تقرير البنتاجون عن الجيش الصيني.. حلقة جديدة من دراما “المواجهة” بين واشنطن وبكين

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان
قبل أيام اتهمت وزارة الدفاع الصينية أمريكا بأنها أحد المحرضين على الفوضى الإقليمية، وذلك ردا على تقرير لـ”البنتاجون” يؤكد أن الصين تسعى إلى مزيد من الهيمنة عبر امتلاك جيش عالمي لا يقهر، ليتحول ملف تطوير قدرات الجيش الصيني إلى عنوان جديد في مسلسل المواجهة والصراع على النفوذ العالمي بين الولايات المتحدة والصين.

 القصة بدأت مع نشر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” مطلع الشهر الجاري، تقريرًا دوريًا تصدره منذ 20 عاما لتقييم التطورات العسكریة والأمنیة المتعلقة بالصین، وخلص التقرير إلى أنه يتوجب على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات لمواجھة التحدیات الاستراتیجیة التي تفرضھا الصین، لافتا إلى أن الاستراتیجیة الوطنیة التي تتبعھا بكین تحت قیادة الحزب الشیوعي الصیني تدعو إلى التجدید العظیم للأمة الصینیة بحلول عام 2049 بما في ذلك تحویل جیش التحریر الشعبي إلى جیش عالمي.

 وحذر التقرير من أن القوى النوویة الصینیة ستتطور بشكل ملحوظ خلال العقد المقبل حیث تقوم بكين حاليا بتحدیث وتنویع وزیادة عدد المنصات النوویة البریة والبحریة والجویة، ويتوقع أن تعمل على زيادة حجم مخزون البلاد من الرؤوس الحربیة النوویة.

من جانبها عارضت الصين بشدة مضمون التقرير، وقال وو تشيان المتحدث باسم وزارة الدفاع في بيان صدر الأحد الماضي: هذا التقرير هو دليل آخر على نية أمريكا لتشويه الصين وجيشها، فهو يشوه عمدا العلاقات بين الحزب الشيوعي الصيني والجيش الصيني، كما أنه أساء تفسير سياسة الدفاع الوطني الصيني والاستراتيجيات العسكرية من أجل التشجيع على ما يسمى بـ”تهديد الجيش الصيني”.

حقائق عن قدرات الجيش الصيني

تقرير البنتاجون يستعرض بالتفصيل التطوير المستمر لقدرات الجيش الصيني، ويحتوي على حقائق أثارت غضب صانعي السياسة الدفاعية في أمريكا، إذ يعترف بأن الصين اليوم تمتلك أكبر قوة عسكرية بحرية في العالم وتتفوق على القدرة العسكرية للولايات المتحدة في مجالات عدة، فضلا على أنها تعمل على توسيع ترسانتها الصاروخية الضخمة، ولديها القدرة على الاستيلاء على جزر تايوان بسهولة، بحسب ما ذكرته “بيزنس إنسايدر”.

يقول التقرير: إن الصين تسعى إلى تطوير جيشها بحلول منتصف القرن الحالي، ليعادل أو يتفوق على الجيش الأمريكي، أو أي قوة عظمى أخرى تعتبرها جمهورية الصين الشعبية تهديدا لها، وتحقيقا لهذه الغاية حشدت الصين الموارد والتكنولوجيا والإرادة السياسية على مدى العقدين الماضيين لتقوية وتحديث جيش التحرير الشعبي في جميع النواحي تقريبًا.

وحذر من أن هذا التحديث العسكري الصيني سيكون له تداعيات خطيرة على المصالح الوطنية للولايات المتحدة وأمن النظام الدولي القائم على القواعد، وقال: الأمر الأكثر إثارة للدهشة من الكميات الهائلة من المعدات العسكرية الجديدة لجيش التحرير الشعبي هو الجهود الأخيرة التي بذلها قادة الحزب الشيوعي الصيني والتي تشمل إعادة هيكلة الجيش بالكامل ليصبح قوة أكثر ملاءمة للعمليات المشتركة ولتوسيع الوجود العسكري لجمهورية الصين الشعبية في الخارج.. فالهدف العام لـ”بكين” هو التقدم بالجيش من الدفاع عن الوطن والمحيط إلى عرض القوة العالمية بالتحول إلى جيش لا يقهر.

– يمتلك الجيش الصيني أكبر عدد من القوات العاملة على مستوى العالم، حيث يصل عدد أفراد الخدمة الفعلية إلى 2,183,000.

– يعد أكبر قوة بحرية في العالم – بحسب التقرير- فلديه نحو 350 سفينة وغواصة عسكرية، بما في ذلك أكثر من 130 سفينة مقاتلة رئيسية، وتنتشر هذه السفن في نقاط ساخنة مثل المناطق التي تمتد من كيوشو إلى المياه الإقليمية حول فيتنام، وعلى طول  سواحل تايوان التي تعتبرها بكين مقاطعة انفصالية.

– بريا، لدى الصين ثالث أكبر قوة عسكرية في العالم، حيث يبلغ عدد أفراد الخدمة الفعلية في القوات البرية 915 ألف فرد، ويمتلك الجيش نحو 33000 مركبة مدرعة، و3500 دبابة.

– جويا، الجيش الصيني لديه نحو 1500 مقاتلة و281 مروحية هجومية، ويشير التقرير إلى امتلاك الصين لطائرات المهام الخاصة الخاصة بالتتعامل مع الحرب الإلكترونية والتزود بالوقود في الجو.

– يصف التقرير نظام الدفاع الجوي الصيني بالمتكامل والقوي، إذ تمتلك بكين أنظمة صاروخية سطح-جو متقدمة بعيدة المدى بما في ذلك S-400 الروسية والأنظمة المضادة للأهداف الجوية المنتجة محليًا، كما تمتلك أكثر من 1250 صاروخًا باليستيًا تطلق من الأرض بعضها عابر للقارات، وصواريخ كروز بمدى يتراوح بين 500 و 5500  كم، بينما تمتلك واشنطن حاليًا نوعًا واحدًا من الصواريخ التقليدية مع مدى يتراوح بين 70 إلى 300 كيلومتر.

الجيش الأمريكي في المقدمة
بحسب تقرير لـ”بيزنس إنسايدر”، الجيش الأمريكي ليس فقط أقوى جيش بالعالم ويأتي بعده الجيش الصيني في المرتبة الثالثة، لكن الأهم هو أنه يتمتع بخبرة قتالية أكبر من جيش التحرير الشعبي الذي لم يخوض حربًا كبرى منذ 1979.

ويضيف التقرير: الجيش الصيني يخضع لهيمنة الحزب الشيوعي ويتأثر بالاقتتال الداخلي بصفوف الحزب، لكنه ما زال قوة هائلة وحديثة تتطور بسرعة.

ووفقا لموقع “جلوبال فايرباور” تمتلك الولايات المتحدة قطع حربية جوية أكثر من أي بلد آخر، تتنوع ما بين 2085 مقاتلة و967 مروحية هجومية و945 طائرة نقل عسكرية و742 طائرة مهام خاصة.

ولدى الولايات المتحدة جيش يصل عدد أفراده إلى 1,400,000،  وعدد 39253 مركبة مدرعة و91 مدمرة تابعة للبحرية و20 حاملة طائرات.

بالعودة لتقرير البنتاجون الذي صدر قبل أيام من مناقشة ميزانية الدفاع للسنة المالية 2021 في الكونجرس، ويحمل معلومات لا يمكن تجاهلها ستجعل المواجهة بين الديمقراطيين – الراغبين في تخفيض الميزانية- والجمهوريين أكثر سخونة، وسبق وأن اعترف وزير الدفاع مارك إسبر بوجود ضغوط لتخفيض ميزانية الدفاع لتعويض التكاليف الهائلة لخطط التحفيز التي فرضتها جائحة كورونا، في حين كان يدعو إلى زيادة تتراوح بين 3 إلى 5% للحفاظ على تفوق البلاد عسكريا.

الاستفزاز الأمريكي والرد الصيني
يؤكد تقرير البنتاجون أن الحزب الشيوعي الصيني يرغب في أن يصبح جيش التحرير الشعبي أداة لإدارة الدولة مع دور نشط في النهوض بالسياسة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية، لا سيما فيما يتعلق بالمصالح العالمية المتزايدة للجمهورية وأهدافها المتعلقة بمراجعة جوانب النظام الدولي.

وهو ما اعتبره متحدث وزارة الدفاع الصينية محاولة لتشويه العلاقة بين الجيش والحزب الحاكم، وقال: هذا التقرير عمل يمثل الهيمنة والاستفزاز بشكل صارخ ويضر بشدة بالعلاقات الثنائية بين البلدين والعلاقات بين الجيشين، لذا قدمنا احتجاجا رسميا للجانب الأمريكي.

وأضاف وو تشيان: جيش التحرير الشعبي هو القوات المسلحة للشعب الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي، ويلتزم الجيش بخدمة الشعب بشكل صادق، ونحن في الصين نتبع مسار التنمية السلمية ونلتزم بسياسة الدفاع الوطني الدفاعية بطبيعتها، مؤكدا أن تنمية الجيش الصيني تهدف إلى حماية المصالح السيادية والأمنية والتنموية، ولا تستهدف أي دولة ولا تمثل تهديدا لأي دولة.

وأكد أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وقال إن التوترات عبر مضيق تايوان ناجمة عن محاولات الحزب الديمقراطي التقدمي الاعتماد على الدعم الأجنبي واستخدام القوة لمقاومة التوحيد وكذلك محاولات العناصر الخارجية المناهضة للصين لاستخدام تايوان لتقسيم الصين.

 وأشار إلى الحروب التي خاضتها أمريكا خلال العقدين الماضيين، وقال: إن واشنطن أثبتت أنها أحد المحرضين على الفوضى الإقليمية، وانتهكت النظام الدولي، مؤكدا أن الجيش الصيني يحمي بقوة أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وملتزم بحماية السلام العالمي والنظام الدولي، وسيشارك بفاعلية في التعاون الأمني الإقليمي.

هذه الندية بين البلدين والاتهامات المتبادلة، تساعدنا على فهم حرص بكين على تطوير قدرات الجيش استعدادا لأي مواجهة محتملة، فهي تعلم جيدا أن الولايات المتحدة تسعى للحد من نفوذها الإقليمي والدولي لا سيما في ظل إدارة ترامب، ومع ذلك تتمتع بكين بقدر كبير من الواقعية وتدرك جيدا أن الحرب أو المواجهة العسكرية ليست واردة، وأن كل ما في الأمر أنها يجب أن تمتلك قوة ردع.

ربما يعجبك أيضا