نتنياهو كعقاب إلهي.. والمواطن طيب أو شرير!

محمد عبد الدايم
كتب – د محمد عبدالدايم
عادت حكومة الاحتلال مجددًا لفرض الإغلاق الكامل لمحاولة وقف الارتفاع المطرد في منحنى الإصابات بفيروس كورونا، ويأتي قرار الحكومة بالعودة إلى الحجر المنزلي مع حلول يوم الغفران (يوم هاكيبوريم)، الذي يوافق هذا العام 27 سبتمبر.

قرار الحجر يأتي نزولا على توصيات البروفيسور روني جامزو منسق لجنة مكافحة كورونا، الذي أصر على ضرورة الإغلاق، والعودة إلى الحجر مع ارتفاع منحنى الإصابات، وعدم انصياع المواطنين لمطالبة الحكومة ومسؤولي الصحة بتجنب التجمعات، فقد لوحظ في الفترة الأخيرة لامبالاة المواطنين، حيث زادت التجمعات بشكل كبير في قاعات المناسبات، والأفراح والصلوات وأماكن التنزه والترفيه.

على الجانب الآخر استمر الآلاف من المواطنين في التظاهر بشكل يومي ضد نتنياهو وحكومته، متهمين بيبي بالفساد المالي والسياسي، إضافة إلى فشله وحكومته بشكل ذريع في مواجهة وباء الكورونا، ويرى هؤلاء المتظاهرون، ومعهم كثير من المحللين والمشتغلين في مجال الإعلام أن بيبي دفع حكومته لإقرار الإغلاق الشامل حتى يتخلص من ضغط المتظاهرين الذين يعانون اقتصاديا، فيما يكدس ملابس أسرته في حقائب ويحملها لتُغسل بالمجان في البيت الأبيض.

على مدار الساعة تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية مشاهد لتوافد المتظاهرين في مسيرات بالسيارات متجهة نحو مقر نتنياهو بالقدس، رافعين الأعلام السوداء مع علم إسرائيل، في تحد لقرار الحظر المفروض، وتحاول قوات الشرطة الإسرائيلية تنفيذ الإغلاق، وتحرر مئات المخالفات على المخالفين.

في الوقت نفسه ازداد غضب المتدينين كذلك، لأن قرار الإغلاق شمل دور العبادة مع تقييد الصلاة في الأماكن المفتوحة بتقليل أعداد المصلين، وبسبب الغضب الشديد من طوائف المتدينين تم السماح بفتح الكُنس للصلاة في يوم الغفران، بعد الضغط الكبير الذي مارسته الأحزاب الحريدية، حتى إن وزير الداخلية رئيس حزب شاس أرييه درعي قد هدد بالاستقالة ما لم تُفتح الكُنس للصلاة في يوم الغفران.

اللافت أيضا أن قرار حكومة نتنياهو بالإغلاق لم يأت بإجماع وزراء حكومته، بل واجه قرار المجلس الوزاري المصغر المعني بمكافحة كورونا اعتراضات كبيرة من وزراء بالحكومة، منهم وزير المالية يسرائيل كاتس، عضو حزب هاليكود، الذي صرح أنه كان بإمكان الحكومة اللجوء لخيارات أخرى، وليس الإغلاق الشامل أحدها.

يوم الخميس الماضي، شهدت الجلسة العامة للكنيست مشادات عنيفة بين الأعضاء المنتمين لحزب هاليكود، ونظرائهم من الأحزاب الأخرى والمعارضة، مع استمرار الخلاف الكبير حول آليات مكافحة الكورونا، واستمرار الحكومة في “تخويف” الجماهير، وفقا لزعم المعارضة، وهذا التخويف لا يستهدف محاربة الوباء، وإنما إيقاف المظاهرات ضد بيبي.

في مقال تحليلي نشره موقع معاريف منتصف الشهر الماضي، قال الكاتب الصحافي ران إِديليست إن بنيامين نتنياهو يدير الدولة كما لو أن الانتخابات غدا، ويُقسم المواطنين إلى طيبين وأشرار.

وأضاف في مقاله المعنون بـ “نحن وهم”  أن الجوقة الإعلامية اليمينة التي استمرت بالعزف لصالح بيبي، باعتباره الرجل القوي، وجانتس باعتباره الساذج الضعيف، لم تنجح في تحويل الدفة، فالمظاهرات مستمرة، والغضب يتصاعد، ومؤشرات الاقتصاد تشير إلى استمرار تراجع النمو، وزيادة العاطلين، رغم أن الرجلين توصلا مؤخرا لاتفاق بتأجيل التصويت على الميزانية إلى نوفمبر القادم، لتتأجل المواجهة قليلا، بينما تضغط أزمة كورونا على الحكومة، وترفع من أسهم الأحزاب التي لم تنضم لائتلاف نتنياهو – جانتس، وعلى رأسها تكتل يمينا.

اعتبر ران إديليست أن الخلاف بين طوائف الإسرائيليين لم يعد سياسيا فحسب، أو أيديولوجيا، وإنما تحول لصراع وجودي، حيث واجه هاليكود غضب المتظاهرين باتهامهم بأنهم مدفوعون من قوى المعارضة، بهدف نشر الفوضى وتحدي الحكومة وإسقاط نتنياهو، مما دفع الموالين لتنظيم مظاهرات مضادة تؤيد بيبي وحزبه، ليتحول المشهد إلى صراع “بينهم” و”بيننا”، صراع يستهدف شباك التذاكر، للحصول على اللقطة كاملة.

النقطة المهمة من منظور الكاتب؛ أن أنصار نتنياهو يعرفون أنه كاذب، يدركون هذا تماما، لكن معيارهم للحكم عليه هو القوة أو الضعف، فبيبي كاذب قوي، وهذا ما يعنيهم في المقام الأول، ويختبرون الآن بشكل يومي إذا ما كان الانكشاف اليومي التراكمي لكذبه سوف يكون له تأثير كبير على حملته الانتخابية من عدمه.

أما الكاتب نحميا شطرنسلر، الكاتب والمحلل الاقتصادي بصحيفة هآرتس، فقد كتب الأسبوع الماضي مقالا شديد اللهجة، جاء عنوانه: “إلهي؛ بماذا أذنبنا كي نستحقه”، والمقصود بالمُستحق نتنياهو بالطبع، وقال في متن المقال المنشور قبيل يوم الغفران:

إذا كان من الممكن أن نتلقى إجابة من الرب، لكنت سألته في هذه الأيام، بين رأس السنة اليهودية ويوم الغفران، بماذا أذنبنا لنستحق عقابًا شديدًا كهذا؟ بماذا أخطأنا لنُبتلى برئيس حكومة فاشل إلى هذا الحد؟ أي جريمة ارتكبناها ليُفرض علينا نتنياهو لهذه المدة الطويلة؟ فقد أصبح واضحًا ومعروفا للجميع بأنه أسوأ من تولي إدارة الحكومة، ليس قادرا على اتخاذ قرار مناسب في وقته المناسب، فقد تسببت قراراته في مواجهة الكورونا مثلا في حدوث فوضى لا مثيل لها، وارتباك كبير، وارتفاع في نسب المصابين، وتخبط صحي واقتصادي رهيب.

بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، فقد سببت سياسة نتنياهو، وفقا لما كتبه شطرنسلر، في وجود حالة غير مسبوقة من الاستقطاب، بدلا من التحرك نحو خلق حالة من الترابط بين أفراد المجتمع في مواجهة الجائحة، تحول الجميع ضد الجميع، متدين ضد علماني، يميني ضد يساري، مؤيد ضد معارض، يهود ضد عرب، فانتشرت الكراهية بين صفوف الجماهير، وستغلها نتنياهو في تلبية احتياجاته السياسية.

على الجانب الاقتصادي، أضاف نحميا، فإن نتنياهو قد فشل بشكل مروع، وعلى عكس الصورة التي رسمها لنفسه كخبير في الاقتصاد، فإنه لم يقدم شيئا لإصلاح النظام الاقتصادي الإسرائيلي منذ 2009، لم يعمل على إصلاح القطاع العام، بل ترك الفساد ينتشر داخله، لم يعمل على خفض تكاليف المعيشة بالنسبة للجمهور، وارتفت أسعار السكن إلى حدود رهيبة، فيما انخفضت معدلات النمو، وتراجع مستوى معيشة الفرد الإسرائيلي مقارنة بنظيره الأوربي، أما تعامله مع ملف الميزانية فقد كان شائنًا، بعدما أنفق عشرات المليارات دون موازنة معتمدة، حتى وصل العجز في الناتج المحلي إلى 14%، ونسبة الدين إلى 80%، وارتفعت البطالة إلى 12% من القوى العاملة، أي ما يقرب من نصف مليون شخص.

الفشل السياسي لنتنياهو كان كبيرا، من منظور نحميا شطرنسلر، حيث يتبجح مؤخرا بتوقيع اتفاقيتين للسلام مع الإمارات والبحرين، لكنه لم يحل المشكلة الفلسطينية، لقد دمر الثقة مع السلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يتجاهل الملك الأردني عبد الله، وأمنيا؛ لم يجد نتنياهو حلًا لصواريخ غزة، ولم يمنع فرص حزب الله لإطلاق الصواريخ على إسرائيل.
قانونيا؛ لقد ارتكب نتنياهو جريمة بحق المنظومة القضائية بإسرائيل، لقد حارب القضاة والنيابة والشرطة، ويضغط على المستشار القضائي للحكومة ليدفعه للاستقالة، مع اقتراب موعد محاكمته، وأصبحت مؤسسات الدولة ضعيفة وهشة، والآن يتحرك بيبي للقضاء على عنصر آخر من عناصر الديمقراطية، متمثلا في المظاهرات ضده.
على مستوى الائتلاف؛ يرى نحميا بأن نتنياهو فشل فشلا ذريعا في إرساء الهدوء، وأسس التعاون مع شريكه بالحكومة بيني جانتس، مما جعل حكومته مشلولة، عاجزة تماما عن التعامل مع ملفات الدولة، مما أوصلها للفشل الكبير في مواجهة الوباء، إنه فشل مُسجل بالكامل باسمه، باسم نتنياهو، وهذا الإغلاق وضرره المفروضيْن على الجمهور بمثابة أبناء شرعيين لفشل نتنياهو.

يختم نحميا مقاله بالقول إن نتنياهو: “شيك مؤجل الدفع، بدون رصيد، كم أخطأنا وأذنبنا، كي نتلقى هذا العقاب الشديد!”.

ربما يعجبك أيضا