مؤتمر الحزب الجمهوري.. خطاب ترامب خاتمة مليئة بالتحريف والتهويل

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان  
من الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، أطل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على جمهوره الخميس الماضي، في ختام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، معلنا قبوله الترشح رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولنحو 70 دقيقة تحدث ترامب بكل فخر عن إنجازاته وساق العديد من الأكاذيب بشأن كورونا والاقتصاد وحقوق الأقليات، كما انتهز الفرصة ليصب غضبه على خصمه الديمقراطي جو بايدن ويصفه بأنه سيكون -في حال انتخابه- مدمرا للعظمة الأمريكية.

ترامب ومؤيدوه على مدار أربعة أيام متواصلة حاولوا تسخير مؤتمر الحزب الجمهوري لهدف واحد هو إعادة ضبط مسار الأمور لصالح الرئيس المتطلع إلى ولاية ثانية، سواء كان ذلك بقولهم الحقيقة للناخبين أو باستخدام الكذب والادعاءات الباطلة، لتجميل صورة الرئيس التي شوهتها أزمة كورونا وعنصرية الشرطة الأمريكية، ففي الوقت الذي كان ترامب يعتلي فيه المنصة بحديقة البيت الأبيض كان هناك المئات في ويكسونسن يحتجون غضبا بعد أن فتحت الشرطة نيرانها بكثافة على جسد رجل من أصول أفريقية “أعزل” الأسبوع الماضي.

بث الذعر من بايدن والاشتراكية
وفي حين لم يذكر بادين اسم ترامب بشكل مباشر كثيرا خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي، بدا ترامب مهوسا بخصمه حيث ذكره أكثر من ثلاثين مرة خلال خطاب قبول الترشح، وفقا لما ذكرته صحيفة “الجارديان”.

قال ترامب: لا أحد سيكون آمنا في أمريكا بايدن، فبايدن ليس منقذًا لروح أمريكا، إنه المدمر لوظائف أمريكا، وإذا أتيحت له الفرصة، فسيكون المدمر للعظمة الأمريكية، وإذا أعطيتم السلطة لبايدن، سيوقف اليسار المتطرف تمويل دوائر الشرطة في عموم أمريكا، وستفرض المزيد من الضرائب.

تجدر الإشارة هنا إلى أن بادين نفى ما قاله ترامب بشأن وقف تمويل الشرطة، وقال في تغريدة سابقة: إنه لا يدعم إيقاف تمويل الشرطة، لكنه يفضل منح دوائر الشرطة الموارد التي تحتاجها لتحقيق إصلاحات جدية، وتخصيص أموال فيدرالية أخرى لإتمام هذه الإصلاحات.

في ختام الخطاب قال ترامب: هذه الانتخابات ستقرر ما إذا كنا سننقذ الحلم الأمريكي أم سنسمح لأجندة اشتراكية بهدم مصيرنا العزيز.

بدا واضحا من كلام ترامب أنه يؤكد إما أمريكا تحت قيادته أو بلد اشتراكي تحت قيادة بايدن، هو نفس المضمون الذي عبر عنه نائبه مايك بنس في خطابه الأربعاء الماضي، عندما قال إن انتخاب ترامب أمر بالغ الأهمية للحفاظ على القانون والنظام والنجاعة الاقتصادية، محذرا من أن بايدن لا يعدو عن كونه مجرد واجهة لليسار المتشدد.

وأضاف أن الرئيس ترامب وضع أمتنا على طريق الحرية والفرص منذ اليوم الأول، لكن بايدن سيضعها على طريق الاشتراكية والانحدار، محذرا من أن عدم انتخاب ترامب من الممكن أن يؤدي إلى حالة من الفوضى!

الكثير من الأكاذيب
كما كرر ترامب كلمة بايدن أيضا كرر شعاره المعهود “أمريكا العظمى”، مؤكدا في أكثر من موضع على مدار 70 دقيقة أنه أعاد لأمريكا عظمتها سياسيا واقتصاديا، وللتدليل على ذلك ساق ترامب الكثير من الأكاذيب والمعلومات المحرفة لإقناع الجمهور الأمريكي بأنه المرشح الأفضل إن لم يكن الأوحد.

أولا: جائحة كورونا 
كان لها نصيب كبير من خطاب ترامب، إذ حاول تحويل هزيمته المدوية في إدارة الأزمة إلى انتصار، وقال: عندما انتشر الفيروس الصيني في بلادنا حشدنا له أكبر الحشود الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، والآن نحن نحشد العبقرية العلمية الأمريكية لإنتاج لقاح في وقت قياسي.

وأضاف سننتج لقاحا قبل نهاية العام، وربما حتى قبل ذلك، سنحصل على لقاح آمن وفعال، وسويا سنسحق هذا الفيروس، مؤكدا أن مئات الملايين من جرعات اللقاح ستكون متوفرة سريعا.

وكان من ضمن محاولات ترامب لتحريف الحقائق في ملف كورونا بحسب ما أوردته “بي بي سي”، الإشارة إلى أن بلاده من بين أقل الدول من ناحية معدل الوفيات من أي دولة كبرى في العالم، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة تقف بعيدا عن فرنسا واليابان وإيطاليا عندما يتعلق الأمر بانخفاض معدل الوفيات بالنسبة لإجمالي الحالات المؤكدة.

حتى اللحظة قتل الفيروس نحو 181 ألف أمريكي، وغالبية الشعب الأمريكي غير راضي عن طريقة تعامل إدارة ترامب مع الأزمة، يشار هنا إلى أن هذه الإدارة لم تفرض قيود الحظر العام إلا بعد منتصف مارس وخروج الأمور عن السيطرة في عدد كبير من الولايات بما فيها نيويورك وواشنطن.

ثانيا: الاقتصاد “مفتاحه الذهبي”
الاقتصاد بالنسبة لترامب هو المفتاح الذهبي لولايته الثانية، وهو ركيزة في حملته الانتخابية منذ اليوم الأول، ومن أجل ذلك كان جليا للعيان كيف دفع منذ شهرين باتجاه إعادة فتح البلاد وكافة الأنشطة في أسرع وقت ممكن، رغم تحذيرات كبار الأطباء من موجة ثانية لفيروس كورونا.

تفاخر ترامب خلال خطابه بأن الاقتصاد الأمريكي أضاف خلال الأشهر الثالثة الماضية أكثر من 9 ملايين وظيفة، واعدا بتعزيز قوة الاقتصاد في حال إعادة انتحابه، وبفرض  رسوم على أي شركة تغادر أمريكا لخلق وظائف في الخارج، مضيفا: سنتأكد من أن شركاتنا ووظائفنا ستبقى في البلاد، مثلما كنت أفعل، أجندة جو بايدن صنع في الصين، أجندتي صنع في أمريكا.

في المقابل تؤكد المؤشرات الاقتصادية أن الجائحة أتت على كل ثمار ترامب الاقتصادية تقريبا وباتت أرقام البطالة في ارتفاع مستمر وهناك الآلاف من العمال مهددين بالتسريح طواعية وكراهية من وظائفهم، وخلال مارس وحده فقد نحو 22 مليون أمريكي وظائفهم أو أجورهم، كما سجل الاقتصاد الأمريكي انكماشا بأكثر من 31% خلال الربع الثاني من العام الجاري، وسط توقعات بأن ينكمش في نهاية العام الجاري بنحو 6.6%.

ثالثا: أزمة العنصرية
ترامب متهم من الكثيرين بأنه من أنصار القومية البيضاء، ولديه قاعدة شعبية في أوساط البيض، لكنه خلال الخطاب حاول تقديم نفسه كمرشح للجميع وحاول استقطاع الأمريكيين أصحاب الأصول الأفريقية والآسيوية، وقال على سبيل المثال: أقول بتواضع شديد إنني فعلت من أجل الجالية الأمريكية الأفريقية أكثر من أي رئيس منذ أبراهام لنكولن!

لكنه وكعادته مثير للجدل، استدعى في خطابه حملة لويس وكلارك للتوسع في الغرب الأمريكي والتي كانت على حساب الشعوب الأصلية “الهنود الحمر”، كما تفاخر بدفاعه عن نصب الشخصيات الكونفدرالية التي حاول المحتجون الغاضبون خلال تظاهرات “حياة السود مهمة” تشويهها أو إزالتها.

وهذا بعد يوم واحد فقط من اختيار بنس حصن استخدم خلال الحرب الأهلية لاحتجاز السجناء السياسيين لإلقاء خطاب قبوله الترشح لمنصب نائب الرئيس على بطاقة الحزب الجمهوري.. أي تخبط هذا واستدعاء للنزعة العنصرية تمارسه حملة ترامب!

وخلال أيام المؤتمر الجمهوري، تحدث جمهوريون من أصول أفريقية وآسيوية مؤكدين أن ترامب ليس عنصريا وأن الولايات المتحدة في عهده ليست دولة عنصرية، كما يروج بايدن وحزبه.

رابعا: ملفات السياسة
على الصعيد الداخلي، ترامب لديه تاريخ طويل من القرارات المثيرة للجدل التي لم يكن مستشاروه أنفسهم يعلمون عنها شيء سوى من “توتير” كغيرهم من الشعب الأمريكي، كما لدية سجل من محاولات التدخل في عمل مؤسسات الدولة وكسر التقاليد والأعراف واستغلال منصبه للتأثير على مجريات الأمور لصالحه نذكر كيف أغلق الحكومة الفيدرالية عام 2018 للضغط على الكونجرس من أجل تمرير التمويل اللازم لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك.

ولعل خروجه على أنصاره من حديقة البيت الأبيض دليل حديث على عادته فيما يتعلق بكسر التقاليد والقوانين، إذ تعد هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها رئيس أمريكي”البيت الأبيض” – مقر الحكم ورمزه التاريخي- في حملته الانتخابية، وترامب لم يتورع في الخروج بتصريحات من نوعية أن هذا أوفر بالنسبة لحملته واختيار أقل خطرا في ظل الجائحة.  

على الصعيد الدولي، تفاخر ترامب خلال خطابه بانتهاء دولة تنظيم داعش بنسبة 100%، وصحيح أن التحالف الدولي بقيادة أمريكا تمكن من تحرير المساحة التي سيطر عليها النظيم الإرهابي منذ العام 2014 وأعلن عليها دولته، إلا أن خطره  ما زال قائما ويشكل تهديدا سواء للقوات الأمريكية العامة في بعض مناطق الشرق الأوسط أو للأمن الدولي بشكل عام عبر ظاهرة الذئاب المنفردة.

تحدث ترامب أيضا عن الدور الأمريكي في حلف الناتو، وقال: كانوا بعيدين جدا عن الوفاء بالتزاماتهم الدفاعية، ولكن بعد حثي الشديد لهم وافقوا على دفع 130 مليار دولار أكثر سنويا.

الحقيقة أن هذا الرقم هو جملة الزيادات التي أقرتها دول الناتو منذ 2016 لحصتها من الإنفاق الدفاعي ضمن الحلف، والهدف الحالي المحدد للإنفاق الدفاعي لهذه الدول هو 2 % من إجمالي الناتج المحلي لكل دولة بحلول 2024،وفقا لبيانات أوردته “بي بي سي”.

وكما قلنا ردد ترامب عبارة أمريكا عظمي، وفي المقابل يرى الكثيرون أنه تسبب عبر سياساته الخارجية المتخبطة في تراجع النفوذ الأمريكي على الساحة الدولية لصالح الروس والصينيين، وقبل أيام لم تتمكن أمريكا من الوقوف أمام مجلس الأمن لفرض رغبتها في تمديد حظر الأسلحة على طهران.

محاولة لاستعادة الزخم

صحيفة الجارديان وصفت خطاب ترامب في افتتاحيتها أمس، بأنه محاولة للاستعراض السياسي إلا أنها كشفت عيوب ترامب والجمهوريين.

وتضيف: الخطاب جاء محرفا ومبالغا فيه، ورغم أن هذا ليس غريبا على السياسيين، إلا أن ترامب في مقدرته أن يشكل مدرسة لوحدة في هذا الصدد، وكل أكاذيبه بشأن بايدن أو الاقتصاد لا تضاهي ما قاله عن تحركه السريع لحماية أمريكا من الجائحة، في حين أن الحقيقة أنه ترك الأمريكيون يواجهون مصيرهم فرادى لشهور.  

يتمنى ترامب وحزبه كذلك أن يكون المؤتمر دفعة لاستعادة الزخم، يبنوا عليها طوال الأيام الـ 65 القادمة وصولا للفوز بالولاية الثانية، إلا أن مؤشرات استطلاعات الرأي ما  زالت تصب في صالح بايدن بفارق يصل إلى 11%، وبحسب استطلاع لمؤسسة نيلسن بلغ عدد مشاهدي خطاب ترامب 23.8 مليون شخص، مقابل 24.6 مليون مشاهد تابعوا خطاب بايدن، والأهم أن هذا الرقم جاء منخفضا بنحو 25% مقارنة مع عدد متابعي خطابه قبل 4 أعوام.

ربما يعجبك أيضا