمدت تركه دون علاج، ما أدى لانتكاسة كبيرة على وضعه الصحي في الأسابيع الماضية واستشهاده صباح الأربعاء.

الغرابلي الذي يعد  من قدامى الأسرى أب لـ10 أبناء، استشهد أحدهم وهو أحمد الغرابلي عام 2002، وتعرض للعزل الانفرادي من عام (1994-2006)، وبدأ بعدها يعاني من أمراض مزمنة منها مرض السكر والضغط وضعف السمع والبصر، ولم يعد يقوى على الكلام، وعانى من حصر في البول، وكان يظلّ يصرخ طوال الليل من الألم، وكانت آخر محاولة لزيارته عام 2003 وانتهت بالفشل، بعد أن منع الاحتلال شقيقه من اجتياز معبر بيت حانون.

وأشار نادي الأسير الفلسطيني إلى أن  قرابة 300 أسير يعانون من أمراض مزمنة، بينهم أكثر من عشرة أسرى مصابون بالسرطان والأورام.

وتشير واقعة  استشهاد الأسير نصار ماجد طقاطقة (31 عاماً) من بلدة بيت فجار بمحافظة بيت لحم العام الماضي، بعد اعتقاله  من منزله وهو بصحة جيدة، ثم نقله إلى مركز تحقيق “المسكوبية” وبعدها إلى مركز تحقيق “الجلمة”، وهو تظهر عليه ملامح تدهور في حالته الصحية بسبب التحقيق، ثم إدخاله إلى “معبار” معتقل “مجدو” وتم نقله إلى إحدى الزنازين في معتقل “مجدو”، واعتدى عليه السجانون بالضرب المبرّح وقاموا بتقييده بالسرير، ثم نقله إلى مستشفى سجن “الرملة” على حمّالة، ثم الإعلان عن استشهاده لاحقا بفعل التعذيب الذي قاربت أشكاله في سجون الاحتلال الـ80 شكلاً.

وقد تضاعف في السنوات الأخيرة، وسُجل بعام 2016 زيادة قدرها (100%)عن العام 2015، وبنسبة (400%) عن العام 2014، وذلك من حيث قسوة التعذيب وبشاعة أساليب المُعذبِين، وتنوع أساليب التعذيب ‘النفسية والجسدية’، وتعدد الأشكال المتبعة وكثرتها مع الشخص الواحد، ومن مختلف الفئات العمرية.

وقبله بـ 5 سنوات تعرض الأسير المحرر معاذ غانم (35 عاماً) من بلدة بيت ليد بمحافظة طولكرم، للاعتقال في مركز تحقيق الجلمة (السيئ السمعة)، لمدة شهر حيث فقدت العائلة أخباره، وهو عائد من الاردن.

وبعد تدهور صحة غانم بشكل خطير في مركز التحقيق أفرجت محكمة إسرائيلية عنه، بكفالة مالية، وتم تحويله فوراً إلى المستشفى، وهو لا يدرك ما الذي يدور حوله من أحداث، ولا يعلم ما يتحدث ذووه مع الأطباء، وإن كان يدرك كل ذلك، فهو عاجز عن الرد. فقد خرج من سجون وفي حالة صحية بالغة السوء، استدعت نقله فوراً إلى المستشفى لتلقي العلاج.

وعبثا حاول الأطباء الفلسطينيون عبر الصليب الأحمر الدولي، تسلم تقارير من سلطات الاحتلال، لمعرفة أساليب التعذيب التي أوصلته إلى عدم القدرة على النطق، وانهيار عصبي شديد، وانعدام الإحساس بما يجري من حوله.

وفي أواخر العام الماضي 2018، فجرت قوات الاحتلال الإسرائيلي باب منزل الشهيد محمد الريماوي من محافظة رام الله، وانهالوا عليه بالضرب الوحشي، داخل غرفته، سمعت شقيقته صراخه، فهرعت نحو غرفته حيث كان جنود الاحتلال يضربون رأسه بالحائط، بينما راح جسده ينتفض بسرعة، كأنما روحه تفارق جسده، وحوله يتجمع عدد كبير من الجنود، وما إن حضر والدا الشهيد إلى مسرح الجريمة التي امتدت لعشر دقائق من الضرب الوحشي، حتى وجدا أصغر أبنائهما محمد جثة هامدة، والجنود يحيطونه، وبدأت والدته تصرخ بالقتلة: “ماذا فعلتم به، لماذا لا يتحرك محمد”، ولدى محاولتها شق طريقها نحو ابنها، أشهر جنود الاحتلال السلاح في وجهها طالبين منها الابتعاد وإحضار بطاقة إثبات شخصية الشهيد.

وتؤكد الأم أن ابنها لم يكن يعاني من أية أمراض، باستثناء إصابة برصاصة في قدمه تعرض لها قبل عام، خلال مواجهات في قرية النبي صالح المجاورة، مضيفة “لا يحاولوا تلفيق تهم المرض إليه، محمد ليس مريضا، لقد قتلوه”.

واتهم تقرير صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، الأطباء لدى أجهزة الاحتلال بتعذيب الأسرى، والامتناع عن التدخل لتقديم علاج للأسرى الجرحى والمصابين الذين يتم استجوابهم في غرف التحقيق، بل وحتى المساومة على العلاج مقابل الاعتراف التي يقوم بها المحققون مما يؤكد التواطؤ الطبي في التعذيب.

وقال تقرير الهيئة هناك إشراف منهجي مقصود من قبل الأطباء الإسرائيليين لحاجات الأسرى من العناية الصحية أو النظافة أو الطعام والعديد منهم يلتزم الصمت خلال إساءة معاملة المرضى كالتعرض للضرب والقمع بالغاز والقهر النفسي بالحرمان من الزيارات حيث يقومون بإخفاء المعلومات عن سوء المعاملة للأسرى.

وأوضح التقرير أن الأطباء يخفون نتائج تشريح جثامين الشهداء الأسرى ولا يسلمونها للجهات الرسمية الفلسطينية، إضافة إلى إخفاء معلومات عن أخطاء وتجارب طبية ارتكبت بحق الأسرى خلال علاجهم.

وقال تقرير الهيئة إن الأطباء في مصلحة السجون يتساوقون مع الموقف السياسي للحكومة الإسرائيلية ولأجهزة الأمن في إسرائيل في حالات كثيرة كتقديم تقارير برفض الإفراج المبكر عن أسرى مصابين بحالات صعبة وخطيرة والادعاء أن حالتهم الصحية جيدة، إضافة إلى وضع عقبات كثيرة أمام إدخال أطباء للأسرى لإجراء الفحوصات لهم.

وذكرت الهيئة مجموعة ظواهر تؤكد تواطؤ وتقصير أطباء السجون ومراكز التحقيق في المسؤولية عن العناية بالحالات المرضية الصعبة ومنها:

• سقوط شهداء في صفوف الأسرى تبين أنهم عانوا من أمراض عديدة لم يتم الكشف عنها خلال وجودهم بالسجن، ومنها الشهيد ميسرة أبو حمدية وفادي الدربي وزهير لبادة وياسر حمدونة ، محمد الجلاد وأشرف أبو ذريع وزكريا عيسى وغيرهم.

• عدم تدخل الأطباء في علاج الحالات المرضية المصابة بأمراض نفسية وعصبية، والسكوت على زجهم في زنازين انفرادية.

• سكوت الأطباء عن ارتكاب أخطاء طبية كما جرى مع الأسير سامي أبو دياك الذي أصيب بالتلوث خلال إجراء عملية إزالة ورم له في المعدة في مستشفى سوروكا الإسرائيلي يوم3/9/2015 أدى إلى دخوله في حالة غيبوبة، وكذلك ما جرى مع الأسير ثائر حلاحلة الذي أصيب بالتهاب الكبد الوبائي بعد علاج أسنانه يوم 16/4/2013 بأدوات طبية متسخة وملوثة في عيادة سجن عسقلان، وكذلك ما جرى مع الأسير عثمان أبو خرج الذي تم إعطاؤه إبرة بالخطأ في سجن شطة عام 2007 مما أدى إلى معاناته من التهاب الكبد.

• سكوت الأطباء عن استمرار احتجاز الأسرى المرضى في عيادة سجن الرملة التي هي أسوأ من السجن وتفتقد لكل المقومات الإنسانية والصحية.

• سكوت الأطباء على تشريع قانون التغذية القسرية بحق الأسرى المضربين عن الطعام بما يشكل ذلك من مخاطر صحية ومساس بكرامة وحقوق الأسير المضرب.

• سكوت الأطباء على سياسة تحويل نفقة علاج أي أسير على حسابه الشخصي وخاصة بما يتعلق بتركيب أطراف اصطناعية للأسير المعاق.

• سكوت الأطباء على انتزاع اعترافات تحت التعذيب والتهديد خاصة للقاصرين وعدم تقديم المعلومات التي تشير إلى تعرض الأسير إلى معاملة قاسية خلال استجوابه واعتقاله.

ربما يعجبك أيضا