مركز فاروس للدراسات ينظم ندوة عبر تطبيق زووم حول تداعيات “انقلاب مالي”

نرمين توفيق

رؤية

في محاولة علمية رصينة لاستقراء المشهد الحالي في مالي وتداعيات الانقلاب العسكري على أمن منطقة الساحل والصحراء نظم مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراجية، ندوة في الأول من سبتمبر 2020 حملت عنوان “تداعيات انقلاب مالي على أمن منطقة الساحل والصحراء” أدارتها الباحثة المتخصصة في الشؤون الأفريقية الدكتورة “نرمين توفيق” والمنسق العام للمركز، وشارك فيها كل من مالي الدكتور “مادي كانتي” الباحث والخبير في الشؤون الأفريقية، ومن مصر  الدكتورة “أميرة عبد الحليم” الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

أولا. جذور الأزمة في مالي

لم تكن الأزمة المالية وليدة اللحظة إذ تمتد جذورها إلى أكثر من سبع سنوات ماضية وتحديدا عام 2012، ففي هذا الصدد أوضح الدكتور “مادي كانتي” أن الأزمة في مالي تعود إلى الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة في بلاده منذ عام 2012، ففي هذا العام تمكنت الجماعات الإرهابية من السيطرة على مناطق شمال مالي والتي تعد ثلثي أراضي الدولة.

أشار “كانتى” إلا أن انقلاب 2012 ساهم في تمكين الحركات والجماعات الإرهابية في شمال البلاد، ولأجل مواجهة التمدد الإرهابي لجأ الشعب المالي إلى رسم خارطة طريق لمستقبله السياسي في ذلك الوقت عبر اختيار الرئيس المعزول إبراهيم أبو بكر كيتا، الذي عُد بأنه الشخص الوحيد القادر على انتشال مالي من أزمتها السياسية خاصة في فترة ولايه الأولي.

يُكمل الباحث المالي بأن الوضع في البلاد لم يتحسن، بل تفاقمت الأمور بصورة أكثر سوءًا، فالمشكلة في شمال البلاد ما لبثت أن انتقلت إلي وسط مالي وباتت قريبة للغاية من العاصمة بماكو، فالجماعات الإرهابية استغلت الأزمات الإثنية في وسط البلاد ودعمت تواجدها في تلك المنطقة، فقرى وسط مالي باتت تشهد بشكل دوري عمليات قتل للمدنيين على أيدي الجماعات الإرهابية رغم حضور بعثة الأمم المتحدة والقوات الفرنسية.

ونتيجة تفاقم تلك الأوضاع في الشمال والوسط، اندلعت التظاهرات، وأكد “كانتي” أن الإمام محمود ديكو  رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سابقا كان من أبرز دعاة التظاهر والاحتجاج، دافعا أنصاره للنزول والاحتجاج ضد الفساد في البلاد خاصة الفساد الذى دب في صفوف الجيش، وكانت دعوته للتظاهر في شهر يونيو الماضي، لذا سُميت التظاهرات بحراك 5 يونيو.

ثانيا: انقلاب ناعم أم محاولة احتكار السلطة؟

وسم “كانتي” الانقلاب الذي تم في بلاده بأنه انقلاب ناعم مغاير للانقلابات السابقة في مالي أو باقي الدول الأفريقية، فأول مرة في تاريخ مالي يحدث انقلاب دون سقوط ضحايا من المدنيين أو العسكريين، فالانقلابات السابقة أعوام 1968 و1991 وأخيرا 2012 تخضبوا بدماء الشعب المالي، وتأكيداً لما سبق أشار الباحث المالي إلى رؤية الشعب المالي للانقلاب، بأن ما حدث هو استقالة الرئيس كيتا بنفسه، وأن تدخل الجيش جاء للحد من التظاهرات.

ما سبق يطرح تساؤلات حول محاولات احتكار السلطة واختطاف المسار السياسي، إذ أشار  “كانتي” إلى أن ثمة ضغوط شعبية ودولية وإقليمة تمارس على اللجنة العسكرية الحاكمة حاليا في البلاد، فالاجتماع الذي كان مقررا بين اللجنة وقيادات المجتمع المدني والأحزاب تم إلغاؤه، كما خطب الشيخ ديكو الجمعة الماضية مؤكدا أن اللجنة لم تمنح الضوء الأخضر لإدارة الأمور في البلاد، وإقليما تمارس الإيكواس أدوارًا ضاغطة على النظام الجديد لتقليل الفترة الانتقالية عن 12 شهرًا.

وفي محاولة فك الاشتباك بين انقلابي 2012 و 2020، أوضح “كانتي” أن ثمة متغيرات تجعل المقارنة بينهما غير دقيقة، فانقلاب 2012 تبعه صراع داخل المؤسسة العسكرية وطالت الملاحقات كل من يعترض عليه، كما أنه أدى إلى تقسيم شمال البلاد بين الجماعات الإرهابية الثلاث تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة أنصار الدين وجماعة التوحيد والجهاد.

أما الوضع حاليا فمختلف كلا ومضمونا فاللجنة العسكرية باشرت عملها بدفع تعزيزات قوية إلى المناطق الحدودية لمنع تسلل الإرهابين، فضلا عن دك 17 موقعًا لهم في وسط مالي مخلفة عدد من القتلى في صفوف العناصر الإرهابية حسبما أعلنت الصحف المحلية.

ثالثا. توطن الإرهاب
وفي سبيل استقراء الوضع بصورة صحيحة وتأثير الانقلاب علي الأمن في منطقة الساحل، أشارت الباحثة المتخصصة في الشأن الأفريقي بمركز الأهرام للدرسات الاستراتيجية “الدكتورة أميرة عبد الحليم” إلى أن الأزمة بدأت مع انهيار النظاك الليبي في عام 2012 بما سمح بتدفق الأسلحة والمقاتلين من ليبيا إلى شمال مالى.

وبدأت الأمور تتفاقم مع تمرد الطوارق في عام 2012 والانقلاب الذي تلاه، فالتمرد السابق ناجم عن حالة التهميش السياسي والاجتماعي للعديد من الجماعات، الأمر الذي استغلته الجماعات الإرهابية في بناء قاعدتها في شمال مالي ومن ثم الانطلاق إلى باقي الدول كساحل العاج والنيجر وبوركينافسو.

ركزت الدكتورة عبدالحليم بصورة كبيرة على الجذور الاقتصادية والاجتماعية للظاهرة الإرهابية في مالي، إذ أشارت إلى معاناة مالي من الفقر الشديد وتعد أشد الدول فقرا فضلا عن معاناتها من مشكلات التنمية الاقتصادية، الأمر الذي استغلته الجماعات الإرهابية في تجنيد المواطنين والإتجار في المواد غير المشروعة، وأضافت عبدالحليم إلى أن منطقة الساحل باتت من أكثر البؤر في العالم تهديدا للسلم والأمن العالميين، ففي تلك المنطقة يتواجد تنظيما القاعدة وداعش.

وأبدت الدكتورة أميرة عبدالحليم أسفها لتسطيح أزمات المنطقة الحقيقية كالفقر والتهميش، فرد فعل الحكومات والمجتمع الدولي اقتصر على المعالجة الأمنية فقط مثل إنشاء القواعد العسكرية وتدريب الجيوش وإنشاء قوات مشتركة كقوات G 5، وفي المقابل تشير الباحثة المتخصصة في الشأن الأفريقي إلى قيام الجماعات الإرهابية باستغلال الحالة عبر تقديم خدمات اجتماعية واقتصاية، بل استغلال التغيرات المناخية، وأيضا اللعب وتر العامل الإثني مثل جبهة تحرير ماسينا التي تنتمي لجماعة الفولاني ذات المظلومية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.

رابعا: نظرية الدومينو

ألمحت الدكتورة أميرة عبد الحليم إلى ضعف احتمالية تطبيق نظرية الدومينو في غرب أفريقيا، فالعديد من الدول الأفريقية على وشك إجراء الانتخابات بها، فالانتخابات في أفريقيا باتت تشكل فرصة ومسارا أفريقيا للتغيير السياسي، كما أن المشهد مختلف تماما عما حدث في عام 2012، فبعد انقلاب مالي وقتها تتالت بعض الانقلابات في غرب أفريقيا مثل النيجر وبوركينافاسو.

وفي المقابل من ذلك أشار الدكتور مادي كانتي إلى احتمالية انتقال تلك العدوى إلى دول غرب أفريقيا تحديدا، فمشكلة مالي بدأت مع تزوير انتخابات 2020، وفي نهاية ستشهد أكثر من دولة انتخابات رئاسية وبرلمانية مثل ساحل العاج وغينيا كوناكري، ففيهما تم تعديل الدستور للسماح بمدد إضافية للرئيس الحالي فيهما، وأن سلوك تلك الدول الحكومات قائم على تزوير الانتخابات الأمر الذي يفتح الباب أمام هبات شعبية مماثلة لما حدث في مالى.

ونقطة أخرى ألمح إليها كانتي إلى استخدام المتظاهرين واللجنة العسكرية للغة المحلية في إصدار خطاباتهم السياسية الأمر الذي يسمح بتناقلها بين 9 دول أفريقية مثل النيجر وساحل العاج وبوركينافاسو مما خلق حالة من الإعجاب بتجربة الشعب المالي ومحاولة دول الجوار المالي استنساخ تجربة التظاهرات المالية والشيخ ديكو.

خامسا: الحل الأفريقي والسيناريوهات المستقبلية
أكدت الدكتورة أميرة عبدالحليم على أن العقوبات التي فرضتها الإيكواس على مالي من غلق الحدود ووقف التحويلات النقدية تعد موجهة ضد الشعب وليس اللجنة العسكرية الحاكمة الأمر الذي قد يفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد والتي هي من الأساس في حال يرثى لها بسبب جائحة كورونا، فنتيجة فشل الحكومة في التعامل مع الجائحة وتوزيع المساعدات هب الشعب في يونيو مطالبا بالتغيير، وهو ما أكده أيضا الدكتور مادي كانت موضحا أن عقوبات الإيكواس كانت الأعنف من عقوبات الاتحاد الأفريقي.

ورحبت عبد الحليم بالتدخلات الأفريقية سواء عبر الإيكواس أو الاتحاد الأفريقي في حل الأزمة، فالتدخل الأفريقي يعد أقل خطورة من التدخل الخارجي، فالتدخل الفرنسي على سبيل المثال لم يكن محمودا، وأشارت إلى أهمية زيارة وزير الخارجية الجزائري لمالي كمحاولة لتحقيق الاستقرار، واختتمت حديثها بتفاؤلها بدور الإيكواس حيث إنه قادر على القيام بأدوار أمنية وسياسية في مالي ويحد من التدخلات الخارجية.

وعلى الجانب الآخر يري الدكتور مادي كانت غير ذلك، فسواء الاتحاد الأفريقي أو الإيكواس كلاهما غير معنيين بأزمات الشعوب السياسية والأمنية وجُل ما يعنيهم هو مواجهة أي تغيير في السلطة عبر انقلاب أو تمرد شعبي، فلم تضبط المنظمتان الإقليميتان تدخلهما في إحدى الدول لمواجهة فساد مستشر، لذا يؤكد أن الحل الأفريقي الأفريقي ليس في مصلحة الشعوب بل في مصلحة الرئيس الحاكم.

وأخيرا عرج الدكتور مادي كانتي على نقطة مهمة من المحتمل أن تشكل مستقبل السياسة في بلاده والمنطقة وهي الاتهامات التي باتت تلوح في أفق السياسة الفرنسية بأن الانقلاب الأخير مدعوم من روسيا، فروسيا والصين عرقلا محاولة فرنسية لفرض عقوبات أممية على بلاده، كما أكد أن الصحف الفرنسية أشارت بوضوح إلى تلقي كل قادة الانقلاب تعليمهم العسكري من موسكو، بالإضافة إلى لقائهم الدبلوماسي الأول كان مع السفير الروسي، لكنه نفى هذه المزاعم، وأخيرا أشار إلى أن اللجنة العسكرية أمام خيارين إما احتكار السلطة وهذا سيؤدي للتصادم مع قوى الشعب، أو التشاور مع القوى المدنية والسياسية للوصول إلى صيغة متفقة لإدارة المرحلة الانتقالية.

يمكن مشاهدة اللقاء الكامل للندوة من خلال هذا الفيديو

ربما يعجبك أيضا