استباحة ميلشيا الحوثي لـ«نساء اليمن».. أوضاع مزرية أخلت بميزان العدالة

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

معاناة وحقوق ضائعة، عنف قائم وانتهاكات جسيمة، جرائم متتالية لميلشيا إرهابية أخلت بميزان العدالة وأفرزت قيمًا مغايرة لحقوق الإنسان بترويع النساء واختطافهن، فضلًا عن حرمان المجتمع والأجيال من دورهن وخدماتهن في التعليم والصحة والمستقبل السياسي.

التمييز ضد نساء اليمن من قبل ميلشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، بلغ أقصاه ضاربًا بالقوانين الإنسانية عرض الحائط، وكأن إرهابه الدامي بات يتلذذ بتفاقم تلك الانتهاكات التي تسلب المرأة أبسط معاني العزة والكرامة، واقتادتها لسجون سرية، ومارست بحقها شتى ألوان التعذيب النفسي والجسدي، في انتهاك سافر وغير مسبوق للقيم والتقاليد اليمنية التي تحرم المساس بالمرأة.

أوضاع مأساوية

لم تسلم المرأة اليمنية من بطش الإرهاب، على مدار 6 أعوام منذ نكبة الانقلاب الطائفي واجتياح صنعاء في 21 سبتمبر عام 2014، والتي أثمرت عن تفشي فصائل ومليشيات حاكمة، أسقطت بدورها العديد من الضحايا وشردت الآلاف داخل البلاد.

المرأة التي يُحرم المساس بها في كل الأعراف والقيم، جعل منها إرهاب الحوثي مادة دسمة لعرض مسلسل انتهاكاته الجسيمة بحق المدنين بشكل عام، وبحق النساء على وجه التحديد، إذ لم يكتف بنهب مرتباتهن وقذفهن وأطفالهن إلى الفقر المدقع، بل أذاقهن شتى أنواع التعذيب من اعتقال وتحرش جنسي، فضلًا عن إجبار بعضهن على التجنيد وحمل السلاح، في شكل أشبه بإبادة جماعية لشعب اليمن المسالم.

وفي حقيقة الأمر، يُعد استنزاف وانتهاك كرامة النساء اليمنيات على هذا النحو، بيئة خصبة للإرهاب الذي يسعى لطمس هوية المجتمع اليمني وفرض هوية طائفية دخيلة عليه، لذلك ما تزال المرأة اليمنية تدفع ثمن فاتورة تلك الحرب إلى الآن، إذ أصبحت إما مقتولة أو أرملة أو متسولة نتيجة لتدهور الأحوال الاقتصادية هناك.

إذلال ممنهج

وبخلاف كل تلك الجرائم المشينة، يحاول إرهاب الحوثي وضع خطة إذلال ممنهجة لمعاداة المرأة، وقمع النساء اللواتي يعارضن الحوثيين ببعض الممارسات الأخرى، كالتجسس والإيقاع بالخصوم، ورصد الآراء وملاحقة الناشطات في الجلسات الخاصة وأماكن العمل، فضلًا عن تحجيم مشاركة المرأة بالعمل في المجالات الحيوية والمؤثرة، وقد كان.

البداية، جاءت عندما شرعت ميلشيا الحوثي الانقلابية بمنع عمل المرأة في العديد من المجالات العامة، والقطاعات الخاصة، بوضع قيود للحقوق والحريات في مناطق سيطرتها شمال اليمن، إذ وجدت العاملات من النساء في عدة مطاعم في صنعاء -على سبيل المثال- أنفسهن في مرمى هجوم جديد، حيث تم إرغامهن بقوة السلاح على ترك العمل وتحذيرهن من الاعتقال.

ومن ثم داهمت ميلشيا الحوثي، على مدار اليومين الماضيين، العديد من المطاعم الكبيرة التي توظف الإناث في صنعاء، واعتقلت ملاكها بحجة تخصيص أقسام غير مرئية للعائلات، وتوظيف إناث في نافذة الاستقبال، وذلك في أعقاب حظر غير معلن على عمل المرأة، إلا في مجالات محددة.

وكذلك، أبلغت ميلشيا الحوثي ملاك مراكز تجارية، والعديد من الصيدليات أيضًا بضرورة تسريح العاملات النساء منعًا للاختلاط والسلوك المخالف للهوية الحوثية.

وفي هذا الصدد، طالب معمر الإرياني، وزير الإعلام اليمني، مساء أمس السبت، المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان المعنية بالمساواة وتمكين وحماية المرأة بإدانة الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها ميلشيا الحوثي الإرهابية بحق النساء في مناطق سيطرتها باليمن.

وأشار الإرياني إلى أن تلك الانتهاكات لم تقتصر على منعهن من العمل في المطاعم، بل حرمانها من العمل في غالبية القطاعات الحكومية، وتدمير القطاع الخاص ومعه آلاف فرص العمل، والدفع بالآلاف منهن إلى رصيف البطالة والفقر.

وتأكيدًا لرفض تلك الانتهاكات، قال النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إن عدم السماح بعمالة المرأة في المنشآت الخاصة هو “إرهاب أسود”، ويدفع الفتيات والنساء الفقيرات للعمل ضمن “الزينبيات” القوة النسائية للحوثي بدلًا عن سوق العمل.

حرب لا إنسانية

وفي واحدة من أبشع صور تقييد الحريات الإنسانية، ناهض الحوثيون وبشدة أدوات تنظيم الأسرة ضمن هجمة شرسة على نساء اليمن، للسيطرة على إنجاب المرأة عبر فرمانات صدرت مؤخرًا تزامنًا مع حملات تحرض ضد عمل النساء وتدعو لمضاعفة الإنجاب وزيادة عدد السكان رفضًا لما وصفته “مخططات الغرب” الرامية إلى الحد من النسل.

وعندما أصدرت مليشيا الحوثي عن طريق ما يعرف بوزارة الصحة التابعة لحكومة الانقلاب، خلال الساعات الماضية، قرارًا لكافة المرافق الطبية بمنع استخدام وسائل الصحة الإنجابية وتنظيم النسل المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية، باتت حملة الإذلال الممنهجة تتضح أكثر فأكثر، لتكتمل الصورة بوضع أعباء إضافية لمعاناة كبيرة كانت ولا تزال المرأة اليمنية هي بطلها الأول والأخير.

وعلى الفور، ندد حقوقيون بمثل تلك الحملات الممنهجة، فيما اشتعلت مواقع التواصل بموجة من الغضب العارم بشأن تلك الفرمانات الحوثية، معتبرين أن ذلك في الأساس هي سياسة إيرانية بحتة، إذ ربط النشطاء تعسف ميلشيا الحوثي بالتوجيهات التي صدرت الأسبوع الماضي عن المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، بشأن زيادة النسل وعدد المواليد في مناطق إيرانية محددة، لكن الانقلابيين عممت ذلك على كافة المناطق الخاضعة لسيطرتها.

من جانبها، نددت منظمة العفو الدولية بقرارات الحوثيين التي تستهدف النساء واعتبرت ذلك “مخزي وتمييزي”، مؤكدة الوقوف مع كل النساء في كفاحهن ونضالهن من أجل حقوقهن في اليمن.

أما الائتلاف النسوي اليمني فقد ندد بمنع ميلشيا الحوثي بيع وسائل منع الحمل، وكذلك إلغاء المشورة في المرافق الصحية، واعتبره انتهاك مباشر لحريات وحقوق النساء وصحتهن الإنجابية، مشيرًا إلى أن الحقوق الإنجابية تعني أن تكون المرأة قادرة على اتخاذ قرارات حياتها وأعداد أطفالها.

حقوق الإنسان والمجتمع الدولي

الوضع المؤلم الذي يعيشه اليمن حاليًا يتلخص في التقارير والإحصائيات التي تكشف عن وجه الإرهاب الحقيقي الذي تتبعه ميلشيا الحوثي داخل البلاد.

فعلى سبيل المثال، وثقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، 334 انتهاكًا لحقوق الإنسان في منطقة “الحيمة” بمديرية محافظة تعز، كانت قد ارتكبتها ملييشيا الحوثي الإرهابية، خلال الفترة من 6 وحتى 11 يناير الجاري.

فيما أكد مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن، أن ميلشيا الحوثي، تحتفظ بمئات النساء في سجونها بعد خطفهن، فيما تخفي العشرات منهن في معتقلات سرية، مشيرًا إلى أن فريقه الميداني رصد ووثق اختطاف الميلشيا الحوثية إلى ما يقارب 300 امرأة، انتهى بهن الأمر إلى الجلوس خلف القضبان، بينهن 100 ناشطة سياسية وحقوقية وإعلاميات، وحوالي 45 امرأة في حالة إخفاء قسري.

ومن جهتها، أوضحت رابطة أمهات المختطفين، وهي منظمة مجتمعية، تعمل من أجل الإفراج عن المختطفين المدنيين والمخفيين قسرًا، أن الميلشيا الحوثية غيبت في سجونها ومعتقلاتها السرية، 157 امرأة في عامين فقط.

توثيق لعدة أيام قليلة، كفيل أن يجسد الأوضاع والويلات التي تشهدها الساحة اليمنية الآن، الأمر الذي أظهره الحقوقيون اليمنيون في اتهامهم اليوم، لميلشيا الحوثي بشن حرب وحشية على اليمنيين منذ 6 أعوام، كانت قد تسببت بأسوأ كارثة إنسانية في العالم، إضافة إلى الجرائم والانتهاكات البشعة ضد المدنيين، بما فيهم الصحفيون والنشطاء والنساء والأطفال، والتي وثقتها منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية وفريق الخبراء التابع لمجلس الأمن وفريق الخبراء البارزين المكلف من المجلس الدولي لحقوق الإنسان.

ومن ثم أعلنت 30 منظمة يمنية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، عن تأييدها لتصنيف ميلشيات الحوثي، المدعومة من إيران، على لوائح الجماعات الإرهابية، حيث عدت هذا التصنيف أداة ضغط من شأنها أن تدفع الحوثي للتوقف عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان وخاصة فيما يخص النساء، والانصياع للقرارات الدولية.

في نهاية الأمر، فإن الانتهاكات الحوثية المتصاعدة في مناطق سيطرة الجماعة، وبالأخص فيما يتعلق بالقمع المنظم ضد النساء، لم تتوقف أبدًا إلا بالعمل المشترك للمجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية من أجل تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومن ثم إحداث تغيير إيجابي في واقع المرأة اليمنية والحد من انتهاك حقوقها الإنسانية، خاصة بعدما وصف المشهد هناك بـ”جريمة حرب”.

ربما يعجبك أيضا