الغاز السعودي.. مورد “الريادة والتأثير” بمستقبل الطاقة في العالم

كتب – حسام عيد

تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا استراتيجيًا، لتراهن بشكل أكبر على قطاع الغاز، وذلك بعد اكتشافها حقول جديدة، سواء حقول نفطية أو حتى حقول للغاز.

وتأتي هذه الاكتشافات بعد بداية العام 2020 والعمل بشكل أكبر على تطوير حقل الجافورة في المنطقة الشرقية وهو أكبر حقل للغاز الصخري -أحد أنواع الغاز غير التقليدي- خارج الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ضخت المملكة حجم هائل من الاستثمارات في هذا الحقل، بطموحات بدء الإنتاج في العام 2024 وأيضا بلوغ معدل 2.2 مليار قدم مكعب يوميًا بحلول 2036، وهو ما يعزز نسبة إنتاج الغاز في المملكة، وسيحقق دخلًا صافيًا بنحو 8.6 مليار دولار سنويا، كما يحتوي الحقل على 200 تريليون قدم مكعبة كاحتياطيات للغاز الرطب.

وتمثل اكتشافات الغاز الأهمية الأكبر للمملكة العربية السعودية في الوقت الحالي، لذا تكتسب حقول الغاز الجديدة بنوعيها أهمية بالغة.

الغاز الغني بالمكثفات

في 30 أغسطس 2020، أعلن وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، تمكّن شركة الزيت العربية السعودية أرامكو السعودية من اكتشاف حقلين جديدين للزيت والغاز في الأجزاء الشمالية من المملكة، وهما: حقل هضبة الحجَرَة للغاز في منطقة الجوف، وحقل أبرق التُّلول للزيت والغاز في منطقة الحدود الشمالية.

وبيَّن أن الغاز الغني بالمُكَثَّفَات تدفق من مكمن الصَّارة بحقل هضبة الحجَرَة، شرق مدينة سكاكا، بمعدل 16 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، مصحوباً بنحو 1944 برميلاً من المُكَثَّفَات.

وأضاف وزير الطاقة، أن الزيت العربي الخفيف الممتاز غير التقليدي تدفق من مكمن الشرورا في حقل أبرق التُّلول في الجنوب الشرقي من مدينة عرعر، بمعدل 3189، مصحوبًا بنحو 1.1 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز في اليوم، فيما تدفق الغاز من مكمن القوّارة في الحقل نفسه، بمعدل 2.4 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، مصحوباً بـ 49 برميلاً يوميا من المُكَثَّفات.

وأشار إلى أن شركة أرامكو السعودية ستواصل العمل على تقييم كميات الزيت والغاز والمُكَثَّفَات في الحقلين، إضافة إلى حفر المزيد من الآبار لتحديد مساحة وحجم الحقلين.

دعم رؤية 2030

وهذا الاكتشاف الحيوي المهم يعزز التوجه السعودي الجاد نحو الاستثمار في مورد الغاز كأحد المشاريع الطموحة التي ينادي بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ضِمن رؤية 2030 التي من محاورها الرئيسية إنشاء مدن صناعية جديدة كمدينة “نيوم”، واكتشاف وتصدير الغاز الطبيعي مطلع 2030 في ظل توفر احتياطيات مؤكدة تُقَدّر بـ332.8 تريليون قدم مكعبة قياسية بنهاية 2019، مقابل 320.3 تريليون قدم مكعبة قياسية بنهاية عام 2018.

وبحسب بيانات منظمة أوبك، فإن السعودية تحتل المركز السادس عالميًا بنهاية العام الماضي، مشكلة 4.6% من احتياطيات الغاز الطبيعي عالميًا، البالغة 7282.1 تريليون قدم مكعبة قياسية.

واستطاعت السعودية أن تضاعف احتياطياتها من الغاز 7.2 مرة خلال 59 عاما (منذ عام 1960 حتى نهاية عام 2019)، حيث كانت 46 تريليون قدم مكعبة قياسية في عام 1960، بما يعني زيادته بنسبة 623% خلال تلك الفترة، بمتوسط زيادة 10.6% سنويا.

وأكد خبراء الطاقة والاقتصاد الاجتماعي في السعودية، أن هذه الاكتشافات تنعكس بشكل كبير على مكانة السعودية، خاصة فيما يتعلق بالغاز، كما يعزز من المشروعات المعتمدة بشكل كبير على الغاز ضمن رؤية 2030.

قال خبير شؤون الطاقة السعودي عايض آل سويدان، إن أهمية هذه الاكتشافات المتنوعة من حقول غاز ونفط في المنطقة الشمالية تنعكس بالإيجاب على المنطقة خاصة والمملكة عامة.

وأضاف أن المنطقة الشمالية نشطة في مجال التعدين، وهناك خطط طموحة وتوسعية في هذا المجال، ومن أهمها مدينة وعد الشمال للتعدين “المدينة الصناعية المتكاملة”، حيث تحتاج المدينة العملاقة لوقود لتشغيلها، وهنا يبرز دور هذا الاكتشاف بتزويدها بما تحتاجه من الوقود.

ويتماشى ذلك مع إصلاحات الرؤية لرفع كفاءة الطاقة بإحلال مزيج الغاز في إنتاج الكهرباء، ليصل لمستويات 70%، كما هو معلن سابقا، بالإضافة إلى أن الغاز أحد أهم متطلبات التوسع في قطاع البتروكيماويات، وما يندرج تحتها من صناعات مختلفة.

تعزيز مكانة المملكة “عالميًا”

وقال الكاتب السعودي فيصل محمد الصانع -بحسب وكالة “سبوتنيك”- إن اكتشاف حقلين ضخمين للغاز والزيت في منطقتي الحدود الشمالية والجوف في المملكة العربية السعودية، له أهمية كبرى على السعودية حيث يعزز وجودها في سوق الغاز العالمية.

وأشار إلى أن هذه الاكتشافات تحقق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للمواطنين في تلك القطاعات وغيرها، ويجعل السعودية أحد أهم منتجي الغاز في العالم، ليضاف إلى مركزها كأهم بلد منتج للنفط.

فيما قال الكاتب الاقتصادي السعودي فضل بن سعد البوعينين، إن “الاكتشافات الجديدة للزيت والغاز، ومنها الحقلين الجديدين في الأجزاء الشمالية، وهما حقل “هضبة الحجرة” للغاز في منطقة الجوف، وحقل “أبرق التلول” للزيت والغاز في منطقة الحدود الشمالية، تعزز قدرات المملكة في النفط والغاز واحتياطياتها المؤكدة ومركزها بصفتها البنك المركزي للنفط العالمي.

إن من أهم التداعيات الإيجابية لهذا الاكتشاف أنه يأتي في عهد السعودية الجديدة، وفي زمن تنوع مصادر الطاقة النظيفة والأقل انبعاثًا للكربون، ودوره المتوقع في تعزيز الموارد الطبيعية، ودعم الصناعات المختلفة، والكهرباء، وتحلية المياه، والتعدين، وخطوة جديدة في مسار الاكتفاء الذاتي ثم التصدير الخارجي بشراكات عالمية؛ مما سيدعم الاقتصاد الوطني كمصدر إضافي في الإيرادات العامة؛ على اعتبار أن العالم حاليًا يتجه إلى إحلال الغاز بديلًا عن النفط في الكثير من الأنشطة الاقتصادية؛ مما يجعل للسعودية دورًا مؤثرًا في هذا السوق مستقبلًا، ولدى المملكة رغبة كبيرة طموحة في بناء “إمبراطورية للغاز الطبيعي” تقلل الاعتماد على البترول، وترفع مداخيلها، وتنوع موارد الطاقة.

ربما يعجبك أيضا