بعد أن غيّر عالمنا.. هل يرحل كورونا قريبًا؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

صورة الجدة البريطانية مارجريت كينان بالأمس كأول سيدة تتلقى لقاح كورونا في العالم كانت ملهمة للغاية وبثت الآمال في نفوس البريطانيين إن لم يكن العالم بأسره، بعد عام ثقيل عانت فيه شعوب العالم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب من فيروس غامض أصاب أكثر من 68 مليونا وقتل 1.5 مليون شخص حول العالم.

 منذ أن ظهرت الإصابة صفر بالفيروس في مدينة ووهان الصينية في الـ27 من ديسمبر 2019 وكل شيء بدأ يتغير تدريجيا حول العالم في محاولة للحد من انتشار الفيروس الذي أخذ ينتشر بسرعة لم تكن متوقعة أدت في مارس الماضي إلى وصفه من قبل منظمة الصحة العالمية بـ”الجائحة”، لترفع بذلك مستوى الخطر الوبائي الذي يواجه البشرية إلى أعلى درجاته.

بداية النصر

لكن مع بداية عمليات التطعيم في عدد من البلدان هذا الشهر، والإعلان كل يوم عن تطورات جديدة تتعلق باختبار عدد من اللقاحات وإثبات فاعليتها، ازداد الأمل في الخلاص.

بريطانيا وهي الدولة الأوروبية الأكثر تضررا من الجائحة بدأت أمس، حملة تطعيم اختيارية ضد الفيروس يتوقع أن تنتهي في ربيع 2021، وأن تغطي في مرحلتها الأولى نحو 20 مليون شخص من إجمالي تعداد سكانها البالغ نحو 67 مليون نسمة، لتكون بذلك هي الأكبر من نوعها في تاريخ البلاد.

كما أعلنت روسيا صباح اليوم، عن بدء توزيع أول دفعة من اللقاح “سبوتنيك” على الأقاليم الروسية، وذلك بعد تدشين حملة التطعيمات في العاصمة موسكو السبت الماضي، وفي الولايات المتحدة وبحسب تصريحات عضو اللجنة الاستشارية للقاحات التابعة لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية جيمس هيلدريث، قد تبدأ حملات التطعيم بلقاح فايزر-بيونتيك منتصف الشهر الجاري، هذا وأعلنت دول عدة عن الاستعداد لإطلاق حملات تطعيم واسعة النطاق في الصفوف الأمامية بحلول نهاية الشهر الجاري ومطلع العام المقبل، كألمانيا وفرنسا.

كانت الصين في مقدمة الدول التي بدأت ما يعرف بالتلقيح الطارئ ضد كورونا، في يوليو الماضي، بحملة تطعيمات بلقاحها “سينوفارم” في أوساط العاملين في المجال الطبي وموظفي الشركات المملوكة للدولة.

أمام هذا كله لا تتوقع منظمة الصحة العالمية نهاية قريبة لجائحة كورونا وكل ما فرضته من تغير في نمط حياتنا، الدكتورة مارغريت هاريس المتحدثة باسم المنظمة تقول: إن اللقاحات أداة عظيمة، ستكون مفيدة للغاية، لكن تأثيرها في توفير نوع من الحاجز المناعي ما يزال بعيد المنال، لكن الأشياء التي يجب القيام بها لمنع الزيادة هي إجراءات الوقاية.

وأكدت أن إجراءات الصحة العامة والوقاية هي القادرة حاليا على وقف انتقال الفيروس والحد من الإصابات وليس اللقاح.

مديرة إدارة التحصين واللقاحات والبيولوجيا بالمنظمة كاثرين أوبراين أوضحت في تصريح سابق أنه لوقف انتقال الفيروس يجب أن يحصل 60 إلى 70 في المائة من سكان العالم على اللقاح، مؤكدة أن الأمر يعتمد في النهاية على ما سيكون عليه أداء اللقاحات ونجاعتها في مواجهة الفيروس.

كورونا مستمر في 2021

بحسب خبراء الصحة، دول العالم لن تتمكن من تقييم المدة الفعلية للمناعة التي يؤمنها اللقاح إلا على امتداد العام 2021 إن لم يكن بعده.

إذا هناك حاجة لتطعيم 70% من السكان للوصول إلى ما يعرف بمناعة القطيع، وحاجة أخرى لوقت لكي نتمكن من القول بصورة واضحة أن اللقاحات التي تم توفيرها هي فعليا قادرة على هزيمة الفيروس، هذا يعني أن العالم 2021 وفي أحسن الأحوال نصفه الأول لن يتغير فيه المشهد كثيرا عما نحن عليه الآن من ارتداء للكمامات والتزام بتدابير التباعد الاجتماعي وبإرشادات الصحة العامة.

هذه الوسائل حتى اللحظة هي القادرة على وقف انتقال الفيروس، وسط توقعات بأن تضرب أوروبا موجة ثالثة من الفيروس في بداية 2021 وربما موجة رابعة تتعرض لها الولايات المتحدة على غرار ما حدث في هونج كونج.

آثار كورونا على نمط حياتنا

الجميع كان يأمل أن يرحل عامنا هذا ويرحل معه الوباء دون رجعة، وأن تعود الحياة لطبيعتها دون خوف أو إجراءات وقائية حرمتنا من أقل أشكال التواصل الاجتماعي “المصافحة باليد”، فاللمس والمصافحة باليد والعناق بين الأصدقاء وزملاء العمل وأفراد العائلة مظاهر شبه اختفت في 2020.

 في عامنا هذا كان من الطبيعي وتحديدا بعد ربعه الأول ومع دخول إجراءات الإغلاق حيز التنفيذ في غالبية بلدان العالم، أن نرى المصانع معطلة عن العمل وأن نرى الطلاب يدرسون من خلف شاشات أجهزتهم بالمنازل وهكذا أولياء أمورهم يعملون إلى جوارهم عبر مراسلات إلكترونية واجتماعات افتراضية.. كل شيء ينجز عن بُعد.

ومع استمرار الجائحة لشهور وضبابية مصيرها، فقد الملايين حول العالم وظائفهم وأعلنت المئات من الشركات إغلاق أبوابها إلى إشعار آخر، ودخل الاقتصاد العالمي في حالة من الركود في وقت كان في الأساس يعاني من تباطؤ النمو.

نفسيا، تأثر سكان العالم بما فرضته الجائحة من تغير على نمط الحياة ورصدت منظمة الصحة العالمية زيادة في معدلات الاكتئاب والانتحار وتعاطي المخدرات عالميا في ظل الجائحة، وقال عالم النفس مارتي هاسيلتون من جامعة كاليفورنيا في دراسة نشرها في أكتوبر الماضي، إن العواقب النفسية والاجتماعية والمجتمعية لكورونا ستكون طويلة الأمد للغاية، مضيفا كلما طال أمد كورونا بيننا، كلما ازدادت سلوكاتنا تأثرا.

يبدو أن الجائحة تحولت إلى تجربة اجتماعية عالمية، من الصعب الخروج منها، فالخوف الذي اختبرته شعوب العالم على مدار عام كامل سيلازمها لفترة طويلة ربما تتجاوز عام 2021، لكن لكل أزمة وجه أخر يحمل فرص ودروس.

هذا الخوف دفع البعض للخروج من خلف مكاتبهم لتأسيس أعمالهم الخاصة، فيما دفع البعض الآخر لتخصيص وقت أطول للمكوث مع العائلة أو الشروع في بعض الأحلام المؤجلة، على الصعيد العالمي هذا الخوف دفع العالم للتوحد تحت مظلة “الصحة العالمية” فلأول مرة في تاريخ المنظمة العريقة تتصدر أخبارها الصفحات الأولى من الصحف والعناوين الرئاسية في نشرات الأخبار، فبفعل الخوف من الوباء باتت دول العالم تحترم وتنتبه لكل كلمة تصدر عن منظمة الصحة العالمية.

بل إن الوباء جعلنا لأول مرة نحفظ أسماء وزراء الصحة وخبراء الأمراض المعدية، وباتت صورهم تنافس المشاهير على الصفحات الأولى بوسائل الإعلام، وكأن “كورونا” جاء ليجعلنا نلتفت لأهمية القضايا الصحية ومن أجل ألا ننسى الدرس أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أن يوم 27 ديسمبر من كل عام سيكون “اليوم العالمي للاستعداد الوبائي”، وصدق أعضائها على مشروع قانون يعترف بالحاجة إلى زيادة مستوى الاستعداد من أجل التعامل المناسب والمبكر في مواجهة أي وباء قد يظهر مستقبلا.

 المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبريسوس قال قبل أيام إن النتائج الإيجابية لتجارب لقاحات كورونا تعني أن العالم يمكن أن يبدأ في الحلم بنهاية الوباء، لكن الأكيد أن الطريق ما يزال غادرا، والأكيد أيضا أنه لا يمكننا ولا يجب أن نعود إلى نفس أنماط الإنتاج والاستهلاك الاستغلالية، ونفس التجاهل للكوكب الذي يحافظ على الحياة كلها، ونفس دورة الذعر والتدخل ونفس السياسات الانقسامية التي غذت الوباء.

كلمات تيدروس لخصت الدروس التي منحتها الجائحة لدول العالم من أهمية نبذ الخلافات وروح الأنانية والانقسامات وإعلاء قيم التضامن العالمي والاهتمام بالابتكار والعلم في مواجهة قضايا هامة وعالمية كقضايا المناخ والجوع والفقر.

ربما يعجبك أيضا