سياسي عراقي: إشكاليات عديدة تتعلق بدور إيران في الشرق الأوسط

سحر رمزي

رؤية – سحر رمزي

في حوار خاص لـ«رؤية» مع السياسي العراقي الدكتور ضرغام الدباغ أكد أن هناك مرحلة مهمة في العلاقات الدولية تظهر ملامحها، وهي غير تلك التي كانت سائدة على مسرح العلاقات الدولية في القرن العشرين، فهناك قوى جديدة تبرز، وأخرى يتضاءل دورها، ويتراجع تأثيرها، وأن القوى الجديدة سيكون لها وزنها ومواقفها قيمة سياسية والشرق الأوسط مقبل على تغيرات كبيرة ستقلص من دور إيران كمحرك أو كمؤثر في الأحداث.

وأن قيمة إيران الاستراتيجية هذه سوف تتضاءل، أو تهبط بدرجة لا تعود عنصراً أساسياً في السياسات الغربية، بفعل عوامل داخلية في مقدمتها فشل السياسة الإيرانية أن تكون الدولة الإيرانية كياناً سياسياً لكافة المواطنين الإيرانيين بدرجة واحدة، وانهيار السياسة الخارجية بسبب افتقارها الشديد إلى معطيات ومستلزمات العمل الخارجي السياسي والاقتصادي والثقافي كعوامل خارجية، وتناقضات كثيرة لدرجة الاصطدام مع قوى كثيرة في المنطقة، وسوف تتأثر بنتائج وأبعاد وتطورات الصراع الآذري الأرميني ونتائجه، تطورات النزاع العربي الإسرائيلي، ومسارات جديدة للقضية الفلسطينية.

بداية لماذا استخدم الغرب إيران ضد دول المنطقة؟

لأن إيران منضوية  في إطار تحالف دولي، استغرق التخطيط له وقتا طويلاً، واتخذ تنفيذه صفحات متعددة، ساهمت فيه أطراف عديدة، على طريقة المشاريع الكبرى، مقاولون مباشرون كبار رئيسيون، ومقاولون ثانويون، وآخرون يحاطون علماً، لكي لا تتصادم الخطط أثناء التنفيذ. وفي القضية العراقية حسب السياسي العراقي، المقاولون الرئيسيون هم دائما (وفق هذا الترتيب): الولايات المتحدة، إيران، إسرائيل. كما اختلفت درجة المكاشفة بنوايا خطط التحالف الجوهرية، وأضاف ولكني أعتقد لدرجة تقارب اليقين، أن الخطط المعدة حيال الشرق الأوسط (الأقطار العربية بدرجة خاصة)، كانت مطروحة وإن كان بشكل مبتسر على طاولة مفاوضات مؤتمر مالطا ـ 1991 (بوش/ غورباتشوف)، وهي من أولى ثمار إنهاء الحرب الباردة وافتتاح المرحلة الجديدة في العلاقات الدولية.

علاقة الاتحاد السوفيتي بذلك؟

لقد أحيط الاتحاد السوفيتي (لاحقاً روسيا الاتحادية) علماً بأن الشرق الأوسط سيتعرض لتغير واسع النطاق، ولم يكن لا في قدرة السوفييت / الروس ولا بين رغباتهم، الوقوف ضد هذا المشروع، فهم كانوا يتطلعون بتفاؤل (مبالغ به) إلى مرحلة تحالف جديدة مع الولايات المتحدة، يجري  فيها تقسم نفوذ ومصالح،  تنال فيه روسيا شيئا يكفي أن يشكل قاعدة نفوذ روسية جديدة للمرحلة المقبلة

ماذا عن سيناريو الحرب الباردة الأمريكية بمباركة السوفييت ؟

الأمريكان أعلنوا النصر في الحرب الباردة، ليس بالضربة القاضية، ولكن بقبول السوفييت بفوز الإرادة الأمريكية وتفكيك منظومة هائلة تتألف من

أولاً : البلدان الاشتراكية المنضوية في إطار حلف وارسو: الاتحاد السوفيتي، ألمانيا الديمقراطية، بولونيا، تشيكوسلوفاكيا، هنغاريا، بلغاريا، رومانيا، وبلدان التعاضد الاقتصادي ويسميها الغرب (الكوميكون) : الاتحاد السوفيتي، ألمانيا الديمقراطية، بولونيا، وتشيكوسلوفاكيا، هنغاريا، بلغاريا، رومانيا وكوبا وفيتنام، ثم ما لبث أن تفكك الاتحاد السوفيتي ذاته، وعمد الغرب إلى تفكيك يوغسلافيا، ثم إنهاء الحكم الاشتراكي في ألبانيا، وتفكيك تشيكوسلوفاكي.

ثانياً، إنهاء كل خبر عن الاشتراكية وما ينضوي تحتها من مفاهيم وسياسات وطنية، حتى غدا الحفاظ على

القطاع العام مجازفة في البلدان النامية السائرة في طريق التطور اللارأسمالي، وهي بلدان ذات نهج وطني، عزمت الولايات المتحدة على إحداث تصفيات كبيرة بها، في النظام السياسي، وآفاقه الاجتماعية  الاقتصادية.

ثالثاً: تفكيك شبكة واسعة من المنظمات والتشكيلات السياسية الاجتماعية المناهضة للرأسمالية في البلدان الرأسمالية نفسها. وفي العالم كمنظمات: السلم العالمي، الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، اتحاد الطلاب العالمي وغيرها، الولايات المتحدة لم تكن لترضى بأقل من النصر الكامل.

وأوضح الدكتور ضرغام الدباغ أنه في مطلع الثمانينات، في  ذلك الوقت المبكر، بعد سنتين لا أكثر من استيلاء الملالي على الحكم في إيران، كتب أحد أبرز المنظرين السوفييت البارزين أوليانوفسك مقالة مهمة في مجلة السياسة الخارجية الألمانية عام (1981) ذكر فيها أن نظام الملالي لا يتجه إلى إحداث تحولات اجتماعية وليست هناك آفاق تدل على عزمهم إجراء تحولات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي (وهو جوهر أي نظام سياسي) بعد الثورة الإسلامية. سرعان ما تبخرت آمال الذين اعتقدوا أن إيران ستصبح من قلاع الثورة العالمية ضد الإمبريالية .. والحق يقال أن من أعتقد ذلك كان وقع في شرك المبالغة والأوهام، من فرط التفاؤل والشعارات السطحية.

وعن أسباب تقديم إيران نظام ديني ثيوقراطي أكريليكي على تحولات اجتماعية جوهرية؟

قال: لقد أعتاد العرب على التعايش مع الوجود الفارسي / الإيراني، ولم يحدث قط في التاريخ القديم أو الوسيط أو الحديث، أن وقف الفرس إلى جانب العرب والإسلام، فالعقل السياسي الفارسي المسكون بالهواجس والمخاوف وإنتاج المشاكل وإيجاد نقاط التناقض بدل التعاون والعمل السلمي. والفرس وضعوا أنفسهم في خدمة الاستراتيجيات الغربية في تخادم يتواصل منذ العهد القاجاري، والصفوي و الشاهنشاهي وصولاً إلى عهد الملالي، دون توقف، وأكمل لقد وجد الغرب في إيران كابحاً يستخدم ضد الدولة العثمانية، وضد العرب المسلمين، وقاعدة للتحرك في كيانات أواسط آسيا، فمن جهة تمثل جدار الصد ضد التوغل السوفيتي، ومن جهة أخرى تخدم سياسات واستراتيجيات الغرب في الشرق الأوسط.

 وبالمقابل ضمن الغرب النظام الإيراني (وحدة البلاد والنظام). والأنظمة الإيرانية على اختلافها أدركت أهمية مكانتها للغرب، وهم يصيغون سياستهم الخارجية والداخلية انطلاقا من هذه الحقيقة.

إقليم بلوشستان إذا تحرر سيلتحق بباكستان وهذا ما لا ترغب به القوى الغربية، وأذربيجان إذا تحررت فسوف تنظم لدولة أذربيجان وتصبح كياناً مهماً وهذا حدث سيكون له تداعياته السياسية. والأحواز العربي ضم إلى إيران لكي لا يكون الخليج العربي بحيرة عربية، وتنظم إلى الأسرة العربية المنتجة للنفط. فالغرب حريص على إيران بقدر حرص الفرس على هذه الدولة المعبرة عن طموحات فارسية في إقامة كيان (لملوم) يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية عامة.

ماهي المكسب الإيراني من هذا التحالف؟

الغرب قدم لإيران عبر هذه العلاقة الملتوية ذات الخفايا الكثيرة، خدمات كبيرة. فحافظ على النظام الشاهنشاهي في أزمات كثيرة، كما أحبط مرات عديدة انفصال أقاليم أسست كيانات سياسية خاصة بها (جمهورية إيران الاشتراكية، جمهورية مهاباد، جمهورية أذربيجان الشعبية) كما ألحق الغرب دولة الأحواز العربية بالكيان الإيراني ليوفر له موارد اقتصادية. ولكن بالمقابل قدمت إيران خدمات كثيرة للغرب العلنية منها والسرية ، خدمات علنية في الكونغو، وعمان، وفي العراق وسورية ولبنان، هذا عدا الخدمات السرية الكثيرة، ولا يزال الكثير منها طي الكتمان، أو غير معلن رسمياً.

ما المقصود  بالتحالف الإيراني الأمريكي الإسرائيلي وهل يعد تحالف متكافئ؟

 أكيد التحالف بين القوى المشاركة غير متكافئ، لذلك فالطرف الأقوى في التحالف (أقوى سياسيا واقتصاديا وعسكرياً) هو من يقود التحالف وبالطبع لمصلحته. والمهم بالنسبة للولايات المتحدة في قضايا الشرق الأوسط، هو الحفاظ على جوهر الاتفاقات، وفي حال الخروج عن نص وروح الاتفاق (وهذا وارد غالباً حتى بين أكثر الحلفاء حميمية) إذ يدور خلاف سري وعلني يمكن أن يتم تسوية الخلاف بطريقة لا تنطوي على خشونة ولا كسر العظام، وبما يبقي التحالف قائماً. ولكن الولايات المتحدة تحملت الكثير من إيران الكثير من الفظاظة والوقاحة (مع العلم أن الحملات الإعلامية وسيل الشتائم والسباب، بين الأطراف المتحالفة لا تمثل موقفا رسمياً، في الدول تتعامل فقط عبر القنوات الرسمية عبر المذكرات الرسمية) والغرب عموماً لا تزعجه هذه الهجمات لأنها لا تعبر عن شيء مهم.

ماذا فعلت إيران لتنال هذه المكافآت؟

هذا تساؤل جوهري ومهم. الولايات المتحدة قاتلت بضراوة وخسرت الكثير من الأفراد والعتاد، عدا سمعتها ومكانتها، ولكنها سلمت فوزها ونتائجه على طبق من ذهب لإيران

الولايات المتحدة لا تقدم حتى المواقف السياسية مجانا ناهيك عن الخدمات، فكل شيء له ثمن، وهي تفعل كل شيء بثمن حتى مع أقرب المقربين من الحلفاء من الأوروبيين. إذن لا شيئ مجاني وحتى لإسرائيل التي تتكفل الولايات المتحدة رسمياً حماية أمنها ووجودها، وتتلقى ما تسمى ” بالمساعدات” وهي ليست مجانية خالصة، بل هي مقابل أن تلعب دورها كقاعدة أمريكية (حاملة طائرات كبيرة) تؤدي أغراض سياسية وعسكرية استراتيجية. ولكن الأمر يختلف نوعا ما في التحالف مع إيران، فوجود الدولة الإيرانية ضروري ومهم للولايات المتحدة على أصعدة كثيرة، مهم لمواجهة مساعي التوسع السوفيتي (الروسي اليوم)، وحيال تركيا ومساعي الوحدة التركية (رابطة الدول والشعوب التركية)، ومهم لتلعب دور اللغم في العالم الإسلامي، ومهم لمنطقة الخليج، ومهم حيال المساعي العربية في الشرق الأوسط

ماذا تعني بالقول أمريكا لم تقاتل قط من أجل إسرائيل، ولكنها قاتلت من أجل إيران، وضمان مكاسب لا تستحقها، ما السر في هذه العلاقة الغريبة؟

رغم تلك الخلافات التي يمكن أن تنشب بين أكثر الحلفاء حميمية (كالولايات المتحدة وبريطانيا مثلاً) والإيرانيون (الفرس) ليسوا ممن  يتصفون بالمهارة والحذاقة، فهم يرزحون تحت ضغوط داخلية وخارجية عديدة، وميلهم لإبداء الغطرسة، وهوسهم لأن يكونوا قوة إقليمية، هم لا يمتلكون مقوماتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وبذلك يظهرون كحليف غير مأمون (موثوق) الجانب، ميال للعب خارج الخطة المنصوص عليها.

كيف ترى مستقبل إيران السياسي؟

في رؤية تحليلية وتنبؤية للمستقبل، لا نرجح أن إيران  ستصبح كيان سياسي جامع لعدة إثنيات، وديانات وطوائف، سيتواصل لعقود طويلة قادمة،  وعندما كانت إيران كيان سياسي حديث (1923) قد واجه الكثير من العواصف خلال القرن الذي يوشك أن يمضي على تأسيسها.

هل ستظل قيمة إيران الاستراتيجية مهمة للغرب في المستقبل؟

لا شك  لعب النظام الإيراني حتى الآن دور الإطار الذي يتولى جمع هذه الكيانات تلبية لضرورات استراتيجية / سياسية، ولكن قيمة إيران الاستراتيجية هذه سوف تتضاءل، أو تهبط بدرجة لا تعود عنصراً أساسياً في السياسات الغربية، بفعل عوامل داخلية في مقدمتها فشل السياسة الإيرانية أن تكون الدولة الإيرانية كياناً سياسياً لكافة المواطنين الإيرانيين بدرجة واحدة، وانهيار السياسة الخارجية بسبب افتقارها الشديد إلى معطيات ومستلزمات العمل الخارجي السياسي والاقتصادي والثقافي كعوامل خارجية، وتناقضات كثيرة لدرجة الاصطدام مع قوى كثيرة في المنطقة، وسوف تتأثر بنتائج وأبعاد وتطورات الصراع الآذري الأرميني ونتائجه، تطورات النزاع العربي الإسرائيلي، ومسارات جديدة للقضية الفلسطينية، والتطور المهم في مكانة تركيا السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.  التطورات السياسية المقبلة في لبنان وسورية والعراق لا تمنح إيران مكانة مهمة، لذلك سيزداد عبئه على صانعي السياسة الغربية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

كيف تري اتجاه العلاقات الدولية المستقبلية بالنسبة للشرق الأوسط؟

تقديرنا هناك مرحلة مهمة في العلاقات الدولية تظهر ملامحها وهي غير تلك التي كانت سائدة على مسرح العلاقات الدولية في القرن العشرين، فهناك قوى جديدة تبرز، وأخرى يتضاءل دورها، ويتراجع تأثيرها، وأن القوى الجديدة سيكون لها وزنها ومواقفها قيمة سياسية والشرق الأوسط مقبل على تغيرات كبيرة ستقلص من دور إيران كمحرك أو كمؤثر في الأحداث.

ربما يعجبك أيضا