في كوبا.. الوباء ينتصر على الشيوعية ويعيد القطاع الخاص إلى الحياة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

في تحول جذري ومفاجئ أعلنت كوبا، مطلع الأسبوع الجاري، السماح للقطاع الخاص بالعمل في معظم قطاعات الاقتصاد، وذلك بعد عقود طويلة من هيمنة الدولة على مفاصل الاقتصاد واحتكارها تقريبًا لكافة الأنشطة الاقتصادية، يأتي هذا التحول في وقت تصارع فيه الجزيرة التي تمثل آخر معاقل الشيوعية في العالم أعمق أزمة اقتصادية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.

من أجل إنقاذ الاقتصاد

وافق مجلس الوزراء الجمعة الماضية على مقترح أعُلن عنه في أغسطس 2020 بزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بالبلاد، وقالت وزيرة العمل مارتا إلينا فيتو – في تصرحيات نقلتها “فرانس برس” وصحيفة غرانما التابعة للحزب الشيوعي الحاكم- إنه بدلاً من السماح بمشاركة القطاع الخاص في 127 مهنة فقط، ستسمح الحكومة من الآن بموجب التنظيم الجديد بممارسة العمل الخاص في أكثر من ألفي نشاط، ولن يكون هناك سوى 124 نشاطًا مقيّدا بشكلٍ جزئي أو كامل من قبل الحكومة.

وأوضحت أن الهدف من هذه الإصلاحات هو تطوير القطاع الخاص والمساعدة في تحرير القوى المنتجة الخاصة، لافتة إلى أن هذا القطاع تحديدا تأثر بشكل قوي بالعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فضلا عن تداعيات جائحة كورونا، ما دفع كثيرون إلى تعليق تراخيصهم، وتفيد أرقام رسمية بأن 40% من مجمل التراخيص علقت منذ يناير 2020.

يعمل حاليًا في القطاع الخاص أكثر من 600 ألف كوبي ما يمثل نحو 14,5% من السكان العاملين في هذه الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 11,2 مليون نسمة.

ومنذ الثورة الاشتراكية التي قادها فيدل كاسترو في 1959 تسيطر الدولة على مفاصل الاقتصاد الكوبي بكامله، وفي تسعينيات القرن الماضي بدأ السماح بشكل خجول للقطاع الخاص بالعمل في بعض الأنشطة الاقتصادية التي تحدد من قبل الدولة، وتدريجيا وصل عدد هذه الأنشطة إلى 127 نشطا أبرزها السياحة والنقل والزراعة.

وتحت وطأة “كورونا” انكمش الاقتصاد الكوبي بنسبة 11 % خلال 2020، مسجلا أكبر تراجع  منذ ثلاثة عقود، وعانى الكوبيون نقصا في السلع الأساسية دفع الحكومة إلى اللجوء إلى شركات القطاع الخاص لاستيراد السلع الناقصة بالتنسيق مع شركات حكومية، أما الآن في ظل التنظيم الجديد ستكون الشركات الخاصة على قدم المساواة مع نظيرتها الحكومية من حيث الوصول إلى السوق بمنتجاتها دون الحاجة إلى الوسيط الحكومي.

وضاعف من معاناة الاقتصاد الكوبي العقوبات الأمريكية التي أعاد تفعيلها ترامب بعد تجميدها في عهد باراك أوباما تحديدا في العام 2015، وكان ترامب قد فرض عقوبات جديدة على كوبا خلال 2020 وقبل مغادرته البيت الأبيض مطلع العام الجاري أعاد كوبا إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب، وحزمة العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب في سبتمبر الماضي فقط كلفت كوبا خسائر مالية بنحو 5.6 مليار دولار.

خطوة إيجابية على الطريق الصحيح

لنحو 62 عاما تمتع الكوبيون بدعم لا محدود من الحكومة وصل إلى حد دعم السجائر وتوزيع السلع الأساسية بشكل مجاني بالكامل، ما سمح بزيادة العاطلين عن العمل “اختياريا”، لكن يبدو أن هذه الصورة في طريقها لتغيير جذري فمنذ يناير 2021 اتخذت الحكومة خطوات إصلاحية عاجلة لإنقاذ الاقتصاد كان أبرزها رفع الدعم عن بعض المنتجات وتخفيضه عن أخرى، وإلغاء نظام العملة المزدوجة، الأمر الذي دفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، فمع بدء سحب “البيزو القابل للتحويل” الذي يطلق عليه “كوك” ويتساوى مع سعر الدولار بدأ التعامل في البلاد بعملة البيزو الكوبي الموحد “كوب” فقط والذي تقل قيمته عن “كوك” بـ24 مرة”، وبالتالي سعر صرفه أمام الدولار هو 24 بيزو للدولار الواحد.

والآن قررت الحكومة في خطوة وصفت بالتاريخية السماح بمشاركة أوسع للقطاع الخاص، يقول الخبير الاقتصادي في جامعة هافانا ريكاردو توريس – في تصريح لـ”فرانس برس”- إن تحرير القطاع الخاص يعد خطوة إيجابية جدا وإن جاءت متأخرة، مضيفا “كان من الضروري أن يترافق توحيد العملة مع إجراءات مثل هذه الخطوة لخلق فرص العمل أكثر مرونة وفي القطاع الخاص بالتحديد، حيث يمكن أن يكون هناك مصدر مهم للوظائف”.

إذن خطوة كوبا لفتح أبوابها أمام القطاع الخاص ستساهم في:

-خلق وظائق جديدة.

-السيطرة على التضخم.

-منح الحكومة هامش من الحرية للمضي قدمًا في إعادة هيكلة الشركات الحكومية “الخاسرة”.

-الحد من مظاهر البيروقراطية المعرقلة لنمو الأعمال.

بافيل فيدال المسؤول السابق بالبنك المركزي الكوبي قال – في تصريحات لـ”فانيشال تايمز”- في البداية الأمر لن يكون سهلا على شركات القطاع الخاص الجديدة بسبب البيئة المعقدة التي سيعملون فيها وتراجع احتياطي النقد الأجنبي لكن مع الوقت الأمور ستصبح أفضل مع تحرك الحكومة في اتجاه تعزيز مشاركة هذا القطاع.

كوبا وإدارة بايدن

كما قلنا العقوبات الأمريكية كان لها دور في الضغط على الاقتصاد الكوبي، الآن مع وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، تأمل هافانا في إلغاء هذه العقوبات أو بعضها والعودة إلى الإنفراجة التي حققتها إدارة أوباما.

جون كافوليتش ​​رئيس مجلس التجارة والاقتصاد الأمريكي الكوبي قال –في تصريح لـ”فاينشال تايمز”- إنه إذا نجحت  خطوات هافانا لتحرير سعر الصرف وتوسيع مشاركة القطاع الخاص، فإن هذا سيمثل حافزا لواشنطن لإعادة تطبيع العلاقات، بمعنى أن بايدن في حاجة لأن يرى مزيدا من الجدية من إدارة  الرئيس ميغيل دياز كانيل بشأن إعادة هيكلة الاقتصاد.

سبق وأن أعرب بايدن عن رغبته في تحسين العلاقات مع كوبا، إلا أنه لم يتحدث عن الكيفية التي سيدير بها هذا الملف أو شروط هذا التحسين.

سيكون على كوبا خلال الفترة المقبلة، تحمل ألم الإصلاح الاقتصادي، ومن المتوقع أن يتضاعف عجز الميزانية ثلاث مرات تقريبًا إلى 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، يمول هذا العجز من قبل البنوك الحكومية، وبفعل العقوبات الأمريكية لا تسطيع كوبا اللجوء إلى صندوق النقد لتمويله، وإضافة إلى ذلك لدى كوبا ديون خارجية تقدر بأكثر من 18.3 مليار دولار وبالعام الماضي فشلت في سداد التزامات هذه الديون، لكن في حال نجحت خطواتها لتعزيز مشاركة القطاع الخاص والانفتاح على واشنطن فقد تتمكن من عبور الإصلاح الاقتصادي بأمان مع بعض الآثار الجانبية مثل تحرير سعر الصرف وتراجع قيمة العملة وخفض الدعم الحكومي وخصخصة بعض الشركات الحكومية.

ربما يعجبك أيضا