«إيوان أقطاي» بقلعة صلاح الدين.. هنا التاريخ والبطولات

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف وهدى إسماعيل

أنت وأنا والكثير من المصريين نمر من هنا، بالقرب من قلعة الجبل أو قلعة صلاح الدين الأيوبي العريقة التي طالما شهدت أفراح وأطراح، تنصيب ملوك وسلاطين وخلع آخرين، عهود وخيانة، مشاعل أضاءت الطريق للمنتصرين وسط قرع الطبول ونفخ الأبواق وسط جحافل من البشر يصطفون على الجانبين تلهج ألسنتهم بالثناء، داعين بطول العمر والنصر لملوك وسلاطين نصروا دينهم ودولتهم وتصدوا للغزاة.

كما شهدت مؤمرات وخيانات وغدر في ظلام الليل الحالك ليشرق النهار وتجف أنهار الدماء ويشرق يوم جديد معلنًا مولد حاكم وانتهاء آخر، إنها تدابير الحكم وأحكام الزمان؛ فحوائط القلعة التاريخية شهدت جزءًا كبيرًا من تاريخ مصر.

333

تاريخ كبير

عندما تترجل من ميدان السيدة عائشة الشهير في القاهرة التاريخية قاصدًا القلعة تقع عينك في عينه الوحيدة المطلة على شارع وطريق صلاح سالم وتحسه يتيمًا شريدًا وسط صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ماء، وتتخيل أن الحوائط الأربعة للإيوان الفارغ من الداخل إلا من بعض حواجز الحديد وبابًا من جهة القلعة الحصينة هي سكن أو برج من أبراج استطلاع وحراسة القلعة في زمن ولى وانقضى.

ولكن هنا عزيزي القارئ اجتمع صفوة مماليك مصر في سهرات سمر وجلسات تدبير وتخطيط داخل إيوان أقطاي مع بيبرس وآق سنقر وسنجر وبهادر وغيرهم، إنهم أمراء ومماليك كان لهم صولات في صراعات الحكم وجولات لا ينساها التاريخ في حرب الصليبيين والمغول والتصدي لمخاطر الغزاة والطامعين في مصر من الغرب والشرق.

نمر أمامه ولم يدر بخلد أغلبنا أننا أمام إيوان يبدو من الخارج مهمل كثيرًا رغم قربه الشديد من قلعة صلاح الدين الأيوبي وكونه أحد الآثار وشاهدًا على الكثير من النقاشات والخطط التي دارت بين قادة عظام خاصة المماليك البحرية والبرجية؛ وذلك في أزهى عصور المماليك وأواخر عهد الدولة الأيوبية في مصر.

أحداث تاريخية يشهد عليها ديوان أقطاي الجمدار كما يعرف بين الأثريين المصريين. والإيوان البسيط في مظهره المهمل من تصدعات وإهمال وفقر الحال – كأنه يندب صاحبه الذي لهث خلف الكرسي ولم ينل منه يومًا- البارع في معماره الهندسي والذي نمر أمامه كأنه ينادي كل المارة أمامه قائلًا: “أنا جزء من تاريخ وبطولات القاهرة التاريخية، لا تهملوني”.

111 1

وصف الإيوان

تتكون عمارة إيوان الفارس أقطاي من مساحة مستطيلة ذو جدران حجرية من أسفل ومغطاة بقبو آجري وبصدر الإيوان محراب يخلو من الزخارف يكتنفه من الجانبين شباكان وقد جار الزمان على فسقية الدفن والتركيبة التي كانت تعلوها فليس لهما وجود حاليًا.

222 1

الفارس أقطاي

والإيوان، كلمة فارسية معربة مأخوذة من ا”يفان” وتعني لغويًا قاعة العرش، أنشأ فارس الدين أقطاي الجمدار النجمي الصالحي (زعيم المماليك البحرية في مصر)، وأنشأ الإيوان في عام 644هـ/1247م أواخر عصر الدولة الأيوبية وتوفى بقلعة الجبل في القاهرة سنة 1254م.

كان أقطاي جمدارًا (مسؤول الملابس السلطانية في عهد نجم الدين أيوب) وترقى أميرًا ومقدم المماليك البحرية بمصر وبعد وفاة السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر أرسلته شجرة الدر أرملة الصالح إلى حصن كيفا لاستدعاء ابنه توران شاه لتولي زمام الأمور في البلاد وبعد مصرع الأمير فخر الدين يوسف أتابك الجيش في معسكر جديلة جنوب المنصورة.

تسلم أقطاي قيادة الجيش وأصبح القائد العام للجيوش المصرية واستبسل مع بيبرس البندقداري والمماليك البحرية والمماليك الصالحية في الدفاع عن مدينة المنصورة في عهد السلطان عز الدين أيبك (المعز أيبك) وقاد القوات التي هزمت حاكم دمشق الناصر يوسف عند غزة ولعب دورًا هامًا في هزيمة الناصر يوسف هزيمة أخرى في معركة كورا.

1 4

صراعات الحكم

كان أقطاي من مماليك السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب وكان أحد الجمدارية عنده وعرفت الطائفة التي ينتمي اليها أقطاي بالمماليك البحرية وكانت عدتهم نحو الألف مملوك وقد سميت بالبحرية لسكناهم بقلعة الروضة الواقعة في بحر النيل التى اتخذها الصالح نجم الدين دار ملك وسكن فيها بأهله وحرمه ومماليكه. وفي عام 648هـ بايع الأمراء الأمير عز الدين أيبك بالسلطنة بعد مقتل الملك المعظم توران شاه ابن الصالح نجم الدين أيوب.

وكان أيبك ذو سعة صدر ولين جانب فقالوا: متى أردنا صرفه أمكننا ذلك لعدم شوكته. ويستكمل بدر الدين العيني قائلًا في كتابه: “في عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان” عن حوادث عام 651هـ: (وكان الأمير الكبير فارس الدين أقطاي الجمدار الصالحي قد استفحل أمره وقويت شوكته وانضم إليه الأمراء البحرية واعتضد بهم وتطاول وحدثته نفسه بالملك وكان أصحابه يسمونه بـ”الملك الجواد”، فيما بينهم كل ذلك والسلطان عز الدين أيبك سامع ومطيع، إلى أن خطب أقطاي ابنة الملك المظفر صاحب حماة ولما تزوج بها زادت نفسه قوة وعظمة الأمراء.

دماء في الليل

بعث أقطاي إلى السلطان عز الدين أيبك بأن ينزل من قلعة الجبل -مقر الحكم – ويخليها له حتى يسكنها بأمرأته المذكورة لكونها من بنات الملوك وسليلة البيت الأيوبي ولا يليق سكناها بالبلد، فاستشعر السلطان أيبك بما عزم عليه وعمل على قتله.

ويذكر النويري “في نهاية الأرب في فنون الأدب”: (اتفق السلطان عز الدين أيبك مع مماليكه على حيلة وأرسل إلى أقطاي يستدعيه موهمًا له أنه يستشيره فى مهمات الأمور وقد كمن له كمينًا من مماليكه وقرر معهم أنه إذا عبر إليه يغتالوه فلما مر بهم أقطاي ضربوه بسيوفهم فقتلوه).

ويستكمل المقريزي في الخطط: (وغلقت أبواب القلعة وانتشر الصوت بقتل أقطاي في البلد فركب أصحابه وهم نحو سبعمائة فارس إلى تحت القلعة وفي ظنهم أن الفارس أقطاي لم يقتل وإنما قبض عليه السلطان المعز أيبك وأنهم يقاتلونه حتى يطلقه لهم، فلما صاروا تحت القلعة أمر السلطان بإلقاء رأسه إليهم من أعلى السور فعلموا فوات الأمر فيه وأرادوا الفرار ليلًا من باب القراطين- أحد أبواب القاهرة في السور الشرقي- فوجدوه مغلقًا وكانت العادة أن تغلق أبواب القاهرة ليلًا فقاموا بحرقه ومنذ ذلك الحين عرف باب القراطين بالباب المحروق.

السينما المصرية تعرضت في فيلم “وإسلاماه” إلى عرض شخصية الأمير أقطاي الطامع في الحكم، وصورته بالمستبد، المكروه من الجميع، ونسى كثيرون أن للأمير المغدور ورفاقه بطش وقوة عسكرية في محاربة الصليبيين ومنع حملتهم السابعة على مصر، وإنقاذ لمصر والشرق من خطر داهم.

2 3
1 5
222 2
333 1

ربما يعجبك أيضا