موقع «دوتش فيليه» الألماني .. رصاصة تستهدف العقول!

يوسف بنده

رؤية

لطالما تشتكي الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، من تنامي حالة التطرف الإسلاموي لديها، وكذلك لهجمات إرهابية متكررة. ونفس هذه الدول التي تشتكي من التطرف الإسلاموي، هي من تقوم بتغذية هذا التطرف؛ عبر استضافتها ودعمها لجمعيات وأحزاب وأموال الجماعات الإسلاموية والمعارضة؛ لأسباب منها:-

  • تستخدم أجهزة الدول الأوروبية والاستخباراتية هذه الجماعات كأدوات ضغط على الدول العربية والإسلامية.
  • تشغيل الآلة الرأسمالية في أوروبا يحتاج إلى إستمرار التواجد في أسواق منطقة الشرق الأوسط، وهذا؛ يفسر الاشتعال المستمر للحروب في هذه المنطقة والدور الأوروبي في ذلك.
  • تعتبر منطقة الشرق وشمال أفريقيا، هي منطقة نشاط السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي؛ ولذلك تتنافس الدول الأوروبية الكبري مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا على الإمساك بزمام المعارضة في تلك الدول، الأمر الذي يجعل الدولة المتفوقة في إدارة ملفات الشرق الأوسط؛ هي صاحبة الزعامة في الاتحاد الأوروبي.
  • أيضًا، مسألة تحول أوروبا إلى القارة العجوز التي لا تُنجب؛ دفع دولة مثل ألمانيا إلى تشجيع الهجرة إليها، ولكن يجب أن يتم ذلك بعد عملية إنتقاء للمهاجرين وتأهيلهم للحياة الأوروبية.

قوة ناعمة

دخل مفهوم “القوة الناعمة” قاموس العلاقات الدولية عام 1990، كمصطلح يطلق على قوة الجذب والإقناع المنتهجة من قبل بعض الدول في المنظومة الدولية. وعادة ما توضع ألمانيا في مصاف الدول ذات “القوة الناعمة”، فما الذي يجعلها كذلك؟.

طبقا للتصنيف الذى اجرته مجلة ” مونوكول”  ومعهد الأدارة الحكومية, فقد احتلت ألمانيا المركز الأول فى أستخدامها للقوة الناعمة متفوقة بذلك على الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا, وتعتبر ألمانيا المنافس الجيوسياسى للولايات المتحدة الأمريكية نظرا لما اصبحت تتمتع به من قوة اقتصادية كبرى ومركز اقتصادى عالمى, فمن المعروف عالميا ما تتمتع به ألمانيا من شهرة فى مجال الصناعة والسياحة والهجرة والتعليم.

وحسب تقرير للمركز الديموقراطي  العربي؛ تحاول ألمانيا جاهدة تغيير نظرة العالم لها وخاصة بعد مذابح الهولوكوست وما فعله هتلر والنازية, من أضطهاد لليهود والأجانب وتفضيل العرق الآرى على باقى الاعراق, فلقد فتحت أمانيا الباب على مصراعيه لتلقى كل ما هو جديد من أفكار وأستقطاب المهاجرين اليها وتشجيع الصناعة والعمل الجماعى, والعمل على رفع الروح المعنوية ودرجة الثقة العالية فى الشعب الألمانى نفسه حتى يصبح أفراده ذات قدرة على العمل والعطاء وطرح الأفكار الجديدة. وتحاول ألمانيا جاهدة أن تكون ذات دور يذكر داخل الأتحاد الأوروبى وما يواجهه من قضايا ومشاكل , كما ان وجودها داخل حلف الناتو يمهد لها دورا كبيرا فى العملية السياسية, والاعمال الروسية فى أوكرانيا قد غيرت كثيرا من مناخ الأمن فى أوروبا وأنشأت خوف كبير من الضربات الروسية ومحاولات الهيمنة على الدول واعادة بناء الأمبراطورية الروسية مرة أخرى واخلال الاوضاع الدولية , والخوف من قيام حرب عالمية ثالثة, الأمر الذى يدفع ألمانيا الى ضرورة تطوير أستخدام القوة الناعمة فى العلاقات الخارجية.

“دوتش فيلية” آلة للتغيير

مما سبق، يتضح دور قناة مثل “دوتش فيلية” الألمانية، التي نشأت سنة 1953؛ ليس في القيام بعملية تصدير الصورة عن ألمانيا فحسب؛ بل أيضًا في القيام بعملية التأهيل والتغيير في عقول الشباب في الشرق الأوسط، لا سيما في الشباب المنجذبين نحو ألمانيا والراغبين في الهجرة إليها.

ولذلك، عندما يراقب المشاهد برامج تبثها هذه القناة، مثل “البشير شو” و”جعفر توك”، نجد أنها برامج تستعرض قضايا تشغل المجتمع العربي والمسلم؛ ولكن طريقة معالجتها وتقديمها، تتم وفق الرؤية الألمانية؛ حتى يتحول المشاهد في النهاية إلى تبني الرؤية التي تراها ألمانيا هي الأصح. ويتم استقطاب المشاهد بذلك، حتى إن هاجر يوما إلى ألمانيا، فهو يفكر بنفس نهج هذا المجتمع. ولذلك نجد هذه القناة تعالج ملفات حساسة مثل قضية “المثلية” الجنسية، بعقلية المجتمع الألماني، وليس بعقلية المجتمع العربي والإسلامي صاحب التركيبة المختلفة من التقاليد والأعراف.

استهداف مصر

نجد أن خريطة البرامج والموضوعات التي تقدمها القناة الألمانية، تُظهر أنها موجهة جدًا، والحديث عن الإعلام الحر مجرد خدعة لاجتذاب الشباب الليبرالي في العالم العربي والإسلامي، وهذه الخريطة تظهر مدى الاهتمام بدولة عربية مثل مصر. وقد اتضح الدور الذي تلعبه هذه القناة بعد ثورة 30 يونيو، والاهتمام باجتذاب وجوه إعلامية محسوبة على المعارضة المصرية، مثل يسري فودة، وباسم يوسف.

كذلك، تكشف مسألة نسب المشاهدة وأوقات الذروة أو الـ«Prime Time»، أن القناة الألمانية تهتم ببث البرامج الموجهة وفق ذروة المشاهدة في مصر، ما يعني أن القناة حريصة على التفاعل مع الجمهور المصري.

وحسب تقرير لصحيفة اليوم السابع المصرية، فإنه فى الوقت الذى تتحدث فيه «DW» بشكل متواصل عن الحالة الأمنية فى مصر ودول عربية أخرى تقع ضمن دائرة اهتمام المخابرات الألمانية، وتقدم تغطيات واسعة للتعليق على ما تصفه بـ«تجاوزات الأجهزة الأمنية»، تتجاهل السياقات الشبيهة داخل ألمانيا نفسها.

كذلك، العناوين التي تضعها القناة في موضوعاتها وتقاريرها السياسية والاقتصادية، تظهر حالة من الإعلام الأصفر والمضاد تجاه الحالة المصرية، منها تقرير بعنوان “ صحف أوروبية: حقوق الإنسان في مصر “اختبار” لبايدن”.

أيضا اضطلاع موقعي “دويتشه فيلة – دوتشلاند فونك” الألمانيين بنشر خبرين تحت عنوان : “تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان لعمليات الإعدام الجماعي في مصر – قلق جاد بشأن حقوق الإنسان في مصر” واستعراض تصريحات المتحدث باسم منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية بانتقاد تنفيذ الأحكام، والإشارة إلى ترحيب منظمات دولية بالخطاب الذي وجهه البرلمانيين الأوروبيين الى القيادة السياسية للمطالبة باحترام حقوق الانسان والافراج عن ما يسمى ” سجناء الرأي”.

إضافة لبث الإذاعة التابعة لقنانة (ard ) الألمانية برنامجا إذاعيا بعنوان : “مصر تحت السيسي – الثورة المنكوبة” تضمن تراجع الحريات بالبلاد مقارنة بفترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وأن الكثير من المواطنين المعارضين للنظام يتم ايداعهم بالسجون او اجبارهم على مغادرة البلاد.

الواضح هنا، أن القناة تستخدم الحالة المصرية للضغط على إدارة بايدن القادمة في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن ألمانيا تلعب دورا واسعا في إدارة ملف الإسلاميين في العالم الغربي.

 ويشير تقرير صحيفة اليوم السابع، إلى أنه تأتى كل تغطيات «دويتش فيله» تقريبا للشأن المصرى، مع اعتماد آلية من الإلحاح والتكرار وإعادة إنتاج الأفكار والعبارات نفسها بشكل دائم ومتتابع، على طريقة «جوبلز» الشهيرة «اكذب حتى يصدقك الناس»، ومن خلال الاجتزاء والقاموس اللغوى الضيق والعناوين الإيحائية أو الاستفهامية المقيدة بخيارين، تكتب المؤسسة وتكذب أيضًا، وبنظرة سريعة على عناوينها فى التقارير المصورة والبرامج والمقالات، وحتى فى الأخبار التى يُفترض مهنيا أنها خارج دائرة التلوين، يمكن الوقوع على أهداف «دويتش فيله» الحقيقية فى مصر، والرسائل النفسية والسياسية التى تسعى لإيصالها وترويجها وتعميق حضورها لدى المتلقين، وإذا تجولنا سريعا فى حقل ألغام «DW» ومطبخها الملىء بعشرات الطبخات المسمومة، يمكننا مطالعة مئات العناوين الموجهة والمشحونة.

وبقدر ما تعرف ألمانيا قيمة مصر داخل العالم العربي، وحجم المهاجرين المصريين إلى ألمانيا، تقوم قناة دوتش فيليه، بالتعامل مع الحالة المصرية بما يتماشى مع الأهداف الاستخباراتية لألمانيا في إدارة نفوذها الخارجي. وكذلك، أهدافها في إعداد جيل من الشباب المصري؛ يتقبل الحياة في ألمانيا بتقاليدها وأعرافها. إلى جانب أن الاهتمام بالحالة المصرية يمنح ألمانيا موقعًا في إدارة السياسة الخارجية لدول الإتحاد الأوروبي.

ربما يعجبك أيضا