“الملك بيبي” يريد التخلص من الجميع.. موجة كورونا الثانية تحكم إسرائيل!

محمد عبد الدايم

كتب – د محمد عبدالدايم

– عودة إجراءات الحظر والإغلاق بسبب الموجة الثانية للكورونا.
– مظاهرات مستمرة للأسبوع الثاني أمام منزل نتنياهو.
– بيبي يعترف بالتسرع في العودة إلى الانفتاح الاقتصادي.
– لجنة كورونا تخالف قرارات الحكومة.
– الخلافات بين بيبي وجانتس تعجل بحل الحكومة.
– المتظاهرون والمعارضة يركزون هجومهم على نتنياهو.

صادقت الحكومة الإسرائيلية على الإطار المالي لخطة “الهِبات” التي أعلن عنها نتنياهو الأسبوع الماضي، وتبلغ كلفتها نحو 6 مليارات شيكل من ميزانية الدولة، وفي مؤتمر صحفي شرح نتنياهو تفاصيل الخطة، التي تنص على منح إعانات للمواطنين من المستقلين وأصحاب المصالح التجارية والعاطلين، فوريًا، وحتى بداية عام 2021، على أن يتلقى المواطن الإسرائيلي الأعزب من سن 18 عامًا والمتزوجين بدون أطفال على 750 شيكل، فيما تحصل الأسرة التي لديها ولد واحد على 2000 شيكل، وترتفع إلى 2500 شيكل للأسر التي لديها ولدان، و3000 شيكل للأسر التي لديها ثلاثة أولاد أو أكثر، كما أشار نتنياهو إلى تخفيض الفائدة على الاقتراض، لمواجهة هذا الوضع.

عودة إجراءات الحظر:-

خلال المؤتمر الصحفي، صرح نتنياهو بأن “الخروج من حالة الحظر تم بشكل خاطئ، فبنظرة للوراء قليلا يبدو أن عودة دائرة الاقتصاد للعمل كانت مبكرة” وذلك في معرض حديثه عن الإجراءات الاحترازية التي يتوجب على الحكومة أن تنفذها لمواجهة “الموجة الثانية لكورونا”.

ارتفاع أعداد المصابين بكورونا؛ وضع مِلْحًا على جروح الاقتصاد الإسرائيلي المنهك، وألقى خوفًا لدى الجمهور، خصوصًا وأن قطاعات عديدة أصابها شلل تام، كالمطاعم وشركات الطيران، وجاءت الموجة الثانية للكورونا لتقتل الأمل في الإنعاش بالنسبة لأصحاب المصالح الخاصة كالمطاعم وقاعات المناسبات والاستوديوهات والمعارض والمسارح والملاهي والسيرك والشركات الصغيرة، وما يرتبط بها من عاملين مستقلين.

خطأ الخروج مبكرًا:-

اعتبر نتنياهو أن التعامل الأول مع الوباء شابهه خطأ، تمثل في الخروج من الحظر مبكرًا، والانفتاح السريع لدوائر الاقتصاد والعمل، ويجب تصحيح الخطأ باتخاذ قرارات مسئولة وراشدة، وتمثلت القرارات في العودة للإغلاق الجزئي للمجمعات التجارية والحوانيت بدءا من الخامسة مساءً، وحتى فجر اليوم التالي، واستثناء الصيدليات من الإغلاق، فيما يكون الإغلاق كليًّا خلال نهاية كل أسبوع، وكذلك بالنسبة للشواطئ حمامات السباحة والصالات الرياضية والمتاحف والمعارض والمناطق السياحية، واقتصار عمل المطاعم على خدمات التوصيل.

لم تفرض الحكومة قيودًا على المواطنين بالنسبة للخروج، لكنها شددت على حظر تجمهر أكثر من 10 أشخاص في مكان مغلق، وأكثر من 20 في مناطق مفتوحة، ما عدا أماكن العمل، وتجمعات العائلات.

خلافات مع لجنة كورونا:-

جاءت الإجراءات الاحترازية الجديدة بهدف تسطيح منحنى الإصابات بفيروس كورونا، فيما لم تُنفذ حتى الآن بسبب عدم مصادقة لجنة كورونا بالكنيست على هذه الإجراءات، في الوقت الذي اشتعلت جلسات اللجنة بخلافات حادة بين أعضائها وبين أعضاء من حكومة نتنياهو، مع رفض رئيسة اللجنة يفعات شاشا بيطون تمرير إجراءات الحكومة، مطالبة بإجراء تعديلات عليها أولًا.

لجنة كورونا تخالف الحكومة في آليات تنفيذ الإجراءات الاحترازية، حيث تطالب بأن تغلق الشواطئ وحمامات السباحة في نهايات الأسبوع فقط، ويُسمح للمطاعم بالعمل في الأماكن المفتوحة، وبطاقة استيعابية لا تزيد عن 35% مثل الفنادق، كما توصي بعدم إغلاق صالات الرياضة والمتنزهات السياحية، مع الأخذ بالاحتياطات الصحية المشددة.

رئيسة اللجنة يفعات بيطون رأت في قرارات الحكومة تحزمًا مبالغًا فيه يصيب الإسرائيليين والاقتصاد بشكل حاد، في وقت يحاول الجميع فيه التعافي من الإغلاق السابق، فطالبت بيطون بإيجاد “توازن” بين متطلبات المجتمع وبين الإجراءات الاحترازية، وذلك عبر فهم أبعاد الوباء، اقتصاديًّا وصحيًّا واجتماعيًّا.

تحولت اجتماعات لجنة كورونا مع ممثلي الحكومة إلى ساحة سجال كبير، حيث انتقد نائب وزير الصحة مطالبة اللجنة بعدم الإغلاق الكلي للشواطئ والمطاعم وصالات الرياضة وحمامات السباحة، باعتبار أن المرضى لا يعرفون تحديدًا من أين انتقلت إليهم العدوى، واستمرار هذه الأنشطة يرفع المنحنى العام للإصابات بشكل خطير، فيما نقلت صحيفة معاريف خبرًا مفاده سعي نتنياهو لإقالة رئيسة اللجنة يفعات شاشا بيطون من منصبها، في ظل عرقلتها لحزمة الإجراءات الاحترازية، واتهامها بتشجيع الإسرائيليين على عدم اتباع تعليمات وزارة الصحة والحكومة، ونقلت الصحيفة كذلك أن بيني جانتس، رئيس الوزراء بالتناوب ووزير الدفاع، يحاول إبقاء بيطون في منصبها، مع تقليل صلاحيات اللجنة.

اشتباكات بين الأطراف كافة:-

مع ارتباك المشهد اقتصاديًّا واجتماعيًّا، اشتبكت حكومة نتنياهو في خلافات متشعبة، داخليًّا بين أعضائها، وعلى صعيد الصراع مع المعارضة، وكذلك على مستوى الجماهير؛ فبالنسبة لخطة الإعانات خرج وزير الاقتصاد ورئيس حزب هاعفودا عمير بيرتس منتقدًا الخطة في شكلها الذي أعلن عنه نتنياهو، حيث صرح بأنه كان من الأفضل توجيه أموال الإعانات نحو إنشاء محركات للنمو الاقتصادي، مع توزيع الإعانة وفقًا لتدرج الأفضليات، أي للمواطنين الأكثر احتياجًا أولًا.

على جانب آخر؛ ما يزال الخلاف مستمرًّا بين جناح هاليكود وجناح كاحول لافان بالحكومة، حول إقرار الميزانية الإسرائيلية، حيث يصر نتنياهو على تمرير ميزانية لعام 2020 على وجه السرعة، خصوصًا مع حاجة الحكومة لتسريع إجراءات منح الإعانة، فيما يصر بيني جانتس على تمرير ميزانية للعامين 2020/ 21 معًا، أخذًا باتفاق الائتلاف الحكومي مع نتنياهو.

على جانب آخر انتهى اجتماع بين نتنياهو ووزير المالية يسرائيل كاتس وبين ممثلي المستقلين وأصحاب المصالح الخاصة دون نتيجة، واستمرت المظاهرات للأسبوع الثاني، رفضًا لإجراءات الحكومة لمواجهة أزمة كورونا.

واعتبر منظمو المظاهرات إن الخطة الاقتصادية التي عرضها نتنياهو لا تمنحهم ثقة بالحكومة الحالية.

المتظاهرون من العلمانيين في تل أبيب والقدس خرجوا بالآلاف، رافعين شعارات مختلفة، تنادي بمحاكمة نتنياهو، واتهمه الكثيرون بالفشل، حتى أن مطربًا مشهورًا أثناء مشاركته بالمظاهرات وصفه بـ”المحتال الذي يجب أن يدخل السجن أو مستشفى المجانين”.

المظاهرات اقتربت من بيت نتنياهو، وتحولت إلى كرّ وفرّ بين المتظاهرين وقوات الشرطة التي فرقتهم بخراطيم المياه بعدما حاولوا اختراق الحواجز التي أقامتها الشرطة، وبعد قيام بعضهم برش رذاذ الفلفل الحار وإلقاء الحجارة على أفراد من الشرطة.

ألقت الشرطة القبض على عشرات من المتظاهرين، فيما شهدت مظاهرات الحريديم قدرًا أكبر من الصدامات مع قوات الشرطة، حيث دفع المتظاهرون من المتدينين بصناديق القمامة أمام قوات الشرطة، كما أطلقوا عليهم هتافات معادية، فوصفوهم بـ”النازيين”، وهو هتاف ليس بجديد على الحريديم يطلقونه في مظاهراتهم على قوات الشرطة.

خروج الآلاف من المتظاهرين بشعارات مختلفة، تتمحور أغلبها في دعوات “إنقاذ” الإسرائيليين من الإفلاس المحتم، والتنديد بسياسة نتنياهو، وصولًا إلى تذكر الجميع مجددًا أنه رئيس وزراء متهم بالفساد ويجب محاكمته، وإسقاطه، الأمر الذي تحول إلى سجال جديد بين اليمين الحاكم الذي يمثله حزب هاليكود، وبين المعارضة من اليمين واليسار على السواء.

جاءت المظاهرات لتمنح شخصيات سياسية فرصة جديدة للهجوم على نتنياهو، في شخصه، وحكمه، فخرج أفيجادور ليبرمان ليحذر من “تمرد مدني” نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فيما صرح نفتالي بينت بأن الثنائي نتنياهو وجانتس “قد فشلا فشلًا ذريعًا”، وزعم أنه كان “ليقضي على أزمة كورونا لو كان مسئولا بالحكومة”، فيما دعا عيدان رول، عضو الكنيست عن حزب ييش عاتيد، المواطنين إلى عدم الامتثال لقرارات الحكومة للحد من الموجة الثانية للوباء، أما رئيس الحزب، وزعيم المعارضة يائير لابيد فقد اعتبر أن الحكومة أصبحت “منعزلة” عن الجماهير، وأنها “فقدت ثقة الجميع، وفقدت صوابها”.

وجّه مسئولون في وزارة الصحة انتقادًا لحكومة نتنياهو، معتبرين أن قرارات الإغلاق الجديدة جاءت متأخرة أسبوعين، وكان يجب أن تنصت الحكومة للخبراء والمعنيين، فيما عارض رئيس نقابة أطباء صحة الجمهور توجه الحكومة نحو إغلاق الشواطئ المفتوحة، والمدارس؛ لأن الأمر يتعلق بالاستجمام في الهواء الطلق، كما أن درجة نقل العدوى بين الأطفال أقل من 10 سنوات قليلة.

الهجوم لم يكن من أطراف المعارضة والجماهير وحدها، بل إن رئيس الكنيست نفسه، ياريف لافين، عضو هاليكود، قد وجه انتقاده للحكومة، محملًا إياها المسئولية عن تراجع الأوضاع الصحية، وتفشي الموجة الثانية للوباء، وصرح بأن الكنيست لن يكون “أداة طيعة في يد الحكومة”، فيما أيد أعضاء الحكومة من هاليكود قرارات الإغلاق، ودعوا إلى فرض الإغلاق كليا لمدة أسبوعين.

هجوم رئيس الكنيست، عضو هاليكود، على حكومة رئيس حزبه ربما يكون بهدف إظهار دعمه للجمهور الإسرائيلي المأزوم، وفي الوقت نفسه ربما يدق مسمارًا آخر في نعش الحكومة، أو يرسل رسالة ضغط لبيني جانتس مفادها ألا يعرقل قرارات بيبي وإلا سيكون حل الحكومة أسرع.

الارتباك الكبير الحاصل من أزمة كورونا يدلل على حالة فوضى سياسية كبيرة، صحيح أنها مستمرة منذ عام ونصف، لكن المختلف في الآونة الأخيرة أن هذه الحكومة قد تشكلت بعد ثلاث انتخابات تحت شعار “حكومة طوارئ” لمواجهة تداعيات الوباء صحيًا واقتصاديًا، لكن حتى الآن يبدو أن الحكومة لا تحكم، بل إن كورونا هي الحاكمة للشهر السادس على التوالي تقريبًا، فيما يحاول نتنياهو للنجاة من محاكمته التي تأجلت إلى العام المقبل، وفي الوقت نفسه يحاول التخلص من جانتس، الذي ظهر أمام الجميع ظلا سياسيًّا باهتًا.

حتى الآن لم تحقق الحكومة أهدافها، لم تُمرر الموازنة، لم تبدأ الخطوات العملية لتنفيذ خطة تطوير الجيش، لم يُعلن نتنياهو رسميا ضم مناطق الضفة الغربية غور الأردن، لم ينتعش الاقتصاد الإسرائيلي، ولا يبدو في الأفق أن هذه الحكومة ستبقى لتكمل ثلاث سنوات، وفقًا لاتفاق الائتلاف.

كورونا تحكم إسرائيل حاليًا، ونتنياهو ما يزال يعمل للنجاة بنفسه، والتخلص من الجميع.

ربما يعجبك أيضا