وسط مخاوف بشأن أمن الانتخابات.. ترامب يعيد فتح ملف “روسيا جيت”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان
المتابع للمشهد السياسي الأمريكي لن يمل للحظة، فساكن البيت الأبيض جعبته لا تفرغ من الحيل والقرارات المثيرة للجدل، ويجيد حتى في أحلك الظروف التحركات التي تُشعر خصومه بالارتباك وتدفع الجميع للتساؤل لماذا الآن؟ وما الهدف من هذا التحرك؟

بالأمس أعلن الرئيس دونالد ترامب أنه قرر رفع السرية عن جميع الوثائق المتعلقة بالتحقيقات الاتحادية في فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية للعام 2016، وأيضا عن جميع الوثائق المتعلقة بالتحقيقات حول استخدام وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بريدها الشخصي -غير الآمن- في مراسلات حكومية.

الرئيس الذي خرج للتو من المستشفى بعد تجاوزه نسبيا مرحلة الخطر في معركته الصحية مع فيروس كورونا المستجد، قرر أن يرفع السرية عن تحقيقات “روسيا جيت”، في وقت تحذر فيه مؤسسات الدولة من خطورة التهديدات الخارجية لأمن الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتشير أًصابع الاتهام بشكل رئيسي إلى روسيا والصين، إلا أن الرئيس الذي لا يخفي إعجابه بفلاديمير بوتين يبدو أنه يقلل من خطر هذه التهديدات ويريد تجديد تأكيداته السابقة على أن “روسيا جيت” كانت مجرد مطاردة ساحرات من الديمقراطيين لشخصه.

ترامب يحاول إحراج الديمقراطيين وإلهاء الرأي العام
اختار الرئيس الأمريكي أن يعلن عن قرار رفع السرية عبر وسيلته المفضلة “تويتر” فكتب: لقد أذنت برفع السرية تماما عن جميع الوثائق المتعلقة بأكبر جريمة سياسية في التاريخ الأمريكي “خدعة روسيا” وبالمثل فضيحة البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون، دون تنقيح.

كان الرئيس بالعام الماضي أعطى لحليفه النائب العام بيل بار سلطة رفع السرية عن أي وثائق تتعلق بالتحقيقات التي تنظر في تواطؤ حملته مع موسكو في انتخابات 2016، في خطوة لاقت انتقادات من قبل الديمقراطيين والجمهوريين على حد السواء باعتبار أن وزارة العدل ستعمل على عدم الوصول إلى هذه الوثائق، وبالفعل أعلنت الوزارة عدم نيتها الكشف بالكامل عن مضمون تقارير المحقق الخاص روبرت مولر التي تم رفعها إلى هيئة المحلفين العليا.

تحقيق مولر الذي بدأ في العام 2017 خلُص في مارس 2019 إلى وجود تواطؤ بين حملة ترامب ومسؤولين روس خلال فترة الإعداد لانتخابات 2016، وذلك دون تقديم أدلة ملموسة، لكن مولر أشار إلى عشر حالات يشتبه بأن ترامب سعى فيها إلى إعاقة التحقيق، ما عزز الشكوك حول الرئيس الذي رفض تقارير مولر جملة وتفصيلا وأكد استهدافه من قبل الديمقراطيين الذين فشلوا في توجيه اتهام له بعرقلة سير العدالة في الكونجرس أكثر من مرة، بسبب حاجتهم إلى أصوات الجمهوريين لتحقيق أغلبية الثلثين.

في منتصف العام 2019، تقدم الديمقراطيون بدعوى قضائية لرفع السرية عن مضمون تقارير مولر، وفي مارس الماضي أيدت محكمة الاستئناف الفدرالية في واشنطن طلب الديمقراطيين، إلا أن المحكمة العليا وافقت في يونيو الماضي على النظر في التماس قدّمته إدارة ترامب لمنع تنفيذ قرار محكمة الاستئناف، ما يعني أن الديمقراطيين لن يتمكنوا من الوصول إلى هذه المعلومات قبل انتخابات 3 نوفمبر.

الآن قرر الرئيس أن يرفع السرية عن الوثائق المثيرة للجدل، ربما لإحراج الديمقراطيين وبعبارة أخرى لقلب السحر على الساحر، فالقرار يأتي بعد إعلان مدير الاستخبارات الوطنية جون راتكليف في وقت سابق عن رفع السرية عن وثائق كشفت أن المدير السابق للمخابرات المركزية جون برينان أطلع الرئيس السابق باراك أوباما على “خطة” لهيلاري كلينتون لتشويه سمعة ترامب عبر ربطه بالمحاولات الروسية للتأثير على نتائج انتخابات 2016، للتغطية على فضيحة اختراق بريدها الإلكتروني.

ترامب الذي أصيب أخيرا بفيروس كورونا، وتعرض لسيل من الانتقادات خلال الأشهر الماضية بسبب فشل إدارته في احتواء الأزمة وتعريضها حياة الأمريكيين للخطر – فأمريكا سجلت حتى اللحظة أكثر من 7 ملايين إصابة و211 ألف وفاة بالفيروس التاجي- في أمس الحاجة إلى الخروج من دائرة الفشل الذي حاول بايدن وصمه بها في المناظرة الرئاسية الأولى، هنا نفهم لماذا يعود لفتح ملف التدخل الروسي هو فقط يريد إلهاء الرأي العام عن كارثة كورونا والاستعداد للمناظرة المقبلة المقررة في 15 أكتوبر الجاري، ويمكنا أن نتخيل ترامب وهو يقول أمام بايدن حاولتم مطادرتي لكن الحقيقة أن فريقكم السياسي هو من حاول الالتفاف للفوز بانتخابات 2016، وما حدث وقتها سيتكرر في نوفمبر المقبل.

أمن الانتخابات على المحك
في الوقت الذي يفتح فيه ترامب ملف فضيحة تتعلق بأمن العملية الانتخابية السابقة، تحذر عدة مؤسسات من تنامي خطر التهديدات الخارجية لأمن رئاسيات 2020، ففي الأسبوع الماضي ألقت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب باللوم على وكالة الاستخبارات في عدم مواجهة هذه التهديدات على النحو المطلوب.

وقالت اللجنة في تقرير مطول: النتيجة التي توصلنا إليها هي أن مجتمع الاستخبارات لدينا لم يتكيف بشكل كافٍ مع البيئة الجيوسياسية والتكنولوجية المتغيرة والأهمية المتزايدة للتهديدات غير العسكرية العابرة للحدود الوطنية، فمن الضروري إصلاح طريقة التعامل المخابراتي مع هذه التهديدات مع اقتراب موعد الانتخابات، فهذه المرة مصدرها لن يكون روسيا فقط بل غالبيتها سيكون مصدرها الصين، والتي أصبحت قدرتها الإلكترونية تشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي.

وفي وقت سابق اتهم كريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، بكين بالتواطؤ في عمليات تجسس وسرقة بيانات مواطنين أمريكيين، كما اتهمها بأنها تقود عملية استخبارية واسعة النطاق للدفع باتجاه خيارات تناسبها في الانتخابات الأمريكية.

مطلع سبتمبر، اتهم مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي روبرت أوبراين، أيضا بكين بالسعي للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقال: أوضحنا للصينيين ولجهات أخرى تخطط للتدخل في الانتخابات بأن هذه المحاولات ستقابل بعواقب استثنائية.

في تقرير مؤلف من 26 صفحة نُشر أمس، قالت وزارة الأمن الداخلي: إنه من المرجح أن تكون روسيا عنصر التأثير السري الرئيسي المرجح في العملية الانتخابية 2020، مضيفة أن روسيا تستخدم إجراءات مثيرة للانقسام لتعطيل العملية الانتخابية بما في ذلك تشويه سمعة المرشح جو بايدن في إطار جهد أكبر لإثارة الانقسام وزعزعة الاستقرار في أمريكا وتقويض الثقة في العملية الديمقراطية لنقل السلطة.

المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، وصف التقرير وكافة المواد الصحفية التي تتحدث عن مساع روسية لمساعدة ترامب في الفوز بولاية ثانية بأنها مجرد هراء لا أساس له من الصحة.  

لكن سواء كانت روسيا تسعى لإعادة انتخاب ترامب أو الصين وإيران – كما قال تقرير للاستخبارات الأمريكية- تحاولان التدخل لمنع فوزه، فالأمر مرهون بمدى رغبة المخابرات الأمريكية في التصدي لهذه التهديدات وتأمين العملية الانتخابية بكل شفافية.

 
 

ربما يعجبك أيضا