جيزيل حليمي.. رحيل أيقونة النضال والحرية

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

توفيت البرلمانية والناشطة النسوية، جيزيل حليمي، التي وصفت بأنها رائدة ومدافعة شرسة حقوق المرأة ومناضلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية، الثلاثاء الماضي، بعد يوم واحد من عيد ميلادها الـ93.

توفيت حليمي في العاصمة الفرنسية باريس، حيث خصصت حياتها للدفاع عن قضايا المرأة وخاصة عدم تجريم الإجهاض، حيث قالت في إحدى تصريحاتها: “إن الظلم لا يطاق، ويمكن تلخيص كل حياتي بذلك”.

ولدت زيزا جيزيل إليز الطيب التي اتخذت فيما بعد كمواطنة فرنسية اسم جيزيل حليمي، في 27 يوليو عام 1927 في منطقة حلق الوادي في تونس، في وقت اعتبرت فيه ولادة فتاة حظًا سيئًا، فانزعج والداها وقام والدها بإخفاء ولادتها عن أصدقائه عدة أسابيع لأنه لم يكن يحب البنات، إلا أنها ستصبح فيما بعد طفلته المحببة.

قالت حليمي -في تصريح لشبكة فرنسا الخارجية للثقافة والتعاون في 2011- “في كل خطوة من خطوات حياتي، كانت هناك عيوب ناجمة عن حقيقة أنني فتاة”.

تركت مرحلة الطفولة بالنسبة لحليمي، أثرا عميقا في نضالها النسوي، وذلك لكونها عاشت في بيئة محافظة ترى في الفتاة عنصرا ثانويا، خاصة بعد خجل والدها، من إعلان ولادتها لأسابيع، كما أنها كانت تلاحظ الفرق في المعاملة تجاهها وتجاه أشقائها.

وفي سن العاشرة أصبحت علاقتها متوترة مع والدتها، بسبب تمردها المبكر على الأعراف الاجتماعية السائدة في أوساط عائلتها اليهودية المحافظة الذي وصل لحدّ إضرابها عن الطعام، لأكثر من ثمانية أيام لإقناع والدها بالسماح لها بالقراءة وعدم اتباع الممارسات الدينية التقليدية.

في سن السادسة عشرة، رفضت الزواج وانتقلت إلى فرنسا لمواصلة دراساتها في القانون، وعادت إلى تونس عام 1949 للدفاع عن أعضاء الحركة الوطنية الجزائرية جبهة التحرير الوطني.

وأصبحت متمردة ومدافعة عن حقوق المرأة ومناضلة في سبيل استقلال بلدها الذي لطالما أحبته وعادت إليه بانتظام لقضاء العطلات والزيارة.

عام 1956 انتقلت إلى باريس وتزوجت من بول حليمي، وغيرت اسمها وأنجبت طفلين، ورغم الطلاق، حافظت جيزيل على اسم العائلة حليمي وتزوجت من كلود فو، سكرتير الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، وأنجبت منه طفلها الثالث.

في عام 1960، عندما بدأت حرب التحرير الجزائرية، انضمت جيزيل حليمي إلى الحملة التي كان يقودها سارتر وآخرون من موقعي “بيان الـ121” والداعية إلى استقلال الجزائر.

وأطلقت حليمي حملة للدفاع عن شابة جزائرية تدعى جميلة بوباشا 22 عاما، متهمة بتفجير قنبلة خلال الحرب الجزائرية، وتم اعتقالها وتعذيبها واغتصابها من قبل الجنود الفرنسيين، ضمت الحملة على وجه الخصوص سيمون دوبوفوار وسارتر ولويس أراغون وجنفييف ديغول وجيرمين تيليون وآخرين.

حكمت المحكمة الفرنسية على جميلة بالإعدام، لكن تم العفو عنها في وقت لاحق وإطلاق سراحها في عام 1962 عقب توقيع اتفاقيات إيفيان التي وضعت حداً لحرب الجزائر، وأصبحت الجزائر مستقلة.

كانت حليمي صديقة سيمون دي بوفوار، الكاتبة والمثقفة النسوية، وكانت أيضًا عضوًا في محكمة راسل لعام 1966، والمعروفة أيضًا باسم محكمة ستوكهولم، التي نظمها برتراند راسل وسارتر للتحقيق وتقييم التدخل الأمريكي في فيتنام.

وفي عام 1962، نشرت دي بوفوار وجيزيل حليمي، مع آخرين، نصا بعنوان “جميلة بوباشا” احتوى شهادات حول القضية بأكملها، ثم استعيدت هذه القصة المؤثرة عام 2012 من خلال فيلم تلفزيوني أخرجته كارولين هوبرت.

ومنذ ذلك الوقت أصبحت جيزيل حليمي مدافعة عن القضايا الصعبة، وفي عام 1965 أسست مع آخرين ما عرف بـ”الحركة الديمقراطية النسائية” التي دعمت ترشيح الاشتراكي فرانسوا ميتران لرئاسة الجمهورية.

وفي عام 1971 أصبح لحليمي أول تحرك مؤسسي، حين ظهر اسمها بين الموقعين على بيان -نشرته مجلة “لونوفيل أوبسيرفاتور”- دافع عن النساء اللواتي أقدمن على الإجهاض، وبالتالي خرق القانون في ذلك الوقت، وطالب بتشريع الإجهاض حتى تتمكن النساء الراغبات من إجراء العمليات بشكل شرعي لا يعرض حياتهن للخطر.

وفي قضية فتحت باب الاعتراف بالاغتصاب كجريمة، ترافعت جيزيل حليمي عام 1978، عن شابتين بلجيكيتين تقدمتا بشكوى ضد ثلاثة رجال بتهمة الاغتصاب، حيث مهدت هذه القضية الطريق لقانون 1980 الذي يعتبر الاغتصاب جريمة وتم عرض تفاصيلها في فيلم وثائقي عام 2014.

عام 1981 خاضت جيزيل حليمي المغامرة السياسة “الرسمية” الأولى وانتخبت نائبة اشتراكية عن إقليم إيزير جنوب شرق فرنسا، وذلك بعد وصول الاشتراكي فرانسوا ميتران، مرشحها المفضل للرئاسة، إلى قصر الإليزيه.

ومن 1985 إلى 1986، عينت جيزيل حليمي سفيرة فرنسية لدى اليونسكو.
 
وبين عامي 1988 و2011  كتبت جيزيل حليمي حوالي خمسة عشر كتاباً بينها “قضية النساء” 1974، و”قضية النساء الجديدة” 1997 وكان آخرها “قصة شغف” وهي في الـ84 من عمرها.

وكان لدى جوزيل ثلاثة أبناء، أحدهم  سيرج، وهو مدير تحرير الصحيفة الفرنسية لوموند ديبلوماتيك، حيث قالت ذات مرة إنها كانت تود أن يكون لديها ابنة “لاختبار” التزامها بالنسوية، “كنت أود أن أعرف ما إذا كنت سألتزم عند تربيتها تمامًا بما طلبته لنفسي ولجميع النساء، ليس من السهل أن تكوني فتاة اليوم، ربما أكثر من ذي قبل لأنها ستواجه عالمًا لم يختلف؛ فلا زال يوجد ذلك التحيز والعنف”.

ربما يعجبك أيضا