الاستخبارات الأمريكية والألمانية.. «التجسس الرقمي» على مستخدمي الإنترنت؟

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

تلعب خوادم الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي والشركات التي تزود خدمة التصفح على الإنترنت والبرمجيات، دورًا كبيرًا، في عالم الجاسوسية، أو في عالم السايبر، والذي أصبح يحتل أولوية متقدمة، على الجاسوسية التقليدية في جمع المعلومات.

وتتزايد مخاطر تعرض الخصوصية للانتهاك يوميًا، ليس من قبل أجهزة الإستخبارات، فحسب بل من قبل الشركات التي تقدم البرمجيات والتصفح على الإنترنت، إلى حد بيع البيانات الشخصية إلى أجهزة الاستخبارات، وهذا ما يعتبر صيدًا وفيرًا للاستخبارات.

كشف تحقيق استقصائي  يوم أمس 28 نوفمبر 2020 عن سيطرة المخابرات الأمريكية والألمانية على شركة تشفير سويسرية تدعى “أومنيسيك” للتجسس على دول وجيوش أجنبية. تأتي هذه الفضيحة بعد أن كُشف في فبراير 2020 عن فضيحة مشابهة عرفت بـ”فضيحة كريبتو”. ونشرت صحيفة “واشنطن بوست”، والقناة الألمانية الثانية تقريراً استقصائياً كشف عن تعاون استخباري بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية من خلال امتلاكها لشركة “كريبتو” لصناعة معدات التشفير راح ضحيته 120 دولة. لأكثر من 50 عاماً، كانت أسرار الحكومات والأنظمة السياسية لدول في جميع أنحاء العالم بيد شركة سويسرية واحدة، تم ائتمانها على اتصالات سرية بين الجواسيس والجنود والدبلوماسيين.

شركة “كريبتو” 

تأسست عام 1970، تخصصت في صناعة أجهزة تشفير  وبيعها لأكثر من 120 دولة، لتهيمن عبر العقود الماضية على هذا السوق منذ البداية، وهي مسيطرة على أكثر من 40% من القنوات الدبلوماسية السرية، وقد حققت من خلال بيع وانتاج هذه الأجهزة ملايين الدولارات. وقد شكّلت إيران والدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، والهند وباكستان أهم عملائها، بالإضافة إلى عدة دول حليفة خلال الحرب الباردة، وفي فترات التنافس المحموم على صناعة الأسلحة النووية. وكانت عائدية ملكية هذه الشركة لم تكن معروفة لأي من هؤلاء العملاء، إذ كانت تتبع سراً لوكالة المخابرات الأمريكية المركزية CIA، بشراكة مع المخابرات الألمانية الغربية BND، وبعلم المخابرات السويسرية، كما كشف تحقيق استقصائي واسع لكل من صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، والتلفزيون الألماني ZDF  .

بيع برامج تجسس الى تركيا

كشفت وسائل إعلام ألمانية  يوم 05 سبتمبر 2019 أن الادعاء العام في مدينة ميونخ الألمانية تجري تحقيقات بحق شركة برمجيات ألمانية بشبهة تسليم برنامج تجسس للحكومة التركية. وقالت ثلاث مؤسسات إعلام ألمانية وهي (NDR وBR وWDR) وصحيفة “زوددويتشه تسايتونغ” إن التحقيقات تجري بحق شركة “فين فيشر” (FinFisher) الألمانية، للاشتباه بتسليمها برنامجاً لتركيا، استخدمته الحكومة التركية للتجسس على هواتف معارضين لها خلال احتجاجات ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2017.

ألمانيا: إلزام الشركات الموفرة لخدمة الاتصال بالإنترنت بالتعاون مع الجهات الحكومية

الأجهزة الاستخباراتية لن تستخدم الحيل المعتادة من المحتالين للتجسس على الأشخاص عن طريق رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالي من النوعية التي تعرف بـ “Phishing Mail”، بل سيلجأون إلى طرق أخرى. فمشروع قانون “حماية الدستور” (الاستخبارات الداخلية)، الذي عرض على مجلس الوزراء لإقراره في 15 يوليو 2020 ينص على أن يتم إلزام الشركات الموفرة لخدمة الإتصال بالإنترنت بالتعاون مع الجهات الحكومية. ونشر موقع  netzpolitik.org نص هذا المقترح الذي تقدمت به وزارة الداخلية الاتحادية.

النتائج

ـ تعود العلاقة مابين الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA والاستخبارات الخارجية الألمانية BND، إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا خلال الحرب الباردة ، عقد السبعينيات من القرن الماضي. وكان هناك تعاون واسع بين الوكالتين، لكن في السنوات الأخيرة خضع البرلمان الألماني الاستخبارات الخارجية كثيرا للمراقبة والمراجعة، وتدخلت فيها المستشارة الألمانية مباشرة، بسبب اتهام جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني BND  بالتعاون مع الاستخبارات المركزية، بل العمل بالوكالة لأمريكا، وهذا ما أطاح برأس الاستخبارات الألمانية السابق، أعلنت الحكومة الألمانية في 27 أبريل 2016  أقالت رئيس الاستخبارات الخارجية الألمانية غيرهارد شيندلر، دون أن تذكر سببا واضحا لهذا القرار، الذي قد يكون على خلفية فضيحة عمليات التنصت لحساب وكالة الأمن القومي الأمريكي التي طالته.

ـ إن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج الاستخبارات الألمانية، بسبب الجغرافية، والعلاقات التاريخية بين البلدين، كثيرا ما تحتاج الولايات المتحدة، وتحديدا وكالة ناسا، الأمن القومي، إلى تثبيت أجهزة إعادة إرسال أو تقوية إرسال إلى جانب التشفير وسط أوروبا وتعتبر ألمانيا البلد المثالي.

ـ ما تقوم به وكالة الأمن القومي الأمريكية، ناسا والاستخبارات المركزية الأمريكية بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الخارجية الألماني  BND، هو أمر وارد في عالم الاستخبارات، ضمن أنشطة وطموحات الدول بالحصول على المعلومات، لكن الكشف عن هذه البرامج والأنشطة في حد ذاته يعتبر عائقا في عمل الوكالات الاستخباراتية، بسبب ما تسببه مثل هذه الأعمال والأنشطة من “أزمات سياسية” بين الدول.

ـ التجسس السيبراني، أو التجسس الرقمي، بدأ يحتل الصدارة في عالم الجاسوسية، بالتنصت على البيانات والدخول إلى الحواسب الخاصة وكسر الشفرات، وجمع كم من البيانات، والتقديرات تقول: إن التجسس الرقمي لا يتحدد في  الكشف عن الشركة السويسرية “كريبتو” بل ممكن أن تتكشف تفاصيل إلى تورط شركات ودول في هذا المجال، هو عالم الاستخبارات، واليوم عالم السايبر، لا يعرف الحدود ولا يعرف خصوصية البيانات أو المعلومات.

ـ تكمن مشكلة “الخروقات” أو تعرض الحكومات والمؤسسات والمجموعات والأفراد لسرقة المعلومات أو التنصت، بالبرامج المستخدمة أو الوسيطة التي تدخل المتصفح أو المستخدم إلى خوادم الإنترنت، وهي في الغالب تتبع الى الولايات المتحدة، وهذا يعني أن استخدام الخوادم الأمريكية، في تصفح الإنترنت، لا يحمي الأشخاص والحكومات من التنصت والاختراق. وقد كشف عميل وكالة الأمن القومي الأمريكية، سنودن، العديد من الأنشطة والبرمجيات، بالتجسس والدخول على البيانات. لذا نجد ربما الصين وروسيا، أقل تعرضا للخروقات، بسبب عدم استخدامها متصفحات أو برمجيات وخوادم أمريكية.

ـ بعض الدول ومنها دول أوروبا، بدأت تتجاوز مسألة “احترام الخصوصية” رغم الانتقادات، وسمحت لأجهزتها، بالقيام باجراءات وقائية، بالدخول الى البيانات الشخصية والتنصت والتجسس، لأغراض أمنية تتعلق بحماية الأمن القومي، في أعقاب تعرض هذه الدول الى هجمات ارهابية. وذهبت غالبية دول أوروبا إلى الطلب بشكل رسمي من شركات الاتصالات لتزويدها بالبيانات والمعلومات الشخصية لمستخدمي الشبكة.

تبقى الشركات المزودة لخدمة الإنترنت تلعب دورا هاما في عالم السايبر وعالم الاستخبارات، وتبقى أجهزة الاستخبارات بحاجة لتلك الشركات.

ربما يعجبك أيضا