بمشاركة إقليمية .. الترويكا الأوروبية تسعى لإتفاق نووي جديد مع إيران

يوسف بنده

رؤية

نهاية فبراير الماضي، قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قد لا يكون له تأثير كبير على البرنامج النووي الإيراني، الذي شارك في إنشائه، ولكنه سيجعل من الصعوبة بمكان إنقاذ الاتفاق النووي الذي يهدف إلى تقييد هذا البرنامج، وهو الدافع الأكثر منطقية وراء عملية الاغتيال.

وأوضحت الصحيفة أن اغتيال العالم الإيراني يخدم غايات أخرى، وإن بدرجة أقل؛ فقد كان فخري زاده العالم النووي الإيراني الوحيد الذي ورد ذكره في التقييم النهائي للجانب العسكري للبرنامج النووي الإيراني الذي قدمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، باعتباره العقل الذي يقف وراء “مشروع عماد” الهادف إلى تطوير قدرة إيران على بناء قنبلة نووية.

ووفقا لوكالة الطاقة الذرية، فإن “مشرع عماد” توقف عام 2003، لكن فخري زاده ظل ضمن شبكة من العلماء من ذوي المعرفة والخبرة في مجال الأسلحة النووية.

من جهتها، شبهت أريان طباطبائي -الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بصندوق مارشال الألماني، ومؤلفة كتاب عن إستراتيجية الأمن القومي الإيراني- اغتيال فخري زاده باغتيال الولايات المتحدة قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مطلع العام الجاري.

وقالت طباطبائي إن “فخري زاده كان يمثل بالنسبة لبرنامج إيران النووي ما كان يمثله سليماني لشبكة وكلائها، فقد كان له دور فعال في تطويره (البرنامج النووي)، وإنشاء بنية تحتية لدعمه، وضمان أن موته لن يغير جذريا مسار البرنامج النووي الإيراني”.

كما نقلت الصحيفة عن إيلي جيرانمايه، مسؤولة الشؤون السياسية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، القول إن “الهدف من قتله (فخري زاده) لم يكن إعاقة البرنامج النووي، ولكن تقويض الدبلوماسية”.

إتفاق نووي جديد

قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن الاتفاق النووي مع إيران لم يعد كافيا، ودعا إلى توسيعه ليشمل البرامج الباليستية الإيرانية والدور الإيراني في المنطقة. في حين طالب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الغرب بالالتزام بتعهداته السابقة.

وفي مقابلة له مع مجلة “دير شبيغل” (Der Spiegel)، أكد ماس أنه “ينبغي أن تكون هناك إضافات للاتفاق النووي، وهو أمر يصب في مصلحتنا أيضًا”.

وأضاف “لدينا توقعات واضحة من جانب إيران بعدم وجود أسلحة نووية، لكن من دون برنامج صواريخ باليستية يهدد كل المنطقة”، مؤكدا أنه تفاهم بشأن هذه النقاط مع نظيريه الفرنسي والبريطاني.

وتابع “إضافة إلى ذلك، ينبغي على إيران أن تلعب دورا آخر في المنطقة؛ نحن بحاجة إلى هذا الاتفاق بالتحديد لأنه لا ثقة لنا في إيران”.

مشاركة إقليمية

بعد أن صرح الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، بأنه سيعود إلى الاتفاق النووي مع إيران وسيصحح مساره بصيغة 5+3، أو بمشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة لألمانيا والمملكة السعودية والإمارات، والجديد في الموضوع مشاركة دولتين خليجيتين في الصيغة المقترحة للاتفاق، وهما تمثلان الدول التي يشكل النووي الإيراني تهديداً مباشراً عليها، وسيتم توسيع دائرة المفاوضات لتشمل برنامج تطويرالصواريخ الباليستية الإيراني، وتدخلات طهران في الشؤون الداخلية لجوارها العربي.

وحسب تقرير صحيفة عكاظ السعودية، تستبعد السعودية ومعها مجموعة من الدول، عودة بايدن إلى اتفاق أوباما القديم في 2015، ويؤيد السعوديون الدخول في اتفاق نووي مع إيران على أن يتناول سلوكها في المنطقة، ودعمها لوكلائها بالسلاح والصواريخ الباليستية، والملفت أنه ورغم التوافق الدولي حول الدور الإيراني وخطورته، فقد اعتبرت طهران أن الرياض مسؤولة عن أعمالها المتورطة فيها، وطالبت الترويكا الأوروبية بوقف ما قيمته مئة مليار دولار من مبيعات الأسلحة للخليج.

إيران تقفز للأمام

انتقدت الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، قرار البرلمان الإيراني الأخير بزيادة الأنشطة النووية، مطالبة إيران بالتخلي عن قرارها بتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة في نطنز.

وحسب تقرير قناة إيران انترنشنال، فقد أصدرت الدول الثلاث الموقعة على مجلس الاتفاق النووي، بيانًا مشتركًا، اليوم الاثنين 7 ديسمبر (كانون الأول)، قالت فيه: “إذا كانت إيران جادة في الحفاظ على الدبلوماسية، فلا ينبغي لها أن تتخذ هذه الخطوات”.

وصرحت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بأن قانون البرلمان الإيراني الأخير بشأن زيادة الأنشطة النووية، وتقليص وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك إمكانية تعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي، يتعارض مع التزامات الاتفاق النووي ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وأشارت الدول الثلاث، في بيانها، إلى انتخاب بايدن في الولايات المتحدة، قائلةً إن “مثل هذا القرار سيعرض للخطر جهودنا المشتركة للحفاظ على الاتفاق النووي، فضلا عن الفرصة المهمة للإدارة الأميركية الجديدة بالعودة إلى الدبلوماسية.

وفي إشارة إلى خفض التزامات إيران النووية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وكذلك التبعات الاقتصادية لعقوبات واشنطن الشديدة ضد طهران، قالت الدول الثلاث إن “العودة إلى الاتفاق النووي ستكون مفيدة أيضًا لإيران”.

أجهزة طرد مركزي متقدمة

وقال بيان مشترك صادر عن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، إن “إعلان إيران الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن نيتها تركيب ثلاث سلاسل من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في مجمع نطنز لتخصيب اليورانيوم يتعارض مع الاتفاق النووي ومثير لقلق عميق”.

وقد أفادت وكالة “رويترز”، يوم الجمعة الماضي، بتقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية يفيد بأن إيران تخطط لتركيب 3 سلاسل أخرى من أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز IR-2M في محطة نطنز للطاقة النووية.

وأبلغت الوكالة أعضاءها أن السلاسل الثلاث، باستثناء السلسلة الحالية، هي أجهزة طرد مركزي من طراز IR-2M تستخدم لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز تحت الأرض.

يشار إلى أن الاتفاق النووي يسمح لإيران فقط باستخدام الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي IR-1 في مجمع تخصيب اليورانيوم في نطنز.

وتعليقًا على انتشار هذا التقرير، كتب كاظم غريب آبادي، سفير إيران وممثل إيران الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، في حسابه على “تويتر”، أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي يحتوي على محتويات رسالة إيران السرية “ظهر في وسائل الإعلام، فورًا، وحتى قبل أن يتمكن أعضاء مجلس المحافظين من متابعته”.

وأضاف أن “الوكالة يجب أن تضمن حماية المعلومات الوقائية السرية للبلد المضيف”.

تعليق البروتوكول الإضافي

ووفقًا للمادة 6 من القانون الذي أقره البرلمان الإيراني، يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، “في حال عدم وفاء الدول المتعاقدة بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي مع إيران وتطبيع العلاقات المصرفية والإزالة الكاملة لحواجز التصدير وبيع  النفط والمنتجات البترولية الإيرانية والعودة الكاملة والسريعة لموارد النقد الأجنبي الناتجة عن البيع، فإن الحكومة الإيرانية ملزمة بتعليق التنفيذ الطوعي لوثيقة البروتوكول الإضافي، بعد شهرين من دخول هذا القانون حيز التنفيذ”.

وقد وافق مجلس صيانة الدستور في نفس اليوم على القرار المتعلق بزيادة الأنشطة النووية وإمكانية تعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي، وأبلغ رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، على الفور، رئيس الجمهورية حسن روحاني، بهذا القرار.

وحسب تقرير لصحيفة عكاظ السعودية، يأتي التوظيف البرلماني لاغتيال زاده، كمحاولة من إيران لفرض شروطها على إدارة بايدن، والموقف من الوكالة الدولية مفهوم فقد أكدت الوكالة الدولية في آخر تقاريرها لسنة 2020، أن مخزون إيران من اليورانيوم يعادل 12 ضعف المسموح به في الاتفاق، ولا يستبعد أن تكون إيران نفسها قد اغتالت زاده، لأن اتهاماتها بلا أدلة، ولم تقم حتى بإجراء تحقيق يكشف ملابسات الاغتيال ويحدد المتسبب ويحاكمه، والتصرف نفسه تكرر في اغتيالات علماء سبقوا زاده.

وقد انتقد المحلل السياسي دياكو حسيني قرار البرلمان الأخير القاضي بإلغاء تنفيذ البروتوكول الإضافي المتعلق بالاتفاق النووي واعتبر أنه قرار لا يصدر عن شخص يشعر بالمسؤولية، كما أنه يعزز الخلاف والشرخ بين المسؤولين الإيرانيين تجاه أهم قضية في السياسة الخارجية الإيرانية.

وأشار حسيني حسب تقرير لصحيفة “همشهري” إلى معارضة الخارجية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية لمثل هذا القرار، وأكد أن قرار البرلمان هو “بدعة سيئة للغاية” و”خطيرة” و”ضارة” ويكشف أن صانعي القرار الإيراني يعانون من تناقض على هذا المستوى الأرفع.

وقد نوهت صحيفة “فرهیختكان” الإيرانية، اليوم الاثنين، إلى موضوع الانتقام لكنها ربطت هذا الانتقام بالتطور في العلم النووي الدفاعي، وهو ما يثير مخاوف من قرب وصول إيران إلى قنبلة ذرية.

وأشارت الصحيفة أن الجمهورية الإسلامية كانت ترفض باستمرار البعد العسكري لبرنامجها النووي في المحافل الدولية، لكنها اليوم تؤكد على استخدام التكنولوجيا النووية في المجال العسكري.

ويحتل هذا التقرير الذي ذكرته صحيفة “فرهیختكان” المقربة من المرشد علي خامنئي أهمية عالية كونه يذكر الجانب العسكري من برنامج إيران النووي والذي أشارت إليه إسرائيل سابقا.

رد إيراني

ردًا على اقتراح وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بالتفاوض مع طهران على اتفاق أشمل من الاتفاق النووي، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن البعض في أوروبا لا يمكنهم مواصلة “السياسة الجائرة للضغط الأقصى” التي ينتهجها ترامب تحت اسم “المفاوضات الجديدة”.

وفي تصريح خلال مؤتمر صحافي، اليوم الاثنين 7 ديسمبر (كانون الأول)، اتهم خطيب زاده القوى الأوروبية بعدم الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي، وقال: “لتعلم ألمانيا والآخرون أن ما لم يتحقق بالضغط الأقصى الأميركي لن يتحقق بطرق أخرى”.

 وأضاف: “إيران لا تتفاوض ولا تساوم على أمنها القومي ولا ترى ضرورة للمساومة مرة أخرى على الاتفاق النووي”.

وردًا على هذه التصريحات، كان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قد طالب، في وقت سابق، نظيره الألماني بوقف “انتهاك الاتفاق النووي”، وإنهاء “التصرفات العدائية” في المنطقة.

ربما يعجبك أيضا