منتدى غاز شرق المتوسط.. شراكة البناء والردع

كتب – حسام عيد

يومًا تلو آخر تزداد أهمية منطقة شرق البحر المتوسط باعتبارها أهم المناطق التي تضم احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي القادرة على سد احتياجات دول البحر المتوسط، ويقدر مخزون الغاز الطبيعي في حوض شرق المتوسط بحوالي 345 تريليون قدم مكعب وفق بيانات هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية، علاوة على احتواء الحوض على كميات ضخمة من الاحتياطيات النفطية وسوائل الغازات.

وتشمل هذه الاحتياطيات 223 تريليون قدم مكعب من الغاز في حوض دلتا النيل، إضافة إلى 5.9 مليارات برميل من الغازات السائلة، وأيضًا 1.7 مليار برميل من النفط، كما يحتوي هذا الحوض على 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز في المنطقة في حوض الشرق قبالة شواطئ قبرص، لبنان، وسوريا، وعلى أكثر من 36 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في مناطق بالقرب من إسرائيل، أما في اليونان فتقدر المسوح الجيولوجية احتياطات الغاز في بحر إيجه والبحر الأيوني وجنوب جزيرة كريت بـ123.6 تريليون قدم مكعب.

غير أن هذه الثروة الضخمة تثير توترات إقليمية، وذلك بعد أن كشف رئيس تركيا رجب طيب أردوغان أطماعه، دون مواربة، في ثروات الحقول البحرية التي تتقاسم ملكيتها وفق حدوها البحرية ومياهها الاقتصادية كل من مصر وقبرص وإسرائيل ولبنان.

ومن أجل ردع أردوغان وإخماد الصراع الذي يغذيه شرق البحر المتوسط لنهب ثرواته الطبيعية من الغاز والنفط، اتفقت 7 دول متوسطية في يناير 2019 على إنشاء منتدى غاز إقليمي يخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب وتقديم أسعار تنافسية وتحسين العلاقات التجارية.

هذه السوق تضم كلًا من؛ مصر، الأردن، فلسطين، إيطاليا، قبرص، اليونان، وإسرائيل. وبموجب توقيع ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط بصورة رسمية في سبتمبر 2020، تحول المنتدى إلى منظمة إقليمية فاعلة؛ لقطع الطريق أمام أطماع أردوغان الرامية للاستيلاء على ثروات المنطقة.

ولعل الإعلان عن انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة كعضو مراقب بجانب الدول الأعضاء المؤسسين على خلفية لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في القاهرة يوم 16 ديسمبر 2020، سيضفي قيمة مضافة هامة للغاية إلى المنتدى الذي بات بمثابة تكتل إقليمي استراتيجي قادر على مواجهة الأطماع التركية وقطع الطريق أمام محاولات أردوغان للاستيلاء على ثروات المنطقة.

شراكة نحو سوق إقليمية للغاز

برزت الرؤية لتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط في اجتماع القمة الثلاثي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني، الذي عُقِد في جزيرة كريت في أكتوبر من العام 2018، وعليه وبعد مُضي شهرين أُعلِن عن تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط في يناير من العام 2019. وضم الإعلان التأسيسي “مصر – قبرص – اليونان – إيطاليا – الأردن – إسرائيل – فلسطين”. كما أبدت الولايات المتحدة الرغبة في الانضمام للتكتل بصفة مراقب وكذلك الاتحاد الأوروبي. فيما أكدت فرنسا رغبتها للانضمام كعضو عامل.

واتفق وزراء الطافة للدول الأعضاء على أن الأهداف الرئيسية للمنتدى ستتضمن:

– العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب.

– صياغة سياسات إقليمية مشتركة بشأن الغاز الطبيعي بما في ذلك سياسات الغاز الإقليمية، ودعم الأعضاء أصحاب الاحتياطيات الغازية والمنتجين الحاليين في المنطقة في جهودهم الرامية إلى الاستفادة من احتياطاتهم الحالية والمستقبلية من خلال تعزيز التعاون فيما بينهم ومع أطراف الاستهلاك والعبور في المنطقة.

– الاستفادة من البنية التحتية الحالية، وتطوير المزيد من خياراتها لاستيعاب الاكتشافات الحالية والمستقبلية.

فيما اشتمل نص الإعلان المشترك في سبتمبر 2020 بعد توقيع ميثاق تحول منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية حكومية، على نقاط مهمة أبرزها:

– عمل منتدى غاز شرق المتوسط كمنصة تجمع منتجي الغاز والمستهلكين ودول المرور، لوضع رؤية مشتركة وإقامة حوار منهجي منظم حول سياسات الغاز الطبيعي، والتي ستؤدى لتطوير سوق إقليمية مستدامة للغاز.

– احترام منتدى غاز شرق المتوسط بشكل كامل حقوق أعضائه على مواردهم الطبيعية وفقًا للقانون الدولي، ويدعم جهودهم لاستثمار احتياطاتهم واستخدامهم البنية الأساسية.

– التأكيد علي فتح باب الانضمام للمنتدى من جانب الدول والمنظمات الدولية الأخرى طالما تبنوا قيم وأهداف المنتدى وشاركوه الرغبة في التعاون من أجل تحقيق أهدافه.

استراتيجية ردع لتركيا

منتدى غاز شرق المتوى يعد بمثابة تطور هام للقاهرة في خلافها مع أنقرة، حيث حققت الأولى هدفًا استراتيجيًا يمكنها من أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، وعاصمة رئيسية للغاز في منطقة شرق المتوسط، ويمنحها مزايا تفضيلية لما تملكه من بنية تحتية جيدة في هذا المجال.

كما أن أعضاء المنتدى سوف يعززون تعاونهم بالاتجاه نحو الاهتمام بمشروعات الربط الكهربائي عبر مد كابلات من مصر أسفل مياه المتوسط للتوجه إلى بعض الدول الأوروبية، ما يعزز فكرة التعاون في كل أشكال الطاقة المتاحة.

ولكن هذا التحرك يشكل أيضًا ضربة لمطامع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي حاول تعطيل هذا التعاون بكافة الوسائل والطرق، على غرار توقيع بلاده مذكرتي تفاهم بحري وأمني مع حكومة الوفاق الليبية قبل أشهر ليتخذهما ذريعة من أجل عمليات التنقيب هناك.

الإمارات قيمة مضافة كبرى

ويأتي انضمام دولة الإمارات لمنتدى غاز شرق المتوسط كمراقب، بجانب الدول الأعضاء المؤسسين، ليضيف خبرة تجعل من المنتدى قوة كبيرة وتعزز دورة.

وتكمن هنا أهمية القيمة المضافة التي ستساهم بها الإمارات في نشاط المنتدى؛ في خدمة المصالح الاستراتيجية وتعزيز التعاون والشراكة بين دول المنتدى؛ وفق تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

منظمة غاز شرق المتوسط هدفها تداول الغاز الطبيعي ضمن محاور متعددة لدول اوروبا او دول الشرق، وانضمام الإمارات للمنتدى دفعة قوية نحو مزيد من البحث والتداول حول كيفية الاستغلال الأمثل لإمكانات الغاز الطبيعي.

كما أن تلك الخطوة تجسد التوافق المصري والإماراتي على استمرار التفاهم المتبادل على مواصلة بذل الجهود المشتركة للتصدي للمخاطر التي تهدد أمن واستقرار مجتمعات المنطقة الصادرة من قبل ما وصفاه بـ”تدخلات خارجية تهدف لخدمة أجندات لأطراف لا تريد الخير لدول وشعوب المنطقة”.

ربما يعجبك أيضا