بلد المشانق المعلقة.. إعدام «حسيني» يُعجل بقصقصة أجنحة إيران

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

انتهاكات لحقوق الإنسان، تتبعها وحشية في التنفيذ لأحكام وأدلة ربما صدرت عن اعترافات منتزعة تحت الضغط والتعذيب وغيرها من ضروب سوء المعاملة، لينتهي المشهد داخل السجون الإيرانية، بجثث معصوبة الأعين، معلقة على مشانق متدلية، تفوح منها رائحة الموت، وتحيط بها آهات ما قبل الوداع الأخير.

السلطات الإيرانية دائمًا ما تضع هذه المشاهد نصب أعينا، وكأنها تتلذذ بمواصلة عمليات الإعدام بحق السجناء واحدًا تلو الآخر، كرسالة ترهيب لكل المعارضين الذين ينتقدون النظام في الداخل، ولكنها لم تتعظ مطلقًا بثورات البلدان الأخرى، ضاربة بنتائجها عرض الحائط، حيث تبقي على انتهاجها لأبشع وسائل انتهاكات حقوق الإنسان، كان آخرها إعدام مصارع رياضي جديد، وساسة آخرون.

إعدام جديد يدق ناقوس الخطر

لم تلبث النيران التي أشعلها النظام الإيراني، بإعدام المصارع الرياضي نافيد أفكاري، داخل سجن عادل آباد في 12 سبتمبر الماضي أن تهدأ، إلا واشتعلت من جديد بأفعال إجرامية وأحكام بالإعدام، نفذتها بالفعل في الشهر الأول من العام الجديد2021.

فبعد مرور نحو خمسة أشهر فقط من إعدام أفكاري، وعلى الرغم من الاحتجاجات والدعوات المحلية والدولية الواسعة التي يواجهها النظام الإيراني حاليًا، إلا أن سلطاته أعدمت صباح أمس الإثنين، بسجن دزفول، مصارعًا إيرانيًا آخر يدعى مهدي علي حسيني، من مواطني أنديمشك، بمحافظة خوزستان جنوب غربي إيران.

وبحسب وكالة “هرانا”، المعنية بحقوق الإنسان، فإن حسيني بطل رياضي في الملاكمة، يبلغ من العمر 29 عامًا، وتم سجنه بمزاعم ارتكابه جريمة القتل العمد، أثناء قتال جماعي.

وفي هذا السياق، كانت لجنة الرياضة التابعة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، قد دعت في 14 يناير الجاري، المجتمع الدولي، وخاصة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واللجنة الأولمبية الدولية، إلى اتخاذ إجراءات فورية لإنقاذ حياة حسيني، ولكن دون جدوى.

وفور إعدام حسيني، أدان عدد من المنظمات الحقوقية هذا القرار، نظرًا لعدم كفاية الأدلة التي تثبت تورطه في تلك الجريمة، معتبرين أن استباحة أحكام الإعدام من قبل نظام الملالي سيعمل على إهدار دم الشعب الإيراني بتهم ملفقة.

وفي هذا الصدد، قالت الخبيرة الإيرانية في حقوق الإنسان، مريم معمار صادقي -في تصريحات لصحيفة “جوروزاليم بوست”- إن “علي خامنئي وأتباعه يريدون تخدير الجميع لقمعهم، وذلك من خلال إعدام المزيد على الرغم من الغضب العالمي”، مضيفة: “النظام يفتقر إلى الشرعية لدى المواطنين، لذلك يستخدم القوة كوسيلة للبقاء، ولكن لن يستمر له ذلك لفترة طويلة؛ فالشعب الإيراني عازم أكثر من أي وقت مضى على الإطاحة بالنظام بطريقة سلمية”.

ومن جانبه، غرد سردار باشاي، بطل العالم في المصارعة، بالفارسية: “تم إعدام مهدي علي حسيني، مصارع شاب من أنديمشك، ها هي إيران ، أرض الموت والحبل والرصاص”.

جاءت هذه الإدانات مماثلة تمامًا، لتلك التي وجهت للسلطات الإيرانية، وقت إعدام المصارع نافيد أفكاري”27 عامًا” الذي حُكم عليه بالموت، بسبب احتجاجه على الفساد السياسي والاقتصادي المتزايد في البلاد، ومن ثم اتهامه بقتل حارس أمن خلال احتجاجات 2018، الأمر الذي نفاه قبل تنفيذ الحكم، مؤكدًا على إنها اعترافات انتزعت منه تحت وطأة التعذيب.

ورغم النداءات الدولية الداعية إلى وقف إعدامه آنذاك، لكن مشانق الملالي نفذت الحكم بسياسة اللامبالاة، الأمر الذي يجعل من قضية “حسيني” ناقوسًا يُنذر المجتمع الدولي بتزايد الخطر.

مشانق الملالي.. جرائم تتزايد

وفي جرائم مماثلة، لم يكن “حسيني” هو الأول بعد إعدام أفكاري، بل اختتمت السلطات الإيرانية، عام 2020، بإعدام محمد حسن رضائي، في سجن لاكان برشت شمال إيران، بعد أن نُقل إلى الحبس الانفرادي في 30 ديسمبر لانتظار تنفيذ الحكم.

ورغم نداءات المنظمات الحقوقية في العالم، بعد إعدام رضائي، بدأت سلسلة إعدامات الملالي مبكرًا مع دخول عام 2021، بإعدام 3 سجناء سياسيين سرًا في سجن “وكيل آباد” في مشهد مركز محافظة خراسان، بتهمة “الحرابة” لانضمامهم إلى “تنظيم سني سري”.

وأفادت وكالة “هرانا” التابعة لجمعية نشطاء حقوق الإنسان الإيرانيين، أن الحكم قد نفد ضد كل من حمید راست بالا، وکبیر سعادت جهاني، ومحمد علي آرایش، حتى دون السماح بزيارة أخيرة لعائلاتهم.

وبحسب الوكالة، فإن السجناء الثلاثة اعتقلوا مع ستة سجناء آخرين في عام 2015 من قبل الاستخبارات الإيرانية، واتهموا في المحكمة الثورية في مشهد بـ”الحرابة” من خلال العضوية في “جبهة التضامن الوطني للسنة في إيران”، مشيرة إلى أنهم تعرضوا للتعذيب أثناء التحقيق لعدة أشهر، تم خلالها انتزاع اعترافات قسرية تلفزيونية منهم.

أرقام قياسية

منظمات حقوق الإنسان الدولية، أدرجت إيران كواحدة من أعلى ثلاث دول تشهد أعلى عدد من الإعدامات في العالم، إذ يتم تنفيذ أكثر من 51% من إعدامات العالم فيها.

وفي هذا الصدد، أصدر حقوقيين العديد من التقارير، التي تشير إلى أوضاع حقوق الإنسان في إيران لعام 2020، والتي تم التحذير فيه من تزايد الإعدامات والقمع والانتهاكات الممنهجة.

وأشارت التقارير إلى أنه خلال عام 2020 نُفذت 236 عملية إعدام شملت اثنتان منها قاصرَين كانا تحت سن 18 وقت ارتكاب الجريمة.

وليس هؤلاء هم من قضي عليهم بالإعدام وحدهم، إذ سجل مركز “IranHrdc” لحقوق الإنسان نحو 123 حالة إعدام أخرى في إيران موثقة بالاسم ووقت تنفيذ الحكم.

ومن جانبها، أكدت جمعيات حقوقية إيرانية، أن نحو 72 % من أحكام الإعدام، التي تنفذها إيران، تتم بشكل سري، دون الإفصاح عنها من قبل السلطة القضائية بزعم التعتيم عليها لتجنب الانتقادات الدولية التي توجه لها.

وعلى ذكر هذه الأرقام القياسية، يذكرنا الأمر، بموجة الإعدامات الجماعية التي شدتها إيران عام 1988، بفتوى صادرة عن مرشد الثورة آنذاك، روح الله الخميني، والتي راح ضحيتها الآلاف من السجناء السياسيين المعارضين، ومن بينهم أطفال لم يتعدوا الـ16 من أعمارهم.

المجتمع الدولي وحقوق الإنسان

الجرائم الموثقة، وتزايد حدة الانتهاكات، وضعت نظام الملالي بلا شك بين فيكي المجتمع الدولي وحقوق الإنسان، فالإفلات من العقاب يجب أن ينتهي، وقرارات المجتمع الدولي بشأن اعتماد إصلاحات حقوق الإنسان التي طال انتظارها وتنفيذ تحسينات ملموسة في إيران، يجب أن لا تتأخر، كما يرى الحقوقيون.

ففي ديسمبر 2020، دعت منظمات حقوقية محلية وإقليمية ودولية حول العالم، في رسالة مشتركة لجميع أعضاء البعثات الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، إلى دعم الدول الأعضاء لقرار في الجمعية العامة بالأمم المتحدة، يعالج انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

ويمنح القرار الجمعية العامة فرصة مطلوبة لتقييم حالة حقوق الإنسان في إيران، بما في ذلك القمع الوحشي للاحتجاجات على مستوى البلاد في نوفمبر 2019.

كما يشكل فرصة للمجتمع الدولي للتعبير عن قلقه بشأن الجرائم المستمرة والتعديات المتصاعدة على القانون الدولي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات الإيرانية، ووضع حد لإفلاتها الممنهج من العقاب.

في نهاية الأمر، الخروج من أزمة مشانق إيران، والعودة لمحاكمات عادلة يتطلب النظر لملف الانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان في إيران بشكل أكثر حزمًا، وإحالته إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لمحاسبة نظام الملالي على تلك الجرائم التي لن تسقط بالتقادم.

ربما يعجبك أيضا