خفض العملة.. العراق إلى إصلاحات حتمية «مؤلمة»

كتب – حسام عيد

في خطوة ربما تخفف ضغوط الأزمات المتفاقمة على الاقتصاد العراقي، اتخذ البنك المركزي قرارًا غير مسبوق بخفض قيمة سعر صرف العملة المحلية “الدينار” بنسبة 20%، وهو الخفض الأكبر على الإطلاق في تاريخ البلاد.

خطوة يراها البنك المركزي إصلاحية وضرورية من أجل تجنيب العراق دخول مرحلة الانهيار المالي، لكن اعتبرها آخرون بمثابة أزمة اقتصادية جديدة قد تعصف بالشارع والسوق العراقي في آن واحد.

ورقة إصلاحية بيضاء

منذ أشهر تتحدث الحكومة العراقية عن ورقة إصلاحية بيضاء، وقد تكشفت تفاصيلها أخيرا برفع سعر صرف الدولار بـ 1450 دينارًا بعد أن كان 1120 دينارًا معتبرةً إياه سعرًا معتمدًا بالبيع من وزارة المالية إلى البنك المركزي.

إجراءات الورقة البيضاء تضمنت أيضًا ما يقول عنها وزير المالية علي عبد الأمير علاوي إجراءات مالية ضرورية يعتبر مختصون أن تطبيقها سيزيد من أعباء الطبقة الفقيرة والمتوسطة.

ويقول وزير المالية: إن البرلمان واللجنة المالية النيابية ورؤساء الكتل لديهم علم بالاتجاه الذي تسلكه الحكومة، مؤكدًا حصول الحكومة على دعم جميع الدول الكبرى وصندوق النقد والبنك الدوليين لورقة الإصلاح البيضاء.

من جانبه أكد البنك المركزي العراقي المعني الأول بهذه الإجراءات، أن هذا التغيير (التخفيض) في قيمة الدينار العراقي سيكون لمرة واحدة فقط ولن يتكرر.

وسيدافع البنك المركزي عن هذا السعر واستقراره بدعم من احتياطاته الأجنبية التي لم تزل بمستويات رصينة تمكنه من ذلك.

وعلل البنك ذلك بأن الأزمة المالية التي تعرض لها العراق بسبب جائحة كورونا، وما أسفرت عنه من تدهور أسعار النفط وتراجع الإيرادات النفطية، أدت إلى حدوث عجز كبير في الموازنة العامة واضطرار وزارة المالية إلى الاقتراض من المصارف وإعادة خصمها لدى البنك المركزي وبمبالغ كبيرة، لغرض دفع الرواتب، وتلبية الاحتياجات الإنفاقية الأخرى المتعلقة بالخدمات المقدمة للمواطنين.

وأوضح البنك أن قرار خفض قيمة العملة جاء كخطوة استباقية “وحرصا من البنك على تفادي استنزاف احتياطياته الأجنبية”، ولمساعدة الحكومة على تأمين رواتب الموظفين العموميين.

ويعتمد العراق في 95% من دخله على عائدات النفط. وكانت آخر مرة خفض فيها قيمة الدينار في ديسمبر 2015 عندما رفع سعر بيع الدولار إلى 1182 دينارا من 1166 دينارا في السابق.

عملية قيصرية للإصلاح

لكن خفض قيمة الدينار بمعدل كبير، وهو الأعلى منذ عام 2003، سيؤدي على الفور إلى رفع أسعار السلع مما يضر بمستويات المعيشة.

ومن جانبه، أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، خلال جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية لمناقشة الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2021، السبت 19 ديسمبر 2020، أن العراق يواجه انهيار النظام والدخول في فوضى عارمة، ما لم يدخل في عملية قيصرية للإصلاح.

وقال: “منذ عام 2003، نعاني من التأسيس الخطأ الذي يهدد النظام السياسي والاجتماعي بالانهيار الكامل.. ومن غير المعقول أن نخضع لمعادلة الفساد السابقة. إما أن نصحح الأوضاع أو نضحك على الناس”.

وتابع الكاظمي: “تبنينا ورقة إصلاح بيضاء، فكل دول العالم المتطورة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة اتخذت قرارات صعبة، وبدأت بخطوات جريئة وبروح التضحية”.

وشدد على أن “الأزمة السياسية في العراق مرتبطة بثلاث قضايا، هي: السلطة والمال والفساد، ونعمل على معالجة الأزمة من منطلق اقتصادي، وبقرار جريء لتذليل عقبتي الفساد والمال”.

وإلى جانب الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة المعلقة الأخرى من قبل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الاضطرابات في بلد اندلعت فيه الاحتجاجات في الأول من أكتوبر 2019 واستمرت لعدة أشهر، طالب خلالها مئات الآلاف من العراقيين بوظائف وخدمات وبعزل النخبة الحاكمة التي قالوا إنها فاسدة.

وقال مسؤولان أمنيان: إن قوات الأمن العراقية وشرطة مكافحة الشغب انتشرت السبت بالقرب من مقر البنك المركزي والمصارف الحكومية والمكاتب المالية الأخرى في بغداد، تحسبًا لاحتمال اندلاع الاحتجاجات بعد قرار البنك المركزي.

الانعكاسات على الاقتصاد الوطني

وقد تسبب قرار خفض قيمة صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي بضجة كبيرة، وأثار مخاوف من دخول البلاد في مرحلة انهيار اقتصادي، تضاعف الأزمة التي يعيشها العراق منذ سنوات.

ويعرّف تخفيض قيمة العملة الوطنية بأنه عملية تعديل تنازلية متعمدة لسعر الصرف الرسمي، تؤدي إلى تقليل قيمتها مقابل عملات أخرى.

وبحسب البنك المركزي الأمريكي “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” فإن خفض قيمة العملة يجعل واردات الدولة أكثر تكلفة على المستهلك المحلي، ما يؤدي إلى خفض عمليات الاستيراد.

ومن المحتمل أن يتسبب خفض قيمة العملة بتأثيرات نفسية، تضعف ثقة المستثمرين باقتصاد البلد، وتؤثر سلبا على عملية استقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وفي المقابل، خفض قيمة الدينار العراقي قد يفضي إلى رفع الطلب الكلي، ما قد يؤدي بشكل من الأشكال، إلى ارتفاع نسبة النمو في اقتصاد البلد.

ولا يمتلك اقتصاد الدولة العضو في منظمة أوبك سوى قاعدة تصنيع صغيرة وجميع السلع تقريبًا واردات مسعرة بالدولار، لذا فإن الدينار الأرخص سيجعل على الفور العراقيين العاديين يشعرون بالفقر، وربما تتمثل الفائدة الوحيدة المنتظرة منح العراق الغني بالنفط، مزيدًا من الأموال لتسديد مدفوعات عاجلة.

ربما يعجبك أيضا