جيش الاحتلال يواجه تقصير الخدمة العسكرية وتأخر إقرار الميزانية

محمد عبد الدايم

كتب – محمد عبدالدايم

في ديسمبر عام 2016 وافق الكنيست الإسرائيلي على قانون لتقصير مدة الخدمة العسكرية الإجبارية للشباب في الجيش الإسرائيلي من 32 شهرًا إلى 30، بالإضافة إلى منحهم امتيازات إضافية داخل الوحدات العسكرية وخارجها، تتمثل في مكافآت خاصة واشتراكات مخفضة في وسائل مواصلات وتخفيض على تكاليف الرحلات السنوية، وغيرها.

דובר צהלל CC BY NC 2.0 1

هذه التحركات جاءت بعد ملاحظة العزوف الكبير من الشبان عن الرغبة في الانخراط بالوحدات القتالية على وجه الخصوص، وتفضيل وحدات الحروب الإلكترونية والتكنولوجيا.

من المفترض أن هذا القانون الخاص بتقصير مدة الخدمة الإجبارية يسري العمل به منذ يوليو هذا العام، لكن إلى الآن لم يتم تطبيقه بعد، حيث مازال القانون السابق معمولًا به، ولا يتم تسريح المجندين قبل 32 شهرًا، وذلك لاعتبارات “أمنية وعسكرية” مثلما نقلت مصادر داخل رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، فيم صدر بيان عن الكنيست في ختام اجتماع اللجنة الفرعية للقوى البشرية في الجيش الإسرائيلي، وهي لجنة تابعة للجنة الخارجية والأمن، أن رئيس الأركان أفيف كوخافي ما يزال يدرس إمكانية تطبيق قانون تقصير الخدمة من عدمه، ولم يحدد موقفه بعد من هذا القانون الذي وافق عليه سلفه جادي أيزنكوت.

Cpl. Yuval Shmueli IDF Spokespersons Unit CC BY NC 2.0

بيان لجنة القوى البشرية بالجيش أشار إلى ضرورة أن تكون مطالب الجيش مأخوذة في الاعتبار، ولابد على الحكومة أن تتخذ قرارا بهذا الشأن، لأن قانون تقصير الخدمة يمكن أن يؤدي إلى فجوة بين خطط الجيش الإسرائيلي، التي تسعى لتنفيذها رئاسة الأركان، وبين القوى البشرية العاملة بالجيش.

المسألة التي أثارتها لجنة القوى البشرية هي تراجع مفهوم “الجيش الشعبي” أو “جيش الشعب” بالنسبة لتعريف الجمهور الإسرائيلي للجيش، فحالة العزوف عن الخدمة العسكرية والعمل بوظائف مؤقتة أو دائمة داخل الجيش تتزايد، مما يمكن أن يؤثر على صورة الجيش أمام الجمهور، وكذلك القدرات العامة إذا ما تقرر تنفيذ قانون تقصير مدة الخدمة أيضًا.

في مارس 2018 بدأ الجيش في تسريح المجندين الذين انخرطوا في الخدمة الإجبارية في يوليو 2015، أي أنهم أمضوا مدة 32 شهرًا، وهي المدة التي تقل بأربعة أشهر عن المجندين السابقين الذين دخلوا الخدمة قبل 2015، ومن المقرر، وفقًا لخطة أيزنكوت قبل بلوغه سن التقاعد، أن تقل مدة التجنيد لتصل إلى 30 شهرًا بالنسبة للمجندين الذين دخلوا الخدمة في يوليو 2020، أي أنهم سيتكون الخدمة في 2022 بفارق أقل ب 6 أشهر من سابقيهم.

في بداية هذا الشهر اجتمعت لجنة القوى البشرية بالجيش الإسرائيلي، برئاسة عضو الكنيست أورنا بارفيفاي، رئيسة سابقة لشعبة القوى العاملة بالجيش، وخلال الاجتماع صرح مندوب الجيش بأنهم مستمرون في العمل بقانون تسريح الجنود بعد 32 شهرًا، وليس 30 شهرًا، وهذا يرجع إلى حدوث عجز في القوى البشرية العاملة التي يعتمد عليها الجيش، ويرجع هذا العجز لسببين رئيسين:

•   في مقابل الزيادة الديموجرافية في دورات التجنيد، هناك زيادة واضحة في الاستثناءات، حيث يخرج من الخدمة عدد أكبر باستثناءات صحية وعقلي، وهو الأمر الذي ترك أثره في حدوث عجز كبير في الوظائف داخل الجيش، بما في ذلك الوحدات القتالية، وهذا يرجع إلى تغير رؤية الشباب إلى الخدمة العسكرية، فقد تراجعت قيمة “الانتماء”، وأصبح الشباب يعزفون عن الوحدات التي يمكن أن تسبب لهم نسبة أكبر من المخاطر، أو لا تفيدهم في مجالات عملهم بعد التسريح من الخدمة.

•   يمكن أن يؤدي تقصير مدة الخدمة العسكرية حتى 30 شهرًا، إلى إضعاف قدرات الجيش الإسرائيلي، وعدم قدرته على العمل بشكل فعال، خصوصا مع دولة تحارب على عدة جبهات، كما أن هذا التقصير سيؤدي إلى الإضرار بفاعلية التدريبات العسكرية، وبالتالي مستوى الاستعداد.

مع ذلك لم يقدم مندوب وزارة الدفاع إجابة نهائية خلال اجتماع الكنيست، فالوضع القانوني واضح، حيث تمت الموافقة على قانون تقصير الخدمة في وقت سابق، وفي غياب تحرك فاعل لتغيير هذا القانون سيكون على جيش الاحتلال أن يستعد لتسريح جنود بعد 30 شهرًا، وحتى الآن لم تقرر رئاسة الأركان كيف ستحسم الأمر، مع وجود قضايا أخرى مطروحة، تتمثل في وباء الكورونا، والوضع السياسي المعقد، مع استمرار الخلاف بين طرفي الحكومة نتنياهو- جانتس حول تمرير ميزانية إسرائيل، وبالتالي يتأجل تنفيذ خطة أفيف كوخافي متعدد السنوات “تنوفا” لتطوير الجيش الإسرائيلي.

في المقابل، طالبت رئيسة اللجنة، أورنا بارفيفاي، من رئاسة الأركان تقديم إجابة نهائية من أجل بلورة قرار في هذا الشأن، وصرحت أن “الحاجة الملحة للجيش لا يجب أن تنتظر حلحلة الخلافات السياسية بين أطراف الائتلاف الحكومي” خصوصًا وأن الجيش ألمح أنه “لا يستطيع الاستمرار في تأدية مهامه بشكل فعال بسبب العجز المالي والفوضى السياسية”.

من الواضح أن رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي تسعى لسحب قانون تقصير الخدمة العسكرية المنصوص عليه منذ 5 سنوات، فهو ليس مفاجئًا، لكن مبرر رئاسة الأركان أن الفترة الحالية تستلزم سحب القانون وتغييره، بسبب ارتفاع درجات “التهديد” القادم من جبهات عدة، خصوصًا السورية، والإيرانية، وحزب الله، ولا يناسب قانون تقصير الخدمة العسكرية الأهداف الجديدة التي يضعها أفيف كوخافي في خطته متعددة السنوات “تنوفا”.

يبدو أن العجز الذي يعاني منه الجيش في القوى البشرية ليس ناجمًا عن قلة عدد المجندين بشكل عام، وإنما ناتج عن توزيعهم على الوحدات المختلفة، فهناك نقص في وحدات القتال، مقابل زيادة في وحدات أخرى غير مقاتلة، ومن هنا تبحث قيادات الجيش عن حلول عاجلة لسد الفجوة بين الوحدات، وفي الوقت نفسه إعادة النظر في قانون تقصير الخدمة، الذي يمكن أن يؤثر في عمل الجيش وقوته، رغم الاستفادة الاقتصادية من تطبيقه.

في هذا السياق نقلت مصادر عسكرية بأن وزير الدفاع بيني جانتس يولي الأمر أهمية كبيرة، ويدرك أن على الجيش أن يقرر بشكل سريع مصير قانون تقصير الخدمة، كي يتسنى للجنود التخطيط لمستقبلهم بعد انتهاء الخدمة، ولكن جانتس ما يزال يصارع نتنياهو من أجل إقرار ميزانية 2020، بينما قارب العام على الانتهاء، ولم يتم تمرير قانون الميزانية للعامين 2020- 2021.

ربما يعجبك أيضا