غضب أبناء البسفور مستمر.. تدخلات أردوغان تفسد الحياة الأكاديمية

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

لا يكف عن إفساد الأوضاع في بلاده بحجة فرض السيطرة سواءً على المستوى السياسي أو الاقتصادي وحتى داخل الجامعات، مؤخرًا، عمد الرئيس التركي رجب أردوغان إلى التدخل في الحياة الأكاديمية، ومد نفوذه إلى داخل حرم الجامعات عبر إصدار مرسوم بتعيين مليح بوبلو رئيسًا لجامعة البوسفور، الأمر الذي فجّر احتجاجات واسعة النطاق.

ونظم أعضاء هيئة التدريس بجامعة “بوغاز إيتشي/البسفور” في مدينة إسطنبول، أمس الجمعة، وقفة احتجاجية لتجديد رفضهم لتعيين مليح بولو، رئيسًا للجامعة من قبل أردوغان.

 وبحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة “أفرنسال” التركية المعارضة، تأتي الوقفة في ظل حالة الغضب التي تشهدها الجامعة، منذ السبت الماضي، على خلفية قيام أردوغان بتعيين بولو من خارج كادرها على خلاف العادة، علاوة على أنه من الموالين للرئيس.

وطوال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، قدمت جامعة البوسفور التركية الشهيرة مثالًا واضحًا عن قوة “التذمر الشبابي” من سياسات حزب العدالة والتنمية، والرئيس رجب أردوغان داخل البلاد.

ولم تقتصر الاحتجاجات على طلبة الجامعة الشهيرة وأساتذتهم فقط، امتدت داخل المعارضة والصحافة والإعلام والرأي العام ككل، كون هذه الخطوة مؤشر خطير لسعي أردوغان لمصادرة كافة الحقوق والحريات، وتأميم كل شيء في تركيا، بما في ذلك استقلالية السلك الجامعي، والتدخل في شؤونه وفرض وصايته عليه.

تظاهرات غاضبة

التظاهرات التي اندلعت في مختلف كليات الجامعة، جاءت ردة فعل مباشرة على قرار أردوغان نفسه، الذي عين البروفيسور مليح بولو رئيسًا للجامعة، وهو شخص لا يتمتع بالاستقلالية المهنية والسياسية عن الرئيس، حسب تعبير الطلبة ونخبة من الأساتذة الجامعيين، المتخوفين من تحول هذا التعيين إلى أداة لإخضاع الجامعة الشهيرة، واستخدامها كإحدى المؤسسات الرديفة للحزب الحاكم.

تظاهرات الجامعة التي ضمت الآلاف من الطلبة المُعترضين مطلقًا على القرار، واجهتها الشرطة والقوى الأمنية التركية بضراوة بشكل مباشرة، مما أدى إلى جرح العشرات منهم، بحسب ما ذكر موقع سكاي نيوز عربية.

وخوفًا من امتدادها إلى باقي أنحاء مدينة إسطنبول، قامت الشرطة التركية بإغلاق المباني والمنشآت الخاصة بالجامعة، مما اعتبره الطلبة بمثابة حجز وسجن فعلي لهم، ومنعهم من حرية التعبير المدنية السلمية.

جامعة البوسفور

طلبة الجامعة وأساتذتها يعتبرون أن خطوة أردوغان الأخيرة تقصدت جامعة البوسفور، لأنها تعتبر من أكثر الجامعات التركية استقلالًا عن الحياة السياسية، وتخرج النسبة الأكبر من النخبة في المجالات السياسية والقضائية والاقتصادية التركية، لاستخدامها المعايير العالمية في الاستقلال الأكاديمي، رغم تبعيتها للدولة التركية.

أردوغان، جاء بشخص من خارج المجال التعليمي والإداري للجامعة، وهو عضو سابق ومرشح بارز على قوائم حزب العدالة والتنمية، وأراد فرضه على الجامعة، ليُحدث بها تغيرات هيكلية، لتخسر الجامعة رصانتها وقوتها المهنية، وتغدو واحدة من أدوات أردوغان في محاربة خصومه السياسيين.

وكانت التقاليد السياسية التركية حافظت دومًا على استقلال الهيئات الإدارية العليا في الجامعات الحكومية مستقلة عن الاستقطابات الحزبية الداخلية، بالرغم من تمايز الهيئات الإدارية تلك وميولها لدعم القيم المدنية والعلمانية المناهضة لقوى الإسلام السياسي. إلا أن الرئيس التركي كان قد استغل أزمة “الانقلاب” عام 2016، وخول نفسه سلطات تعيين وإقالة رؤساء الجامعات التركية، بالضبط مثل ما أعادة ترتيب سلطة تعيين وإقالة كبار القضاة.

مؤامرة مزعومة

حدة التظاهرات دفعت الرئيس التركي لتحريض حليفه السياسي، زعيم حزب الحركة القومية التركية المتطرفة دولت بهجلي، الذي طالب بـ”سحق المتظاهرين”، معتبرًا أنهم جزء من مؤامرة تستهدف تركيا، عبر إثارة القلاقل لإحداث انتفاضة في البلاد.

تصريحات بهجلي المعبرة عن موقف أردوغان، رد عليها زعيم المعارضة التركية كمال كيليجدار أوغلو، الذي يعتبر حزبه “الشعب الجمهوري” من أكثر الأحزاب شعبية بين أوساط الطلبة الجامعيين، وفي هذه الجامعة بالذات، معتبرًا أن الحزبين الحليفين الحاكمين لن يتركا أي مؤسسة وطنية تركية باستقلالية.

زعيم حزب “ديفا” علي باباجان، والذي يعتبر إلى جانب عمله السياسي أكاديميًا اقتصاديًا بارزًا، شجب المواقف الحكومية، مطالبًا بأنه “يجب أن تكون الجامعات مستقلة، يحتاج بلدنا إلى أكاديميين وعلماء أحرار وطلاب منتجين، لا يمكن تحقيق هذه الحرية والإنتاجية من خلال تعيين أعضاء من الحزب الحاكم”.

وشكلت الجامعات التركية تاريخيًا مراكزًا للحركات اليسارية التركية، خصوصًا خلال سنوات الحرب الأهلية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث كانت الجامعات مراكز جماهيرية للقوى اليسارية التركية، مقابل الأسواق التجارية التي كانت معاقل للأحزاب اليمينية المتطرفة.

واستطاعت السلطات التركية المتعاقبة، خصوصًا في عقد الثمانينيات حينما حكم الليبرالي تورغوت أوزال، خلق نوع من المساومة مع التنظيمات الطلابية، بحيث يتم تخفيف النشاطات السياسية الاعتراضية لتنظيماتهم، خصوصًا خارج الجامعات، مقابل التزام الدولة بالحفاظ على استقلال الهيئات الإدارية العليا في الجامعات الحكومية.

الحياة الجامعية

صحيفة “الجارديان” البريطانية نشرت تقريرًا تفصيليًا عن التداخل السياسي الراهن بين الحياة الجامعية التركية والضغوط السياسية التي تتعرض لها من الحزب الحاكم: “على مدى السنوات الخمس الماضية، تم اعتقال أو سجن الآلاف من الأكاديميين والمحامين والصحفيين والموظفين المدنيين والعسكريين بسبب صلات مزعومة بالإرهاب”.

ومنذ عام 2016، احتفظ أردوغان أيضًا بالحق في اختيار عمداء الجامعات مباشرة، الذين كان تم سابقًا تعيينهم من خلال الانتخابات، وتم إغلاق أكثر من 12 جامعة في جميع أنحاء البلاد.

لقد جاء الاحتجاج الأخير، وكان ثمة أمل ضئيل في أن يتمكن الطلبة من تغيير الأمور بشكل ديمقراطي، وشرح ما يريدون. موقع المونيتو نشر كذلك تقريرا تحليلا كتبته دييغو كوبولو شرح فيه التجاوزات التفصيلية للرئيس التركي تجاه الجامعات التركية.

ونقل الموقع أنه: “وفقًا لإرشادات مجلس التعليم العالي التركي (YOK)، يتم اختيار العمداء من بين مجموعة من المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات بعد الانتخابات التي تُجرى داخل المؤسسات الأكاديمية.

وتم إيقاف هذه الممارسة لأول مرة بعد الانقلاب العسكري في عام 1980 في تركيا، ثم أعيدت في التسعينيات قبل أن يتم تعليقها مرة أخرى بموجب حالة الطوارئ بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، حيث عين الرئيس أردوغان محمد أوزكان برئاسة جامعة بوغازيجي بموجب مرسوم رئاسي. وقوبلت هذه الخطوة أيضًا باحتجاج في ذلك الوقت.

أعضاء هيئة التدريس قالوا إن أوزكان كان نائب رئيس الجامعة في بوغازيتشي، بينما تم التعيين الحالي لبولو، فأنه يأتي من خارج إدارة الجامعة تمامًا. وفوق ذلك فهو من الموالين لأردوغان، حيث شارك في السياسة الحزبية منذ تأسيس حزب العدالة والتنمية في عام 2002″.

ربما يعجبك أيضا