تحت حكم الاحتلال.. «التطعيم» حسب الدين والقومية‎

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن وزير الأمن العام الإسرائيلي أمير أوحانا طلب من مصلحة السجون الإسرائيلية في أواخر الأسبوع الماضي عدم تلقيح الأسرى الفلسطينيين، الذين تسميهم سلطات الاحتلال بـ”السجناء الأمنيين”، ضد فيروس كورونا.

وجاء الأمر على الرغم من توجيهات وزارة الصحة الإسرائيلية بضرورة أن يكون السجناء جزءاً من المجموعة الثانية من الإسرائيليين الذين يتم تطعيمهم ضد فيروس كورونا، إلى جانب أفراد الأمن.

وقالت صحيفة “هآرتس” إنه ليس من الواضح ما هي السلطة التي يمكن لأوحانا أن يأمر مصلحة السجون بتلقيح بعض النزلاء دون غيرهم.

وعلى رغم المطالبة الفلسطينية بتوفير التطعيم للأسرى على أساس أن المسؤولية الصحّية تقع على عاتق سلطات الاحتلال، فإن نادي الأسير الفلسطيني حذر من خداع سلطات الاحتلال واستخدام الأسرى كحقل تجارب، مطالباً بلجنة طبية محايدة، وبمشاركة الصليب الأحمر الدولي للإشراف والمراقبة على عملية تطعيم الأسرى في حال تمّت.

وقالت منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” الإسرائيلية: “توجيه الوزير أوحانا ذو الدوافع السياسية يظهر مرة أخرى لماذا يجب نقل المسؤولية عن صحة السجناء من وزارة الأمن العام ومصلحة السجون الإسرائيلية إلى هيئة تكون الصحة على رأس أولوياتها”.

وأضافت: “يجب أن نتأكد من إعطاء السجناء أولوية عالية للتطعيم بما يتماشى مع توصيات خبراء الصحة المعنيين بالموضوع، لا سيما في ضوء البيانات العالمية التي تظهر أن خطر الإصابة بين النزلاء أعلى من خطر السكان الخارجيين”.

وأشارت الصحيفة إلى أن حملة التلقيح الضخمة، التي يُقال إنها الأكبر في تاريخ “إسرائيل”، لن تشمل ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من الارتفاع الأخير في الحالات والوفيات الناجمة عن الفيروس، بينما ستشمل حملة التطعيم الإسرائيلية المستوطنين اليهود الذين هم مواطنون إسرائيليون يعيشون في عمق الضفة الغربية المحتلة، لكن ليس 2.5 مليون فلسطيني في المنطقة، وسيتعين عليهم انتظار السلطة الفلسطينية التي تعاني من ضائقة مالية، والتي تدير أجزاء من الضفة الغربية المحتلة لتزويدهم باللقاح.

وتأمل السلطة الفلسطينية في الحصول على اللقاحات من خلال شراكة تقودها منظمة الصحة العالمية مع المنظمات الإنسانية المعروفة باسم كوفاكس، والتي تسعى للحصول على ملياري جرعة تأمل في شرائها على مدى السنوات المقبلة للسكان في البلدان الفقيرة.

ومما يعقد الأمور حقيقة أن الفلسطينيين لديهم وحدة تبريد واحدة فقط قادرة على تخزين لقاح فايزر.

ويزداد الوضع خطورة في غزة، التي يقطنها مليونا فلسطيني، والتي تخضع للحصار منذ عام 2007. وقد أبلغت السلطات هناك عن أكثر من 30 ألف حالة إصابة، بما في ذلك أكثر من 200 حالة وفاة.

وقال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي إن حكومة إسرائيل تنفذ تطعيما عنصريا ضد كورونا، وتنكرت كالعادة لمسؤولياتها كقوة احتلال تسيطرعلى الضفة وتخنق غزة.

وأشار البرغوثي إلى أنه في الوقت الذي وفرت فيه إسرائيل 14 مليون لقاح لكل من يحمل الهوية الإسرائيلية، فإنها لا تعبأ بما يحدث لخمسة ملايين ومئة ألف فلسطيني يعيشون في الأراضي المحتلة بل تعيق وصول المطاعيم إليهم.

وأضاف أن “نظام الأبرتهايد والتمييز العنصري الإسرائيلي يتجسد بصورة صارخة في الضفة الغربية حيث بدأ 750 ألف مستوطن غير شرعي تلقي التطعيمات في حين ما زال ملايين الفلسطينيين بمن فيهم المسنون والعاملون في الحقل الصحي عاجزون عن الوصول لها، وهذا هو أوضح تعبير عن بشاعة نظام الاحتلال والتمييز العنصري”.

وأشار إلى الارتفاع الحاد وغير المسبوق في الإصابات بفيروس كورونا في الضفة الغربية وقطاع غزة ووصول نسبة الإشغال في المستشفيات إلى 100% وإلى الأوضاع المأساوية التي يعيشها قطاع غزة حيث يعاني المرضى ليس فقط من نقص أجهزة التنفس الاصطناعي بل ومن نقص حاد في الأوكسجين لقلة الأجهزة المولدة له ومختلف أنواع الأجهزة الطبية بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية على القطاع.

وأكد البرغوثي أن “الأوبئة لا تعترف بالحدود والحواجز ولهذا فإن سياسة الحكومة الإسرائيلية عنصرية فجة ولا إنسانية بالاضافة إلى أنها مدمرة صحيا”.

الإعلام العبري: لأنهم تحت احتلال إسرائيلي مسؤولية تطعيمهم إسرائيلية

في الوقت الذي يجرى فيه بحث مع وضد التطعيمات في إسرائيل، لم يتضح بعد من أين ستأتي التطعيمات إلى الضفة وغزة، ومتى ومن سيمولها.

“نحن في حالة من عدم الوضوح، وليس واضحاً متى ستأتي التطعيمات بكميات قد تعطي جواباً لمعظم السكان”، قال مسؤول كبير بوزارة الصحة في رام الله، وفي الأسابيع القريبة المقبلة ستصل إلى الضفة إرسالية أولى فيها 150 ألف حقنة من اللقاح الروسي من أصل أربعة ملايين حقنة تطعيم تنتظر السلطة تلقيها.

ليس واضحاً بعد أي شركات أخرى ستورد التطعيمات للسلطة أو إذا كانت إسرائيل هي التي ستفعل ذلك، وحتى لو نضجت المفاوضات مع فايزر، فإن حجم التوريد منها سيكون محدوداً، إذ ان ليس للسلطة قدرة على تخزين كميات كبيرة من التطعيمات في شروط مناسبة، بحسب ما كتبته صحيفة “هارتس”.

وأضافت الصحيفة: إذا كان نوع من انعدام الوضوح يسود في الضفة، ففي غزة ظلام دامس، لقد فقدوا السيطرة على تفشي الوباء هناك، ولا يعرفون متى ستصل التطعيمات إلى القطاع وبأي كمية. صحيح أن التطعيمات، حسب مسؤولين كبار في الحكومة الفلسطينية، يفترض أن تكفي سكان قطاع غزة أيضاً، ولكن مندوبي المنظمات الدولية الذين يعملون في القطاع قالوا إنهم ليسوا واثقين من ذلك.

وأشارت الصحيفة إلى أنه وعلى هذه الخلفية، توجهت منظمة أطباء لحقوق الإنسان إلى المدير العام لوزارة الصحة البروفيسور حزاي ليفي، ومنسق أعمال الحكومة في المناطق كمين أبو الركن، بطلب أن تزود إسرائيل التطعيمات للفلسطينيين في بعض المناطق وغزة أيضاً.

وعللت المنظمة طلبها بأن الفلسطينيين تحت سيطرة واحتلال إسرائيليين، وليس لهم إمكانية الشراء المستقل للتطعيمات إلا عبر السلطات في إسرائيل، وبأن السلطة الفلسطينية ليس بمقدورها تمويل شراء التطعيمات أو توزيعها.

هذا طلب عادل، فإسرائيل تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية لتطعيم السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في ضائقة تحت سيطرتها ويعيشون متعلقين بحياة العديد من الإسرائيليين.

فضلاً عن ذلك، يدور الحديث عن فئتين سكانيتين تعيشان في احتكاك عال، بحيث لا يمكن القضاء على الوباء في إسرائيل السيادية طالما كان يعربد في مناطق أخرى تحت مسؤوليتها.

وأكدت هآرتس أنه وعلى الرغم من أن قوانين الاحتلال الدولية تفرض واجبا على الدولة المحتلة بالاهتمام برفاه السكان الذين يعيشون تحت الاحتلال وأن تهتم بصحتهم، ورغم الواجب الذي تفرضه قوانين حقوق الإنسان الدولية للحفاظ على حقوق كل من يعيش تحت سيطرتها، فإن إسرائيل تدفع قدما بحقوق الإسرائيليين فقط، وبالأساس اليهود، بما في ذلك الـ 600 ألف مستوطن.

طوال 53 سنة ادعت إسرائيل أن علاقتها التمييزية هذه مؤقتة إلى حين أن تتم تسوية الوضع النهائي للقطاع والضفة، ولكن هذه السيطرة بقيت مؤقتة بشكل دائم.

طالما أن إسرائيل تسيطر على إسرائيل/ فلسطين، من نهر الأردن وحتى البحر الأبيض المتوسط، يجب عليها التعامل بصورة متساوية مع الـ 6.5 مليون يهودي والـ 6.5 مليون فلسطيني الذين يعيشون هناك، لكن منذ اندلاع وباء الكورونا تنصلت حكومة إسرائيل من هذه المسؤولية.

منذ مارس عندما سئل مندوبو وزارة الخارجية هل إسرائيل ستساعد ماليا جهاز الصحة الفلسطيني، أجابوا بأنه على السلطات الفلسطينية أن تدير امور الفيروس في مناطقها.

هذا الموقف لا يقبله العقل، أولا، إنكار المسؤولية عن صحة من يعيشون في المنطقة يقترن بإصرار بأن الضفة تعود للشعب اليهودي وأن أجزاء منها سيتم ضمها رسميًا، ولا توجد حاجة إلى أن تكون فقيها في القانون من أجل أن تفهم اللامعقولية الموجودة في الموقف الذي يقول إن الأرض تعود للشعب اليهودي عندما يكون الأمر يتعلق باستغلال وضم البلدات، ولكن عندما يمرض سكانها غير اليهود فإن الأرض هي فلسطينية.

ثانيا، السيطرة الإسرائيلية تحرم السلطات الفلسطينية من القدرة على مواجهة الوباء لأن إسرائيل تقيد صلاحياتها بشكل كبير، فمنذ العام 1967 وإسرائيل تسيطر على حدود الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى سجل السكان الفلسطيني وعلى جهاز الضرائب.

هكذا مثلا، يحظر على رجال الشرطة الفلسطينية العمل في 80 % من مناطق الضفة، التي تدعى مناطق ب و ج حسب اتفاقات أوسلو، وفي قطاع غزة، سنوات من الإغلاق و”الحرب الاقتصادية” أضعفت البنى التحتية وأضرت بالاقتصاد ومنعت جهاز الصحة من التطور وتمويل اللقاحات.

سكان القطاع والضفة بحاجة إلى تطعيم أكثر من أي وقت مضى، ففي القطاع يبلغون في كل يوم عن نحو 800 مصاب بالوباء جديد، ونسبة النتائج الإيجابية في الفحوصات القليلة التي تتم هناك تقترب من 30 %. والوضع في الضفة مشابه. ف

في القطاع المستشفيات تمتلىء بمرضى الكورونا، وسلطة فتح وسلطة حماس فرضتا حظر تجول ليليًا، لكن الوضع الاقتصادي يمنعهما من فرض إغلاقات أخرى، ليس للفلسطينيين بدل بطالة أو منح كورونا، والسلطات تحاول شراء لقاحات، لكن دون نجاح.

منذ خطاب بار إيلان في العام 2009 نجحت حكومة بنيامين نتنياهو وشركاؤها في تبديد الأوهام بأنه توجد أو ستوجد هنا في المستقبل، دولتان، وأن السلطات الفلسطينية هي التي تسيطر على الضفة الغربية وغزة، والواقع الطويل لحاكم واحد، الذي تعمل تحته سلطات محلية، يقتضي المساواة في مجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وذلك عبر الخطوة الأولى والفورية وهي شراء ملايين اللقاحات الأخرى، حيث أن الفيروس – خلافا لحكومة إسرائيل- لا يميز بين اليهود والفلسطينيين.

إسرائيل تتهرب

بدوره، قال الخبير في القانون الدولي، حنّا عيسى، إن من مسؤولية دولة الاحتلال -وفق القانون الدولي- تطبيق ما جاء في اتفاقية جنيف لعام 1949.

وذكر أن الاتفاقية “تنص على حماية الممتلكات والمواطنين وتقديم التعليم والصحة والتربية والثقافة للشعب المحتل، وهو ما ينطبق على الحالة الفلسطينية”.

وأضاف عيسى – في تصريح لـ”الأناضول”- إن “على إسرائيل توفير لقاح كورونا للفلسطينيين في فلسطين التاريخية، بما فيها الضفة الغربية وشرقي القدس، وقطاع غزة”.

وتابع “إسرائيل تتهرب من مسؤولياتها القانونية، تجاه الفلسطينيين، لا يوجد دولة فلسطينية قائمة، السلطة موجودة على الورق فقط، عبر اتفاق أوسلو، ليس أكثر، إسرائيل هي سلطة الأمر الواقع تدخل وتعتقل وتهدم وتقتل متى تشاء”.

وأكمل “إسرائيل تتنصل من مسؤولياتها، هي فَرِحَة، وتخلت عن أعباء قانونية ومالية، وهو أخطر ما في الاحتلال الذي يسرق كل شيء من أرضك ويتخلى عنك”.

الوضع الصحي كارثي

وفي وقت سابق، وصف سامر الأسعد، مدير الطب الوقائي والرعاية الصحية في وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفاع عدد الوفيات جراء فيروس كورونا في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية، وقطاع غزة، في الأيام الأخيرة، بأنه أمر “مقلق”.

وقال  إن “منحنى تسجيل الوفيات والإصابات في فلسطين يزداد، ما يدق ناقوس الخطر”.

وأضاف الأسعد “نشهد ارتفاعا في حالات إدخال مرضى لأقسام علاج كورونا، وزيادة في عدد المرضى بغرف العناية المركزة، بالإضافة إلى زيادة عدد الحالات الموصولة على أجهزة تنفس صناعي”.

ومنذ بدء الجائحة في مارس الماضي، وحتى 18 ديسمبر الجاري، سجلت فلسطين 135.365 إصابة، منها 108.631 حالة تعاف، و1207 وفيات.

ربما يعجبك أيضا