“معاداة السامية” في ألمانيا.. هل حان الوقت لوضع نهاية للماضي “النازي”؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تشهد ألمانيا أعمال عنف وإرهابًا منظمًا، بمختلف أنواعه، يميني، شعبوي، إسلاموي ويساري، وبالتوازي مع أعمال العنف والإرهاب هذه، ظهرت كثيرا خلال السنتين الأخيرتين أعمال عنف ممنهجة ضد “السامية” تحديدا ضد اليهود في ألمانيا، وهذا ما جعل العديد من اليهود في ألمانيا يشعرون بالخطر من تهديدات “النازية” في ألمانيا.

معاداة السامية

أو معاداة اليهود بالإنجليزية : Anti-Semitism‏ هو مصطلح يعطى لمعاداة اليهودية كمجموعة عرقية ودينية وإثنية وفق تعريف الموسوعة الحرة والمعنى الحرفي أو اللغوي للعبارة هو “ضـد السامية”، وتُترجَم أحياناً إلى “اللاسامية”. وبالرغم من انتماء العرب والآشوريين وغيرهم إلى الساميين، معاداتهم لا تصنف كمعاداة للسامية، وتعد معاداة اليهود شكلاً من أشكال العنصرية.

أعرب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس خلال شهر مايو 2020 عن القلق إزاء تزايد أعمال العنف ضد السامية، اليهود،  وقال، إن معاداة السامية “ليست منتجا تم استيراده”، في تكذيب للمقولة التي تعتبر أن المهاجرين من أصل عربي يتحملون مسؤولية تزايد وتيرة الهجمات ضد اليهود. وأشاد ماس بـأنطلاق “مبادرة كرويتسبرغ” ضد معاداة السامية، نسبة إلى حي كرويتسبرغ في برلين الذي تزداد فيه نسبة المهاجرين، خصوصا من دول إسلامية.

أفادت وزارة الداخلية الألمانية في 14 مايو 2020  أن الأعمال الإجرامية التي تقف وراءها مشاعر معاداة السامية وكراهية الأجانب، ازدادت بنسبة 20 % العام الماضي 2019. وجاء في تقرير لوزارة الداخلية أنه تم إحصاء 7701 عمل إجرامي خلال العام 2018 يصنف في خانة كراهية الأجانب، بزيادة تبلغ 19،7% عن العام 2017. أما الأعمال الإجرامية، التي لها علاقة بمعاداة السامية فبلغت 1799 عملا بزيادة مشابهة بحدود عشرين بالمئة. وقال وزير الداخلية المحافظ هورست زيهوفر في مؤتمر صحافي عقده في برلين أن نحو 90 % من المسؤولين عن هذه الأعمال يدورون في فلك اليمين المتطرف.

تكشف بيانات مكتب البحوث والمعلومات حول معاداة السامية “رياس” (RIAS) بأن معاداة السامية في 2019 تجلت في أشكال مختلفة. المكتب يقدم بيانات من ولايات عدة منها برلين، براندنبورغ وشليسفيش هولشتاين وبفاريا، وبالتالي يمكن المقارنة بين الولايات. ويقسم مركز “رياس” معاداة السامية إلى خمس أشكال مختلفة قد تظهر في آن واحد، وتبين تنوع الهجمات المعادية للسامية. والنماذج التقليدية ذات الجذور الدينية هي جزء من معاداة السامية.

المجتمع الألماني يعاني من”قسوة إشكالية”

التهديدات بالقتل التي تلقاها البرلمانيان جيم أوزدمير وكلاوديا روث من حزب الخضر 03 نوفمير2019، أثارت ردود فعل غاضبة من سياسيين رأوا فيها اعتداء على الديمقراطية وحرية التعبير. إذ قال وزير الداخلية الاتحادي، هورست زيهوفر، في تصريحات لصحيفة “زوددويتشه تسايتونغ “بشكل عام: يعاني مجتمعنا من قسوة إشكالية”.

وذكرت صحف مجموعة فونكه الإعلامية أن اسم أوزدمير هو أول اسم على قائمة موت، حسب ما جاء في رسالة إلكترونية أرسلتها مجموعة يمينية متطرفة تُدعى “قسم الأسلحة النووية- ألمانيا” إلى مكتب النائب البرلماني ذي الأصول التركية، أوزدمير. أما نائبة رئيس البرلمان الألماني، كلاوديا روث فقد وضعوها في المرتبة الثانية في تلك القائمة.

ويقابل تصاعد معاداة السامية، جهود لمناهضتها ومحاربتها من الداخل مجتمعيا، وفي هذا السياق، انطلقت يوم السابع من أكتوبر 2020 حملة وطنية في ألمانيا تحت شعار “صوتي ضد الكراهية” التي أطلقتها مؤسسة ألمانيا للإندماج، التي يرأسها الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف. وتهدف الحملة شجب ومحاربة الأفكار العنصرية عبر أحياء ذكرى ضحايا العنف والاعتداءات العنصرية.

وفي هذا الاطار يقول رئيس المجلس المركزي لليهود بألمانيا يوزف شوتسر  في كلمة له بالمقبرة اليهودية بفايزن زيه يوم 17 نوفمبر 2019، في العاصمة الألمانية برلين “يجب ألا يكون هناك أي تردد في مواجهة اليمينيين المتطرفين وأعداء الديمقراطية… يتعين علينا التمسك بخط أحمر لا يتم السماح بتجاوزه” وتذكر رئيس المجلس المركزي لليهود معاناة ستة ملايين يهودي تم قتلهم خلال الحقبة النازية، وأضاف أنه كان هناك إجمالي 60 مليون ضحية خلال الحربين.

وانتقد شوستر حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، وأكد أنه لا يمكن السماح بقبول أن تكون هناك كتلة برلمانية داخل البرلمان الألماني بوندستاغ) وصف رئيسها الحقبة النازية على أنها “زقة طائر” (نقطة عابرة) في التاريخ الألماني.

الحكومة الألمانية.. مساع متأخرة للحد من معاداة السامية

تبنت برلين خلال عام 2018 أول خطة حكومية لمكافحة معاداة السامية، ويمكن وصفها بأنها خطوة متأخرة جدا. ماذا عن باقي الولايات والحكومة الفيدرالية؟ استغرق الأمر من الحكومة الألمانية ما يقرب أكثر من ثمانين عامًا لتعيين مفوض معاد للسامية !

وللأسف ارتبط تصاعد العداء تجاه اليهود بالمجتمعات المسلمة في ألمانيا بشكل عام والتدفق الأخير للمهاجرين المسلمين إلى حد كبير. تأتي معاداة السامية في الوقت الحاضر بأشكال مختلفة، من العنصرية اليمينية المتطرفة إلى العداء اليساري المبالغ فيه لإسرائيل، إلى عداء الجماعات الاسلاموية المتطرفة تجاه اليهود والدولة اليهودية.

بات واضحا أنه بالفعل لا يمكن استئصال التعصب الديني – معاداة السامية، الإسلاموفوبيا، أو أي شكل آخر ما لم يدرك كل المواطن الألماني أو المجتمع الألماني، الأسباب التي ادت إلى “الهولوكوست وهذا ما يجب أن تعمل عليه الحكومة الألمانية في برامجها الاجتماعية والثقافية. لقد تم توثيق القتل الجماعي لملايين اليهود، فإذا لم يدرك المجتمع الألماني تلك الحقائق والتي لا يمكن إنكارها، فانه يعتبر تخليًا أخلاقيًا أمام الأجيال القادمة.

وهذا يعني، أن محاربة التطرف والإرهاب يجب أن يتوزع على كافة الجماعات المتطرفة بأنواعها، اليمينية والإسلاموية وغيرها. تبقى الحكومة الألمانية هي المسؤولة عن تأمين الحماية إلى المراكز الدينية والمعابد، أمام تزايد تهديدات التيارات الشعبوية والإسلاموية في ألمانيا. بات من الضروري رفع الوعي أولاً بين عامة الناس بأن معاداة السامية لا تزال مشكلة حالية في المجتمع الألماني.

ربما يعجبك أيضا