«نعلم جميعًا ما نواجهه».. ميانمار المنقسمة تتحد ضد الانقلاب

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

في الأسبوع الماضي، تولي جيش ميانمار السلطة، على وعد «بإعادة السلام الأبدي» إلى بلد تمزقه سبعة عقود من الصراع العرقي، ومنذ الاستيلاء عليها، أحرز تقدمًا ملحوظًا في توحيد الدولة المنقسمة بشدة ضد عدو مشترك هو “الجيش” نفسه.

7952 1

ميانمار تتحد

في يانغون أكبر مدن ميانمار، خرج المتظاهرون من جميع الأعمار والخلفيات إلى الشوارع، بما في ذلك ملكات الجمال، والرياضيون، جنبًا إلى جنب مع حيواناتهم الأليفة، ويحيي الغرباء بعضهم البعض بالتحية بثلاثة أصابع – رمز المقاومة ضد النظام – وتقدم الشاحنات رحلات مجانية للمتظاهرين، ويقوم الجيران بطهي الحمص بالكاري ليخرجوا منها إلى المارة، ويقوم المتطوعون بتوزيع المشروبات المرطبة للناس تحت أشعة الشمس الحارقة.

وفي مدينة مولامين الساحلية الجنوبية الشرقية، كسر كياو مين هتيكي، 25 عامًا، أحد أكبر المحرمات في ميانمار من خلال الاحتجاج علنًا باعتباره من الروهنجيا، الأقلية ذات الغالبية المسلمة من ولاية راخين التي تعرضت لحملة قمع وحشية شنها جيش ميانمار عام 2017، ووصفها محامو حقوق الإنسان بأنها إبادة جماعية.

يُنظر إلى الروهينجا على نطاق واسع في ميانمار على أنهم متطفلون من بنجلاديش ويطلق عليهم لقب “البنغاليين”، ومع ذلك، قال كياو مين هتيكي إن مجموعته لم تتلق “ردود فعل سيئة” عندما لوحوا لافتات كتب عليها “نحن (الروهنجيا) ندافع عن الديمقراطية”، مضيفا: “إن غالبية الناس يدركون أنه في أزمة وطنية، خرجت هذه المجتمعات المهمشة إلى الخطوط الأمامية، هذه هي روح المواطن، وبعد الاحتجاجات أعتقد أنه ستكون هناك وحدة أفضل بين الأغلبية والأقليات”.

عندما دافعت أونغ سان سو كي شخصيًا عن الجيش ضد اتهامات الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية في لاهاي في ديسمبر 2019، تجمعت حشود في مدن ميانمار لدعمها، لكن العديد من الروهنجيا، بدلاً من توجيه هذا الأمر ضدها، طالبوا بالإفراج الفوري عنها من الاحتجاز العسكري، فضلاً عن إطلاق سراح قادة آخرين من الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية.

قال كياو مين هتيكي: “إن الدفاع عن جيش التاتماداو أو إلقاء اللوم عليه وقبول مجتمع الروهنجيا هما قضيتان مختلفتان”، وعلى الرغم من أن النشطاء الشباب من الروهنيجا قد تم قبولهم جيدًا خلال هذه الأزمة، لا يزال هناك جزء كبير من السكان لديهم آراء سلبية بشأن الروهنجيا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمواطنة أو القبول كمجموعة عرقية وطنية”.

عرقية أخرى عانت بشدة بسبب الحملات العسكرية، وهي “الكاشين” شمال ميانمار، تظاهروا ضد الانقلاب في المدن في جميع أنحاء البلاد.

قال باحث تعليمي في شأن كاشين يبلغ من العمر 32 عامًا ومقره في يانغون، طلب عدم ذكر اسمه، إن مجموعات الأقليات العرقية كانت مترددة في البداية في الانضمام إلى الاحتجاجات بسبب وفرة أعلام الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وهتافاتها، حيث يشعر الناس في بعض المناطق الحدودية بالريبة من الحزب بسبب الانتقادات التي مفادها أنه فشل في تنفيذ إصلاحات الحقوق العرقية والفيدرالية.

وقال: “تعتقد معظم المنظمات العرقية المسلحة أنه لن يتم الاعتراف بها أبدًا، سواء تحت قيادة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية أو القيادة العسكرية، لكن غالبية الأشخاص العرقيين، بمن فيهم أنا، يوافقون على أن البلاد ستكون أسوأ في ظل الحكم العسكري”.

وأضافت أنه إذا عادت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية إلى السلطة، فسوف تمنح المزيد من الفرص لأقليات عرقية في المستقبل.

964837271 1

رمز المقاومة

مع توسع زخم الاحتجاجات، تبنى المتظاهرون تحية الأصابع الثلاثة شعارا لحراكهم، حيث رفع المحتجون المناهضون للانقلاب يدا ممدودة مع طي الإبهام والخنصر كشعار أول مرة في الثالث من فبراير، واقتصر ذلك في البداية على الفريق الطبي في نايبيداو.

واستوحى المحتجين الشباب، هذا الرمز من سلسلة أفلام “مباريات الجوع” (Hunger Games)، والذي انتشر أيضا بين كبار السن الذين لا يعرفون -في الأغلب- مغزى هذا الشعار.

ويكمن وجه الشبه بين احتجاجات ميانمار وسلسلة “مباريات الجوع”، في كون الشباب في هذه السلسلة ثاروا على القوة التي جسدها الدكتاتور الرهيب زعيم البلد الخيالي كوريولانوس إسنو، كما هي حال شباب ميانمار الثائرين على ما يرونه “طاغية” يريد وأد ديمقراطيتهم، بحسب مجلة “لوبوان” الفرنسية.

وقبل أن يصل هذا الشعار إلى يانغون أو نايبيداو، انتشر في شوارع تايلاند بعد انقلاب 2014، قبل أن يحظره المجلس العسكري هناك، ثم في شوارع هونج كونج خلال مظاهرات 2019 و2020.

وتتساءل “لوبوان” قائلة: “إذا كان ثوار “مباريات الجوع” تمكنوا في نهاية المطاف من التخلص من الرئيس القاسي “إسنو”، فهل سيتحول الخيال إلى حقيقة في ميانمار ويتخلص المحتجون من حكامهم القاسين؟”.

6022bd1fc858c.image 1

تحذير أممي

بعد خروج عشرات الآلاف إلى الشوارع لليوم الخامس على التوالي، حذر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بميانمار قوات الأمن في البلاد من أنها ستواجه المحاكمة، بموجب القانون الدولي، إذا استخدمت القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين.

وقال توم أندروز في بيان: “إنه انزعج من مستويات القوة المستخدمة في مواجهة المحتجين”، مشيرا إلى أن أفراد الأمن لن يستطيعوا تجنب الملاحقة القضائية باستخدام الدفاع بأنهم كانوا ينفذون أوامر من أعلى.

وتسبب استخدام الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، بإصابة امرأة شابة ترقد الآن على شفا الموت، والتي كانت من المفترض أن تحتفل بعيد ميلادها العشرين غدا الخميس.

وأشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بميانمار، إلى أن المئات من الاعتقالات التعسفية سجلت بعد الانقلاب في 1 فبراير، وإن بعض الناس كانوا محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي.

وأثار إطلاق النار على الفتاة، التي تعد أول ضحية تصاب إصابة خطيرة خلال الاحتجاجات، الغضب في جميع أنحاء البلاد، وحشد الدعم للحركة المناهضة للانقلاب، ورسم المتظاهرون صورة ضخمة لها في وسط مدينة يانغون، العاصمة التجارية لميانمار اليوم الأربعاء، وكتبوا على لافتة: “دعونا نناهض معا الدكتاتور الذي يقتل الشعب”.

وأعربت الأمم المتحدة عن “قلقها الشديد” إزاء أعمال العنف، وقال أولا المغرين، منسق الشؤون الإنسانية المقيم التابع للأمم المتحدة في ميانمار: “استخدام القوة غير المتناسبة في مواجهة المتظاهرين أمر غير مقبول”.

في جانب آخر، انضم العشرات من ضباط الشرطة في ولاية كايه الشرقية، إلى صف المتظاهرين مؤيدين قضيتهم، ونظموا مظاهراتهم الخاصة، وشارك نحو ما يصل إلى 40 ضابطا في المظاهرات، وشوهدوا فيما بعد وهم يحاولون حماية المتظاهرين من أفراد الشرطة الآخرين، بحسب “بي بي سي”

وحمل ضباط الشرطة المتظاهرون، ملصقات كتب عليها “نحن نقف مع الشعب”، و”لا نريد الديكتاتورية”.

ربما يعجبك أيضا