محادثات السلام الأفغانية.. هل تنهي سنوات الحرب والدمار؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

عادت محادثات السلام الأفغانية إلى مسارها اليوم السبت، بعد شهور من الخلافات المريرة بشأن صفقة تبادل الأسرى بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان والتي جرى الاتفاق عليها في فبراير الماضي، ضمن اتفاق أوسع للحركة مع واشنطن ينص على انسحاب جميع القوات الأجنبية من البلاد مقابل تعهدات أمنية لـ”طالبان”.

هذه المحادثات التي بدأت اليوم في الدوحة، كان يفترض أن تجرى في مارس الماضي، إلا أن عقبة الإفراج عن الأسرى وتحديدًا سجناء طالبان والبالغ عددهم نحو 5000 أسير، كانت عائقا لاستئناف المحادثات، إذ حملت حكومة كابول الحركة المتمردة مسؤولية قتل أكثر من 3500 جندي أفغاني، و775 مدنيًّا في تفجيرات وهجمات شهدتها البلاد منذ توقيع الاتفاق مع واشنطن في فبراير الماضي، مؤكدة أن عددا من أسرى الحركة عادوا للقتال فور إطلاق سراحهم.

وبعد 6 أشهر تقريبا نجح الطرفان في إتمام صفقة تبادل لـ 5 آلاف سجين من طالبان مع ألف أسير من القوات الأفغانية،  لتعود المحادثات المباشرة إلى مسارها اليوم بالتزامن مع الذكرى الـ19 لهجمات 11 سبتمبر وسقوط نظام طالبان واندلاع الحرب في البلاد عام 2001.. فهل تنهي العودة إلى طاولة الحوار هذه المرة عقودا من الحرب والدمار؟

فرصة تاريخية

انطلقت الجلسة الافتتاحية لمحادثات السلام الأفغانية في الدوحة، بحضور ممثلي الطرفين وكبار دبلوماسي العالم، على رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ووزراء خارجية أمريكا والصين والهند وباكستان ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي.

في مستهل الجلسة قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو: إن الشعب الأفغاني لديه فرصة تاريخية لبدء مسار جديد للبلاد وإنهاء أربعة عقود من الحرب وسفك الدماء، ويجب عدم إهدار هذه الفرصة.

وأضاف: إن المفاوضات الشاملة فرصة لتجاوز الانقسامات لتحقيق سلام دائم يحقق مصالح الشعب الأفغاني، مؤكدًا دعم بلاده لأفغانستان موحدة وذات سيادة وفي سلام داخلي مع جيرانها.

من جانبه قال رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان عبدالغني برادر خلال كلمته: نريد تحقيق السلام والاستقرار، ويجب أن  تكون أفغانستان بلدًا مستقلًّا بنظام إسلامي في حال التوصل لاتفاق سلام خلال هذه المفاوضات.

وأضاف: أريد من الجميع أن يعتمدوا الإسلام في مفاوضاتهم واتفاقاتهم وألا يضحوا بالإسلام من أجل مصالح شخصية، نريد أن تكون أفغانستان بلدا مستقلا ومزدهرا وإسلاميا، وأن تتضمن نظامًا إسلاميًّا يعيش في ظله الجميع بدون تفرقة.

فيما جدد رئيس لجنة المصالحة الأفغانية عبد الله عبدالله -خلال كلمته الافتتاحية- التأكيد على ضرورة اقتناص الفرصة لتحقيق السلام، شاكرًا حركة طالبان على استجابتها، وقال: سنتذكر اليوم بوصفه نهاية لمعاناة شعب أفغانستان، الذي يأمل في إنهاء الحرب وإقامة نظام دستوري يحقق الاستقرار في البلاد، مؤكدا أن الصراع الحالي لا منتصر فيه والجميع خاسرون إذا لم يستجيبوا لإرادة الشعب.

الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، رحب بهذه الخطوة، معتبرا أنها فرصة تاريخية، وقال عبر حسابه على “تويتر”: الناتو يقف بجانب أفغانستان للحفاظ على الإنجازات وضمان ألا تصبح البلاد مرة أخرى ملاذا للإرهابيين.

وفي بيان رسمي للحلف، حث الحكومة الأفغانية وحركة طالبان على الوفاء بالتزاماتهما تجاه عملية السلام، وأضاف أن المستويات الحالية من العنف المرتبط بالهجمات، التي تنفّذها حركة طالبان لاستهداف قوات الأمن الوطنية الأفغانية، لا تزال غير مقبولة وتقوض الثقة في عملية السلام.

وختم البيان: ندعو طالبان إلى اتخاذ إجراءات حازمة لإنهاء العنف، ومن جانبنا سنواصل التشاور بشأن وجودنا العسكري، وإذا سمحت الظروف بذلك، سنقوم بتعديله لدعم عملية السلام التي يقودها الأفغان.

تعد محادثات اليوم فرصة حقيقية للشعب الأفغاني لإنهاء زمن الحرب، لكن هذا في حال خلصت النوايا لدى الطرفين وتنازل كل طرف من أجل المصلحة العامة ومصلحة الشعب الأفغاني الذي دفع الثمن باهظا منذ أن شنت أمريكا حربا للرد على هجمات 11 سبتمبر والانتقام من كل من يأوي القاعدة وعناصرها وطالبان بالطبع وقتها كانت على رأس القائمة، لذا كان من الضروري أن تشن الغارات الأمريكية على أفغانستان وتغرق البلاد في حرب طاحنة بين الحركة التي أصبحت متمردة بعد أن حكمت خلال الفترة من 1998 إلى 2001 وبين القوات الحكومية التي لا تعترف طالبان بشرعيتها.

فرصة “مفخخة”

فاندا فيلباب -براون الخبيرة في شؤون أفغانستان في معهد “بروكينغز”- قالت في تصريحات لـ”فرنسا 24″: إن المفاوضات بين الطرفين ستكون طويلة وشاقة وقد تستمر لسنوات، مع العديد من التوقفات أحيانًا لأشهر عدة، وسط استمرار الاقتتال الداخلي.

السنوات الماضية وكل المحاولات السابقة لجمع طالبان وحكومة كابول على طاولة واحدة تؤكد حقيقة واحدة أنه لا وجود لنقاط التقاء بين الطرفين، فحتى في مايو الماضي عندما توصلا إلى هدنة واتفاق لوقف اطلاق النار، لم تسلم البلاد من شر هجمات طالبان وعناصرها، ودفع المدنيون الثمن الأكبر.

وفقًا لبعثة الأمم المتحدة قتل أكثر من 1280 مدنيًّا أفغانيًّا خلال النصف الأول من 2020 نتيجة استمرار العنف والقتال بين عناصر طالبان والقوات الحكومية، وحركة طالبان وحدها مسؤولة عن نحو نصف هؤلاء الضحايا، والقوات الحكومية مسؤولة عن الربع تقريبًا.

نعود للاتفاق الأمريكي مع طالبان، لم ينص فقط على انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، بل أيضا على التزام الحركة المتمردة في المقابل بعدم السماح للجماعات الإرهابية وتحديدا “القاعدة” باستخدام البلاد كقاعدة لها، إلا أنه لا يتضمن التزامات من الحركة بقطع العلاقات مع “القاعدة”.

كما تضمن الاتفاق التزامات مطاطية بشأن ضمان الأمن والحريات العامة وحقوق المرأة، يرى الكثيرون أن الحركة بمجرد ضمانها للانسحاب الأمريكي من البلاد مع عودتها إلى طاولة المفاوضات كلاعب سياسي معترف به أصبحت في موقع أقوى مما كانت عليه ويمكنها بسهولة التراجع عن هذه الالتزامات في أي وقت، خصوصا أن السلاح ما زال في يدها، ويمكنها في أي وقت تفجير البلاد.

نعود هنا أيضا لكلمة الملا عبدالغني برادر في افتتاح المحادثات، لنجد التأكيد على ضرورة أن تكون أفغانستان بلدا بنظام إسلامي، برادر لم يكشف عن جوهر ما يقصده  بالنظام الإسلامي، لكن التشديد في أكثر من موضع خلال كلمته على هذا المطلب، بالطبع سيصطدم بمعارضة الرئيس أشرف غني الذي يرفض الاعتراف بالحركة ويريد أن يرسخ لنظام جمهوري دستوري.  

كل ما في هذه المحادثات شائك لدرجة تجعلنا نقول أن أقصى ما يمكن أن تنتجه هو تهدئة سياسية بين الطرفين ربما أطول من ثلاث هدنات سابقة شهدتها البلاد منذ 2001، فحكومة كابول غاضبة من الدوحة منذ أن دعت طالبان لفتح مكتب سياسي لديها عام 2013، وأيضا لا تعترف بالحركة وإن أظهرت عكس ذلك، وطالبان في المقابل لا تعترف بشرعيتها، وفي الشارع الأفغاني هناك غضب من الطرفين فأشرف غني فاز بولاية ثانية إثر انتخابات مثيرة للجدل وأزمة سياسية انتهت باتفاق لتقاسم السلطة مع خصمه عبدالله عبدالله، وحركة طالبان الغالبية تتخوف من عودتها للمشهد السياسي والجميع ذاق مرارة سنوات الحرب التي كانت طرفا وسببا رئيسيا فيها.

تقول كريستين فير الخبيرة في شؤون جنوب آسيا من جامعة جورج تاون في تصريح لـ”فرنسا 24″: لنكن واضحين هذا ليس تفاوضا بشأن السلام، هذا يتعلق بخروج أمريكا من البلاد.

ربما يعجبك أيضا