مسجد أزبك اليوسفي بالقاهرة.. تاريخ تحت مطرقة الإهمال

678

كتب – عاطف عبداللطيف وهدى إسماعيل

كثيرًا ما سمعنا بجمال وروعة فنون العمارة التي عليها مدرسة ومسجد الأمير أزبك اليوسفي في شارع أزبك بالقاهرة التاريخية، ويعلم الكثيرون أن المسجد مغلق لترميمات وتحسينات تأخرت عقودًا من الزمان، آكل فيها الإهمال من الإبداع المملوكي في فنون العمارة وطرز النقش والتشييد الفني التي سادت تلك الفترات.

المرور بشارع الصليبة في القاهرة جذبنا نحو الباب المفتوح بأول شارع أزبك من جهة مسجد أحمد بن طولون ومسجد ومدرسة الأمير صرغتمش، قادتنا قدمانا إلى المكان الذي يفصله عن مدخل الشارع أمتار قليلة، باب المسجد مفتوح وبلا مصلين، في الداخل كمية كبيرة من القاذورات في أرضية المدخل والعنكبوت يتدلى من السقف للأرض والخفافيش تسكن السقف بديع الصنع والطراز، عبرنا الباب كدنا نصطدم بلوح لُغسل الموتى.

في اليمين باب مغلق بأقفال حديدية غليظة، اتجهنا مجبرين يسارًا فيمينًا إلى الباب الرئيسي بالداخل حيث صحن المسجد الفسيح تعلوه سقيفة غاية في الجمال وبديع الطراز المملوكي وتنطق بفنون العمارة وللأسف تكاد تسقط بأكملها فيما صرخت حوائط المسجد والمدرسة من فرط التصدعات والشروخ من الداخل والخارج، حال المنبر الخشبي الأثري النادر ليس أفضل حالًا من الأرضية الرخامية التي غطت الأوساخ والتصدعات والكسور على جمالها ورونقها.

أما مكتبة المسجد فلا جديد يذكر عن الإهمال والتردي الذي تعيشه، مئذنة المسجد العتيق مكتظة بالشروخ الطولية والعرضية وتكاد تسقط قريبًا، لا صلاة ولا أذان، ولا طالب علم.

أزبك اليوسفي

يقع مسجد ومدرسة الأمير أزبك اليوسفي بشارع أزبك بالصليبة في السيدة زينب بالقاهرة، وأنشأ في شهر شعبان سنة (900هـ/14945)، والمسجل أثريًا برقم 211، وقد نقش على مدخل المدرسة هذا التاريخ، وللمدرسة طرقة مفروشة بالرخام وبها بابان، وبدائرة صحن المسجد من أعلى نقش في الحجر آيات قرآنية ومكتوب بجدار الصحن القبلي: “أمر بإنشاء هذه المدرسة المقر الأشرف الكريم العالي المولى السيفي أزبك أمير سر نواب النوبة الملكي الأشرفي”.

أما الكتابة المنقوشة فوق المدخل فنصها: “أمر بإنشاء هذه المدرسة العبد الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرف الكريم العالي السيفي أزبك اليوسفي أمير رأس نوبة النواب الملكي الأشرفي بتاريخ شهر شعبان سنة خمس وتسعمائة، وكان أزبك اليوسفي من أمراء السلطان قايتباي، وقد توفى عام 904هـ.

مشير المملكة

كان الأمير أزبك اليوسفى من أكبر أمراء دولة المماليك الجراكسة ومن أعظم قوادها ومن البارزين في عصر السلطان قايتباي، وقد تقلب في عدة وظائف كبيرة حتى أصبح في عهد الملك الناصر محمد بن السلطان قايتباي مشيرًا للمملكة.

فنون العمارة

ويمتاز مسجد أزبك اليوسفي كأمثاله من المساجد التي بنيت في عهد دولة المماليك الشراكسة بالزخارف والكتابات بالخطوط العربية المختلفة، واجتمعت فيه شتى الصناعات والفنون الدقيقة، فنجارته الممثلة في المنبر وكرسي السورة، وأرضيته ووزراته الرخامية وأسقفه الخشبية تدل على دقة ومهارة الفنانين والبنائين الذين قاموا ببناء هذا المسجد.

بني المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، إذ يتألف من صحن مسقوف بوسطه شخشيخة تحيط به أربعة إيوانات اثنان منها كبيران وهما إيوان القبلة والإيوان المقابل له، وأما الآخران وهما الجانبيان فصغيران.

وللمسجد واجهتان إحداهما بحرية والثانية شرقية، وبالأولى المدخل وبالطرف الغربي منها حوض لسقي الدواب وبقايا أبنية أخرى، وبالطرف الشرقي سبيل يعلوه كتاب، وتقوم إلى جانب المدخل منارة لا تختلف كثيرًا عن المنارات التي شيدت في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي).

وجميع الكتابات المحفورة في الحجر أو الخشب تتضمن آيات قرآنية واسم المنشئ وتاريخ الإنشاء سنة 900 هجرية. وأرضية الصحن تعتبر من النماذج الجميلة للأرضيات الرخامية، ويحيط بإيوان القبلة وزرة من الرخام الملون، يتوسطها محراب رخامي بجواره منبر من الخشب دقيق الصنع، وبأعلاها شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون.

سرقة أثرية

أكدت عضو حملة “انقذوا القاهرة”، سالي سليمان، أنه تم سرقة بعض حشوات كرسي المصحف بمسجد “مدرسة أزبك اليوسفي” عام 2014، بحارة أزبك المواجهة للمتنزه الواقع بجوار جامع أحمد بن طولون بالسيدة زينب في القاهرة.

كما تم إحباط محاولة لسرقة أخرى داخل المسجد وتصدى لهم القائمون على خدمة المسجد.

التراث المصري العريق رغم أهميته الحضارية والسياحية والأثرية، بات يعاني الإهمال والعشوائية، وبدلًا من أن تكون الكثير من المواقع الأثرية المهملة رسالة ترويج للحضارة المصرية عبر العصور، تحولت بفعل الإهمال والتعديات إلى صرخة استغاثة في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شواهد التاريخ الذي أصبح محاصرًا بمظاهر الفوضى.

وما يزال الإهمال- بين الحين والآخر سرقات وقمامة- يضرب الكثير من الآثار المصرية، ولا يزال المسئولون يجهلون قيمة هذه الآثار التاريخية كجزء هام من تاريخ مصر ومصدر دخل قومي؛ فأصبحت القاذورات وإهمال فنون العمارة هي متصدرة المرحلة في المنشآت التاريخية.