بعد نشر صورة مزيفة لجندي أسترالي.. كانبرا غاضبة والصين لا تبالي

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

منذ مطلع العالم الجاري، والعلاقات بين الصين وأستراليا تتسم بالتوتر والتصعيد المتبادل من وقت لآخر، خلال هذا الأسبوع تفجرت أزمة جديدة بين البلدين عنوانها فضائح قوات النخبة الأسترالية في أفغانستان، ووصل الأمر إلى حد اتهام بكين بالافتراء على القوات المسلحة الأسترالية ومطالبتها على لسان رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون بالاعتذار الرسمي.

وبالأمس، فرضت منصة “WeChat” الصينية، حظرا على رسالة وجهها موريسون إلى الشعب الصيني، بحجة “انتهاكها لقواعد الشركة”، والرسالة المشار إليها أعرب خلالها رئيس الوزراء الأسترالي عن “اشمئزاز” حكومته من تغريدة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيانغ نشرها الإثنين الماضي، مؤكدا أن الخلاف الدبلوماسي لن يقلل من احترام أستراليا وتقديرها للشعب الصيني.

ماذا حدث؟

كان المتحدث باسم الخارجية الصينية نشر الإثنين الموافق 30 نوفمبر، تغريدة مرفقة بصورة “معدلة رقميا” لجندي أسترالي يضع سكينا على عنق طفل، وقال: شعرت بالصدمة لقتل مدنيين وسجناء أفغان على يد جنود أستراليين.. ندين بقوة مثل هذه الأعمال، وندعو إلى مساءلتهم.

التغريدة أثارات غضب كانبرا، وطلبت رسميا من إدارة “تويتر” حذفها نظرا لاحتوائها على معلومات مضلة، وخرج موريسون في نفس اليوم، بتصريحات غاضبة يطالب فيها بكين بالاعتذار، وقال: إن الحكومة الصينية ينبغي أن تشعر بـ “الخزي التام” بسبب نشر صورة مسيئة و”مثيرة للاشمئزاز”، تتضمن افتراء فظيعا على القوات المسلحة الأسترالية.

وأكد أن بلاده باشرت عملية شفافة للتحقيق في جرائم الحرب المزعومة، وهي الطريقة التي ستتصرف بها أي دولة حرة وديمقراطية كأستراليا، مضيفا: لا شك أن هناك توترات بين البلدين “أستراليا والصين”، لكن هذه ليست الطريقة التي ينبغي التعامل بها.

كانت الحكومة الأسترالية في 19 نوفمبر الماضي، أقرت في ضوء نتائج تحقيقات أجرتها وزارة الدفاع بشأن سوء السلوك العسكري في أفغانستان بين 2005 و2016، بوجود أدلة تؤكد تورط 25 جنديا أستراليا في قتل 39 مدنيا وسجينا أفغانيا على الأقل خلال الفترة من  2009 إلى 2013.

وأعلنت الخميس الماضي، أنها سرحت ما لا يقل عن 10 من عسكرييها العاملين في قواتها الخاصة، جراء ضلوعهم بشكل غير مباشر في عمليات قتل غير قانونية في أفغانستان، فيما أحالت نحو 19 جنديا إلى الشرطة الفيدرالية.

واعترف قائد الجيش الأسترالي أنغوس كامبل في بيان، بوقوع جرائم قتل خارج المعارك وبدون مبرر وبأن بعض الجنود نفذوا القانون بأيديهم وخرقوا العديد من القواعد خلال عقد من الزمان في الأراضي الأفغانية.

لكن ما أغضب كانبرا من تغريدة المتحدث باسم الخارجية الصينية، هو الإشارة إلى مزاعم سابقة تحدثت عن تورط قوات النخبة الأسترالية في ذبح طفلين أفغانيين يبلغان من العمر 14 عاما، وهو الأمر الذي تنفيه الحكومة الأسترالية وتؤكد أن تحقيقات الجيش لم تجد أدلة موثوقة تؤكد وقوع مثل هذه الجريمة، يشار هنا  إلى أن نتائج تحقيقات الدفاع الأسترالية المعروفة باسم Brereton لم تنشر كاملة بوسائل الإعلام، ما يعني أنه ربما هناك ما تخفيه كانبرا فعليا عن حقيقة جرائم جنودها في أفغانستان.

 توتر متجدد

الغريب في الأمر أن الخارجية الصينية لم تعلق مباشرة على تصريحات موريسون ولم تحذف تغريدة تشاو لي، واكتفت ببيان صدر الثلاثاء الماضي عن سفارتها في كانبرا جاء فيه: إن غضب بعض السياسيين الأستراليين ليس سوى تفسير خاطئ ورد فعل مبالغ فيه على تغريدة السيد “تشاو لي”، مضيفا أن الحكومة الأسترالية تسعى من خلال اتهامات غير مبررة وغير مقبولة إلى صرف انتباه الجمهور عن الفظائع المروعة التي ارتكبها بعض جنودها.

التغريدة المشار إليها  تضاف إلى سلسلة من التصعيد المتبادل بين أستراليا والصين هذا العام، بدأت بقيادة الأولى لدعوات عالمية لفتح تحقيق دولي في أصل نشأة فيروس كورونا، وسط اتهامات صريحة بضلوع بكين في الأمر وتعمدها إخفاء معلومات حساسة تتعلق بالجائحة وأصل الفيروس عن منظمة الصحة العالمية، إذ يعتقد أن “كورونا” نشأ في سوق للحيوانات البرية في ووهان الصينية.

وحذر سفير الصين لدى أستراليا في أبريل الماضي، من أن المستهلكين الصينيين قد يقاطعون المنتجات الأسترالية إذا واصلت كانبرا هذا التحقيق، فيما أكدت أستراليا أن دعوتها لإجراء تحقيق في أصل الجائحة لا تستهدف الصين سياسيا.

منذ يونيو الماضي، بدأت بكين توجيه ضربات اقتصادية متتالية لأستراليا، تنوعت بين تعليق لاستيراد بعض المنتجات الأسترالية وفرض رسوم جمركية كبيرة على أخرى، ويشار هنا إلى أن الصين تعد أكبر شريك تجاري لكانبرا وتستحوذ على نحو 30% من صادراتها للعالم، وخلال العام الماضي وصل إجمالي الواردات الأسترالية في السوق الصينية إلى نحو 235 مليار دولار أسترالي.

في نوفمبر الماضي تحدثت تقارير إعلامية عن توجه الصين لوقف وارداتها من منتجات أسترالية بقيمة 6 مليارات دولار أسترالي، تشمل النبيذ وسرطان البحر والسكر والفحم والشعير.

ردا على ذلك، هددت الحكومة الأسترالية برفع شكوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية، باعتبار أن هذه الإجراءات الصينية تشكل انتهاكا واضحا لاتفاقات التجارة الحرة الموقعة بين البلدين.

كما أقدمت في منتصف نوفمبر الماضي، على توقيع اتفاق دفاعي مع اليابان يسمح للقوات الأسترالية بالعمل مع نظيرتها اليابانية في إطار مساعيهما الرامية لمواجهة تنامي الوجود الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكثيرا ما عبرت كانبرا عن معارضتها لعسكرة الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وهو الأمر الذي أغضب بكين كثيرا.

التوتر بين البلدين منذ 2018 وهو يشهد تصعيدا متبادلا، وكانت بداية الأمر بحظر السلطات الأسترالية لتكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات المطورة من قبل العملاقة الصينية “هواوي”، ومن ثم اتخذ منحى أكثر خطورة، عندما اتهمت كانبرا في أواخر 2019 بشكل مباشر الصين بمحاولة التدخل في شؤونها الداخلية، وقامت بفتح تحقيقات في شبهات التدخل والتجسس الصيني.

ربما يعجبك أيضا