«اتفاقية التجارة».. هل تكون البديل الأفضل لمستقبل العلاقات البريطانية الأوروبية؟

حسام السبكي

حسام السبكي

أخيرًا، وبعد أشهر من السجال المتواصل بشد وجذب، بين لندن وبروكسل، كاد يفضي إلى “بريكست بدون اتفاق”، لبريطانيا من “جنة” الاتحاد الأوروبي، حتى أُعلن في الساعات القليلة الماضية، عن تدشين اتفاق للشراكة التجارية بين الجانبين، سيشكل ملامح مستقبل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فهل يُكتب له النجاح؟.

اتفاقية التجارة

بالإجماع، وقبل حلول العام الجديد، أقرّت دول الاتحاد الأوروبي اتفاق التجارة مع المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، وهو شرط أساسي لبدء سريان الاتفاقية يوم رأس السنة الجديدة.

الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من جانبهما، نشرا النصّ الكامل لاتفاقهما التاريخي الذي يؤطّر علاقتهما بعد خروج المملكة من التكتل، وهو يوضح بالتفصيل المواضيع التي تباحث فيها الجانبان على مدى أشهر.

تضمن اتفاق بريكست بين الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية 1246 صفحة ترسم الخطوط العريضة لطريقة معالجة النزاعات بشأن التجارة وقضية الصيد البحري الحساسة والتي شكلت نقطة الخلاف الرئيسية في المفاوضات.

ومن المقرر أن يصادق البرلمان البريطاني الأسبوع المقبل على هذا الاتفاق، وسيدخل حيز التنفيذ مؤقتا في الاتحاد الأوروبي في انتظار تصويت البرلمان الأوروبي عليه والمتوقع الشهر المقبل. وهو يحل مكان اتفاق تجاري انتقالي عقد بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ينتهي العمل بموجبه بنهاية العام أي الخميس المقبل.

بنود الاتفاق

أما عن بنود الاتفاق الجديد بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فيمكن استعراضه في النقاط التالية:

* يعني الاتفاق أنه لن تكون هناك أي رسوم أو حصص على جميع المنتجات البريطانية والأوروبية تقريبا التي يتبادلها الطرفان، وسيبقى على الصادرات البريطانية الامتثال لمعايير الصحة والسلامة التي يضعها الاتحاد الأوروبي، بينما تحكم قواعد صارمة المنتجات المصنوعة من مكوّنات مصدرها خارج المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.

*  رفضت المملكة المتحدة أي دور لمحكمة العدل الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي، لذلك ستتم معالجة النزاعات من قبل منظمة التجارة العالمية أو هيئات التحكيم الخاصة المؤلفة من ثلاثة خبراء قانونيين وتجاريين مستقلين، في حال فشل الاستشارات، وسيشرف على هذه المعاهدة الشاملة “مجلس شراكة” مع ممثلين من الجهتين، وستشرف لجان مختلفة تابعة لهذا المجلس على كل جوانب المعاهدة، وسيكون هناك أيضا خيار أمام النواب وأعضاء البرلمان الأوروبي لتشكيل “مجلس شراكة برلمانية”.

* وصول صيادي الاتحاد الأوروبي مستقبلا إلى مياه بريطانيا الغنية، كان من بين أبرز المسائل الشائكة والقابلة للاشتعال سياسيا وآخر نقطة تم حلّها قبل الإعلان عن الاتفاق، وأصرّت بريطانيا مرارا على أنها ترغب باستعادة السيطرة الكاملة على مياهها بينما سعت دول الاتحاد الأوروبي الساحلية إلى ضمان حقوق الصيد في مياه المملكة المتحدة.

 وفي النهاية، توصّل الطرفان إلى تسوية تقضي بأن تتخلى قوارب الاتحاد الأوروبي تدريجا عن 25 في المئة من حصصها الحالية خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ونصف سنة.

وسيتم إجراء مفاوضات سنويا بعد ذلك على كميات السمك التي يمكن لقوارب الاتحاد الأوروبي الحصول عليها من المياه البريطانية، وإذا لم تكن النتيجة مرضية بالنسبة إلى بروكسل فسيكون بإمكانها اتّخاذ تدابير اقتصادية ضد المملكة المتحدة.

* تنشئ المملكة المتحدة بموجب الاتفاق الجديد، هيئة مستقلة لإقرار قانون المنافسة كنظير لهذا الدور الذي تضطلع به المفوضية الأوروبية مع التمسك بالمبادئ المشتركة، ولن يتم حظر الإعانات الموقتة التي تقدم لمواجهة “حالة طوارئ اقتصادية وطنية أو عالمية”، عندما تكون “مناسبة”، وستكلف محاكم من كل جهة، بما فيها محكمة العدل الأوروبية، رغم عدم ذكرها تحديدا في هذا الجزء من المعاهدة، بتقرير سبل معالجة الدعم الحكومي غير المنصف.

* ستغادر بريطانيا الاتحاد الجمركي الأوروبي والسوق الموحدة نهاية العام، ما يعني أن الأعمال التجارية ستواجه سلسلة قيود جديدة على الواردات والصادرات عبر المانش، وأفادت المملكة المتحدة أن الاتفاق يسمح بالاعتراف بخطط “التاجر الموثوق” التي من شأنها أن تخفف البيروقراطية على الجانبين، لكن لم يتضح بعد إلى أي درجة يمكن تطبيق ذلك.

* أشارت لندن إلى أن الطرفين سيواصلان مشاركة المعلومات المرتبطة بالحمض النووي والبصمات ومعلومات الركاب كما سيتعاونان في إطار وكالة تطبيق القانون الأوروبية “يوروبول”، وتفيد بروكسل أنه “يمكن تعليق التعاون الأمني في حال حدوث انتهاكات من جانب المملكة المتحدة لالتزاماتها في ما يتعلق بمواصلة الامتثال إلى الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان”.

رغم الاتفاق، حذّر الطرفان من أن “تغييرات كبيرة” مقبلة ستطرأ اعتبارا من 1 كانون الثاني / يناير بالنسبة للأفراد والأعمال التجارية في أنحاء أوروبا.  ولن يكون من الممكن أن يواصل مواطنو المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الاستفادة من حرية الحركة للإقامة والعمل على طرفي الحدود.

 وأكدت بروكسل أن “حرية حركة الناس والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ستنتهي”.  ويحدد الاتفاق من هم المسافرون من أجل العمل الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة للرحلات القصيرة. وتم استبعاد الموسيقيين والفنانين وفناني الأداء من هذه القائمة، ما يعني أنهم قد يحتاجون إلى تأشيرات لإقامة حفلات مدفوعة في الخارج.

 وأضافت أن “الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة سيشكلان سوقين منفصلين: فضاءان تنظيميان وقانونيان منفصلان. سيخلق ذلك قيودا في الاتجاهين على تبادل البضائع والخدمات وعلى الحركة عبر الحدود والمبادلات، غير موجودة اليوم”.

ترحيب بريطاني.. وتوضيح ألماني

عبرت بريطانيا، على لسان رئيس وزرائها، بوريس جونسون، عن ترحيبها باتفاقية التجارة التي وقعتها مع الاتحاد الأوروبي حيث قال جونسون إنها “بداية جيدة للعلاقات مع التكتل”.

وقال جونسون عبر تغريدة في موقع “تويتر”: “تحدثت للتو مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل. رحبت بأهمية الاتفاقية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كنقطة بداية جديدة لعلاقتنا.. بين طرفين سياديين متكافئين“.

وأضاف: “نتطلع إلى التصديق الرسمي على الاتفاقية والعمل سويا في الأولويات المشتركة، مثل التصدي لتغير المناخ”.

من جانبها، وعلى ذكر الاتفاق، قالت ألمانيا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، إن الإقرار الأوروبي باتفاقية التجارة، جاء خلال اجتماع لسفراء الاتحاد الأوروبي لتقييم اتفاق ليلة عيد الميلاد.

وقال المتحدث الألماني سيباستيان فيشر «إنه ضوء أخضر.. وافق السفراء بالإجماع على التطبيق المؤقت لاتفاقية التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بدءاً من 1 يناير 2021».

كانت الموافقة متوقعة منذ الإعلان عن الاتفاق، ورحب جميع قادة الاتحاد الأوروبي به ترحيباً حاراً.

ولكن الاتفاق لا يزال بحاجة إلى موافقة الهيئة التشريعية في الاتحاد الأوروبي، والتي من المتوقع أن تصدر في فبراير. ومن المتوقع أن يوافق عليه مجلس العموم البريطاني الأربعاء.

وضع جبل طارق

وحول وضع منطقة “جبل طارق” من الاتفاقية البريطانية الأوروبية الجديدة، كشفت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليز لايا، أن المنطقة مستثناة من اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.

وأوضحت الوزيرة أن وضع “جبل طارق” مشمول باتفاقية منفصلة بين المملكة المتحدة وإسبانيا، مبينة أن العمال العابرين للحدود سيتم إعفاؤهم من ضوابط الحدود بين إسبانيا و”جبل طارق“.

وقالت إن “إسبانيا لن تستأنف المطالبة بالسيادة على جبل طارق حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود“.

وتعتبر “جبل طارق” حاليا منطقة ذاتية الحكم تابعة للمملكة المتحدة، ويستمر الخلاف بين بريطانيا وإسبانيا حول تبعيتها أكثر من 300 عام، وعلى الرغم من تصويت نحو 99 من سكانها في استفتاءين أجريا في 1967 و2002 لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة، إلا أن مدريد تواصل الإصرار على ضرورة أن تعاد لها السيادة عليها تدريجيا.

ربما يعجبك أيضا