عبدالستار قاسم.. رحيل فارس الكلمة في فلسطين

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

توفي المفكر والأكاديمي الفلسطيني البارز عبدالستار قاسم، مساء اليوم الإثنين، متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا في نابلس.

وكان قاسم أصيب قبل أيام بفيروس “كورونا”، وتم إدخاله إلى قسم العناية المكثفة في مستشفى النجاح الوطني.

عبدالستار قاسم، طوال سنوات نضاله للتضييق من سلطات الاحتلال الإسرائيلي تارة ومن قبل السلطة الفلسطينية تارة أخرى، وهو له رصيد نضالي مقاوم ضد الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي من خلال كتاباته، ولعل أكثر ما عرضه للمتاعب طوال حياته، أنه يصدع بالحق مهما كانت العواقب ومهما كان التيار جارفًا، فقد انتقد نهج أوسلو، ورفض نهج التسوية والمفاوضات السياسية بين حركة فتح ودولة الاحتلال، ووقف ضد الفساد في أروقة السلطة الوطنية الفلسطينية ودوائرها المتعددة، لذا فكان من الطبيعي أن يتعرض للكثير من الاتهامات والتحقيقات والملاحقات السياسية من قبل أمن السلطة، التي أودعته السجن أكثر من مرة.

وسبق أن تعرض قاسم -الذي يُعرف بمعارضته السلطة الفلسطينية– لثمانية اعتداءات بين الضرب وإطلاق الرصاص المباشر عليه وحرق مركبته، إضافة لعشرات رسائل التهديد.

نشأته وتحصيله العلمي

ولد الدكتور عبد الستار توفيق قاسم الخضر في دير الغصون بطولكرم الفلسطينية عام الـ1948م، الأكاديمي والمفكر والمحلل الفلسطيني، وأستاذ العلوم السياسية والدراسات الفلسطينية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة ولاية كنساس الأمريكية، ثم درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة ميزوري الأمريكية، ثم الدكتوراه في الفلسفة السياسية من جامعة ميزوري أيضًا عام 1977. ورتبته الأكاديمية بروفيسور في جامعة النجاح، وأستاذ مساعد في الجامعة الأردنية عام 1978، وأنهيت خدماته بعد سنة ونصف (عام 1979) لأسباب سياسية على إثر اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان، وسابقًا أستاذ في جامعة بيرزيت، وجامعة القدس.

صدر له من الكتب 25 كتابًا، وكتب حوالي 130 بحثًا علميًّا، وآلاف المقالات، له العديد من الكتب منها:

“الفلسفة السياسية التقليدية، سقوط ملك الملوك (حول الثورة الإيرانية)، الشهيد عز الدين القسام، مرتفعات الجولان، التجربة الاعتقالية، أيام في معتقل النقب، حرية الفرد والجماعة في الإسلام، المرأة في الفكر الإسلامي، سيدنا إبراهيم والميثاق مع بني إسرائيل، الطريق إلى الهزيمة، الموجز في القضية الفلسطينية، وكتب العديد من الأبحاث حول مواضيع مختلفة في السياسة كأمركة العرب والمقاومة الفلسطينية والفكر السياسي الإسلامي والعولمة”.

اعتقالات ومحاولات اغتيال

اعتقله الاحتلال عدة مرات منها أربع فترات إدارية خلال الانتفاضة 1987، ومنها مدد قصيرة خضع فيها للتحقيق في الزنازين. دوهم منزله في نابلس وفي دير الغصون عدة مرات ووُضع تحت الإقامة الجبرية، ومُنع من السفر لحوالي سبعة وعشرين عامًا، ووجهت ضده ثلاث تهم تحريض.

كما تعرض لمحاولة اغتيال عام 1995 وأصيب بأربع رصاصات. واعتقلته السلطة الفلسطينية عام 1996 لأسباب غير معروفة، وعام 1999 على خلفية بيان العشرين، وعام 2000 لأسباب غير معروفة. وقد قام عناصر من الأمن الوقائي الفلسطيني لمحافظة طولكرم بإحراق سيارته عام 2005.

واعتقله جهاز الأمن الوقائي التابع لسلطة حركة فتح في الضفة الغربية بعد أن دهم منزله مساء الإثنين 20/4/2009 م ، مواجهًا قضية تشهير لتصريحات أدلى بها عبر محطات تلفزة فضائية منها قناة الأقصى الفضائية وتم توجيه تهمة له بهذا الشأن.

واعتقل بعدها في أغسطس, 2011، بعد ساعات على بيان عدة أطر فتحاوية تطالب بملاحقته، أصدرت النيابة العامة في مدينة نابلس قرارًا باحتجازه ليومين (48 ساعة) بناء على شكوى تقدم بها رئيس جامعة النجاح الوطنية رامي الحمد الله، وذلك على خلفية كتابته مقال حمل عنوان “بين إدارة النجاح والقضاء الفلسطيني” بتاريخ 22/08/2011.

ثم حاولت السلطة محاكمته ومَثل أمام محكمة فلسطينية بتهمة القدح والذم بحق أحد أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمدينة نابلس.

وكانت هناك ردود فعل لاعتقالاته: حيث استنكرت حركة الأحرار الفلسطينية اعتقال عبد الستار قاسم وطالبت أجهزة أمن السلطة في رام الله بإطلاق سراحه فورًا والكف عن سياسة الاستدعاءات والاعتقالات للرموز الوطنية. أما المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فقد استهجن ملاحقة الأجهزة الأمنية له ويشكك بأن خلفية الاعتقال سياسية. وطالبت رابطة أدباء الشام بحريته.

كما عاد الاحتلال واعتقله أثناء معركة “العصف المأكول” مع فصائل قطاع غزة، ثم تم الافراج عنه يوم الإثنين 21/7/2014 بعد اعتقال لمدة أسبوع.

محاولة اغتياله الأخيرة

كما هاجم مسلحون مجهولون في يوم 5/8/2014 م الدكتور عبد الستار قاسم، وأطلقوا عليه النار بهدف “اغتياله وتصفيته” إلا أن محاولتهم باءت بالفشل بعد فراره من بين أيديهم، ووقعت محاولة “الاغتيال” كما وصفها الدكتور قاسم على بعد مائتي متر من منزله في منطقة نابلس الجديدة شمال الضفة الغربية، حيث هاجمه ثلاثة شبان ملثمين -كانوا يستقلون سيارة تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية- بينما تهيأ للوقوف لتصعد زوجته بالمركبة.

الاعتقال الأخير وكيدية الاتهامات

أما الاعتقال الأخير فكان على أيدي أجهزة الأمن الفلسطينية في مدينة نابلس، حيث اعتقل، في 2016، من منزله في حي “نابلس الجديدة” بالمدينة، وقد اتهمته حركة فتح بأنه دعا لتنفيذ حكم الإعدام بحق رئيس السلطة، محمود عباس، ورؤساء الأجهزة الأمنية، خلال مقابلة أجريت معه عبر “فضائية القدس”.

عبد الستار قاسم، نفى أنه حرّض على قتل الرئيس عباس وقيادات الأجهزة الأمنية. وأفاد قاسم في بيان صحفي له، بأنه “لم يدعُ إلى قتل أحد، وأن من ردد هذه العبارات “التلفزيون الفلسطيني الرسمي”، مؤكدًا أن ما جاء في البرنامج هو «كذب ولا أساس له”.

وفي 2017 برأت محكمة صلح نابلس، عبد الستار قاسم، من الاتهامات الموجهة ضده، وبرر القاضي، قراره بأن ما قاله قاسم في مقابلته مع فضائية القدس كان ضمن حرية الرأي المكفولة بالقانون.

ربما يعجبك أيضا