اليمين المتطرف في النمسا وألمانيا.. تحولات قومية خطيرة

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

اليمين المتطرف، ما زال يضرب بأمن أوروبا، ويعمل على تآكل الاتحاد الأوروبي من الداخل بالتوازي مع المخاطر والتهديدات الخارجية التي تعصف بهذا الاتحاد. هذه المخاطر يتطلب من بروكسل النهوض بمسؤوليتها اكثر من أجل التنبيه إلى مخاطر اليمين المتطرف داخل الاتحاد، وتقييم المخاطر وتقديم الدعم للدول لمواجهة التيارات اليمينية المتطرفة التي تجتاح  دول أوروبا.

أعلن وزير الداخلية النمساوي “كارل نيهامر” اليوم 12 ديسمبر 2020 أن الشرطة ضبطت الأسبوع الماضي عشرات الأسلحة ومئة ألف خرطوشة من الذخيرة. وجرى القبض على خمسة أشخاص مشتبه فيهم في النمسا بينهم رجل كان معروفا بالفعل للسلطات بسبب أنشطته اليمينية المتطرفة. وقال نيهامر -في مؤتمر صحفي في فيينا- إن أحد المشتبه فيهم كشف للمحققين عن الغرض من هذه الأسلحة.

كشفت صحيفة “كورير” واسعة الانتشار عن وجه آخر من أوجه التطرف الذي ينتهجه حزب “الحرية” المتطرف في النمسا، والمشارك في الحكم مع حزب “الشعب” المحافظ. اتحاده الطلابي، تحت رئاسة هيرفيغ غوتشوبر المقرب من وزير البنى التحتية والمواصلات نوربرت هوفر، الذي كاد أن يصل إلى سدة رئاسة النمسا في انتخابات 2016، يستخدم اليوم أناشيد قومية متطرفة، ومنها “أيها الألمان هاتوا الغاز ونحن نصل للمليون السابع”، وهي إشارة واضحة بحسب “كورير” إلى طلب المزيد من المحارق. ما تنقله “كورير” عن تأثير البروباغندا النازية ليس بالشيء البسيط، في بلد خرج منه أدولف هتلر، وارتبط بعلاقة مثيرة للجدل مع ألمانيا، وانتشار الحنين إلى ماضٍ إمبراطوري جمع البلدين.

رسائل تهديدات نازية من داخل حواسب شرطة ألمانية

أشعلت رسائل التهديدات النازية المرتبطة بحواسب شرطة ولاية هيسن خلال شهر يونيو 2020، جدلا حادا بين السياسيين والخبراء الأمنيين الذين يحذرون من تغلغل اليمين المتطرف داخل أجهزة الدولة.  قائمة الحوادث المقلقة، طويلة، في شمال ألمانيا، أنشأ ضابط شرطة مجموعة دردشة تضم أفراد من اليمين المتطرف.  وقاموا بوضع ما أسموه “قوائم الأعداء” تضم أسماء آلاف السياسيين والصحفيين والناشطين. كما عثرت الشرطة على بنادق وقنابل صوتية و50 ألف رصاصة. وبحسب الرجل، فإن المجموعة تضم العديد من ضباط الشرطة والجنود الآخرين.

النتائج

ـ إن العلاقة بين النمسا وألمانيا، هي علاقة تأريخية متجذرة، وهناك تشابه كثير في “الثقافة” واللغة، إلى جانب عامل الجغرافية، وهذا ما جعل من النمسا أن تحتل رمزية كبيرة عند النازية،  وعند هتلر، لا سيما أن ولادته كانت في النمسا.

ـ هناك ترابط واضح بين شبكات عمل “النازية”، التيارات الشعبوية بين البلدين. وبسبب الموقع الجغرافي للنمسا بين ألمانيا ودول البلقان وأوروبا الشرقية، التي تعتبر مصدر تصدير الأسلحة بشكل غير شرعي إلى الجماعات المتطرفة واليمينية والعصابات.

ـ  الكشف عن ترابط شبكات يمينية متطرفة، إلى حجم تخزين الأسلحة والذخيرة، هو مؤشر على مدى عزم اليمين المتطرف إلى زعزعة النظام الديمقراطي في دول أوروبا، فالأمر لا يتوقف على نشر التطرف الفكري والتمدد السياسي، بقدر تنفيذ هجمات إرهابية مسلحة، وتنفيذ عمليات قتل وخطف، ليس ضد الأجانب والمهاجرين بل ضد قادة سياسيين، يقفون إلى جانب المهاجرين أو اللاجئين.

ـ اليمين المتطرف لا يتوقف فقط عند عامل الهجرة، بقدر مساعيه من أجل “إحباط” وتفكيك الاتحاد الأوروبي من الداخل والتمترس داخل حدود الدولة “القومية” الوطنية”، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعتبر ثمرة جهود اليمين المتطرف سياسيا عبر أوروبا.

ـ توزيع الأدوار داخل اليمين المتطرف: سياسي، لوجستي وتنفيذ عمليات إرهابية تكاد تكون انتحارية، يثير الكثير من الأسئلة حول مدى قوة هذا التيارات، والتي لم يكشف بعد عن حجم التنظيم تحت الأرض.

ـ ربما ألمانيا من أكثر الدول التي كشفت عن حجم ومخاطر اليمين المتطرف، لكن النمسا ودول أخرى خاصة أوروبا الشرقية، التي يهيمن اليمين المتطرف على سياساتها، ما زالت لم تتحدث عن مخاطر اليمين المتطرف ولم تكشف عنه أبدا، وهذا يعني أن هناك دعم “لوجستي” أوروبي إلى اليمين المتطرف في ألمانيا قادما من بقية دول أوروبا خاصة النمسا وأوروبا الشرقية.

ـ إن محاربة اليمين المتطرف من داخل ألمانيا والنمسا، يجب ألا يقتصر بحدود جغرافية ألمانيا، بل الذهاب إلى خلفيات الدعم اللوجستي، خاصة النمسا، نقطة عبور ومصدر دعم لليمين المتطرف في ألمانيا وربما في دول أوروبا الأخرى.

ـ هنالك مآخذ على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه اليمين المتطرف، والتي يمكن وصفها “بمهادنة” اليمين المتطرف.

بات مطلوبا أيضا من دول أوروبا على مستوى وطني وكذلك الاتحاد الأوروبي رصد ومتابعة سياسات الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تعمل على تآكل الاتحاد من الداخل، بالتوازي مع مخاطر التهديد الخارجية.

ربما يعجبك أيضا