إسرائيل تخشى «الجنائية الدولية» وتلجأ للدول العظمى

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – في كيان تشكل الجرائم والانتهاكات فيه نهجًا يوميًا في تعاملها، مع الشعب الأصلي الذي تحتل أرضه، باتت إسرائيل اليوم في حالة من الذعر والتخبط خشية ما تقترفه يوميًا كمؤسسة رسمية ومؤسسات حكومية، وقطعان مستوطنين، في حال ما طبقت العدالة الدولية.

وبعد أكثر من سنة وثلاثة أشهر من البحث، حسمت المحكمة الجنائية الدولية ولايتها القضائية على أراضي دولة فلسطين، حيث تفتح هذه الخطوة الطريق أمام المدعي العام للمحكمة للشروع بتحقيق رسمي في ارتكاب إسرائيل حرباً محتملة ضد الفلسطينيين، وذلك في ظل رفض تل أبيب التعامل معها ومساندة واشنطن لها.

وفي قرار وصفه الفلسطينيون بالإنجاز التاريخي، لكنه جزئي، أقرت المحكمة الجنائية الدولية بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967، وذلك في ضوء انضمام دولة فلسطين إلى ميثاق روما الأساسي للمحكمة الدولية.

وجاء قرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بعد طلب المدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا، منها، البت في الولاية القضائية الإقليمية للمحكمة على فلسطين، قبل أن تبدأ بنسودا تحقيقها الرسمي في ارتكاب جرائم حرب محتملة.

وفي نهاية عام 2019 أعلنت بنسودا “توفر جميع المعايير القانونية لفتح تحقيق في ارتكاب جرائم حرب بالأراضي الفلسطينية”، مضيفة أن “لديها قناعة بأن جرائم حرب ارتكبت، أو ما زالت ترتكب في الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية وقطاع غزة”.

وجاء قرار بنسودا بعد فتحها في بداية عام 2015 تحقيقاً أولياً في شأن اتهامات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية في أعقاب حرب غزة عام 2014.

وينهي قرار الدائرة التهميدية للمحكمة الجنائية الدولية أكثر من سنة من البحث والنقاش القانوني، تخللتها ضغوط إسرائيلية أمريكية على المحكمة لرفض الولاية القضائية لها على الأراضي الفلسطينية باعتبار أنها ليست دولة، إضافة إلى كون إسرائيل ليست عضواً في المحكمة.

وقالت الدائرة إنه “بغض النظر عن وضع فلسطين بموجب القانون الدولي العام، فإن انضمامها إلى النظام الأساسي للمحكمة تم بصورة صحيحة ونظامية”، مضيفةً أن “فلسطين وافقت على إخضاع نفسها لشروط نظام روما، ولها الحق في أن تعامل مثل أي دولة طرف أخرى في الأمور المتعلقة بتنفيذ النظام الأساسي”.

ورداً على القول إن اتفاقية أوسلو تحد من نطاق الولاية القضائية الفلسطينية، رفضت المحكمة ذلك، مشيرة إلى أن تلك الأمور “يمكن النظر فيها عندما يقدم المدعي العام طلباً لإصدار أمر بالقبض على أشخاص أو استدعائهم للمثول أمام المحكمة”.

وبعد ساعات على قرار الدائرة التمهيدية، رحبت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بالقرار. وقالت إنها “تدرسه بدقة قبل أن تعلن قرارها حول الخطوات التالية، انطلاقاً من ولايتها المستقلة وغير المنحازة والتزاماتها بموجب نظام روما الأساسي”.

ومنذ خمس سنوات ترفع دولة فلسطين، ومؤسسات حقوقية فلسطينية معلومات في شأن “الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، بدءاً من الحرب على غزة في عام 2014، وقتل المدنيين وتهجيرهم القسري، والتطهير العرقي، بالإضافة إلى الانتهاكات في شأن الأسرى في السجون الإسرائيلية”.

ويحق لدولة فلسطين، والمؤسسات الحقوقية، وممثلي الضحايا، الادعاء على إسرائيل في المحكمة الدولية بعد قتح التحقيق الرسمي المتوقع خلال الفترة المقبلة.

فلسطين ترحب

ودعا وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي المدعية العامة إلى الإسراع بفتح التحقق الرسمي، بعد ما استكملت الإجراءات القانونية، معتبراً قرار المحكمة “إنصافاً جزئياً للضحايا، وانتصاراً للعدالة”.

وأعلن المالكي أن دولة فلسطين ستعمل خلال الفترة المقبلة على إبرام اتفاق مع المداعية العامة يحدد عمل فرق التحقيق وآلياتها، مضيفاً أن فلسطين ستستعين بمتخصصين قانونيين من الخارج.

وكانت دولة فلسطين قد طلبت من المحكمة التحقيق في 3 ملفات أساسية، وهي الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية المحتلة، والعدوان على غزة، ومعاملة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية.

وتعتبر الأمم المتحدة المستوطنات غير قانونية، بموجب القانون الدولي، وإحدى العقبات الرئيسية أمام السلام وحل الدولتين.

وكان مجلس الأمن قد أصدر في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، القرار رقم 2334، الذي يطالب بـ”وقف فوري لكافة الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وقبل بدء محكمة العدل الدولية في لاهاي النظر في قضية الجدار، كانت المحكمة العليا الإسرائيلية ترد جميع الالتماسات التي قدمت ضد الجدار من قبل المواطنين الفلسطينيين.

وبانضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية في الأول من نيسان/ أبريل 2015، عزز الوضع القانوني لدولة فلسطين وأصبح بإمكانها وبإمكان شعبها، وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وفي 16 كانون الثاني/ يناير 2015، أعلنت المدعية العامة للجنائية الدولية بدء الدراسة الأولية على أساس الإعلان الصادر بموجب المادة 12 (3).

وفي 22 مايو 2018 قدمت فلسطين إحالة رسمية كدولة طرف وكعضو في ميثاق روما الأساسي لفتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبت في الماضي وترتكب في نطاق أرض دولة فلسطين المحتلة.

وفي 22 يناير 2020 أعلنت المحكمة انتهاء الدراسة الأولية، وقالت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا في ديسمبر/ كانون الأول 2019 إن هناك “أساسا معقولا للاعتقاد بأن جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة”، تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية، وطلبت من الدائرة التمهيدية الأولى إصدار قرار قضائي بشأن نطاق الولاية الإقليمية للمحكمة الجنائية الدولية لإيضاح وتدعيم موقفها لتحديد الولاية الجغرافية للمحكمة.

وتترقب فلسطين الآن، قيام الجنائية الدولية بفتح تحقيق بـأكثر من 55 بلاغا رفعت لمكتب المدعي العام في المحكمة، تتطرق الى النظام الاستعماري الاستيطاني، والجرائم التي تقع بسبب هذه المنظومة الاستعمارية في أرض دولة فلسطين بما فيها المستوطنات والعدوان المتكرر على الشعب الفلسطيني بما فيه على قطاع غزة عام 2014 والأسرى والاعتقال التعسفي والإعدامات الميدانية، وهدم المنازل، والاستيلاء على أراضي المواطنين، والترحيل القسري، ونقل المستوطنين الى الأرض الفلسطينية المحتلة.

أمريكا ترفض العدالة الدولية

وفي واشنطن، أعلنت الخارجية الأمريكية رفضها قرار المحكمة الجنائية الدولية. وأكدت استمرارها في “دعم إسرائيل وأمنها بما في ذلك مواجهة المساعي لاستهدافها “.

وفي رده على ذلك، قال المالكي إن واشنطن توفر الحماية لتل أبيب في نشاطها الاستيطاني وهدمها المنازل برفضها قرار المحكمة.

ولا يحق إلا لمجلس الأمن الدولي تأجيل تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية لمدة سنة قابلة للتجديد.

وقال مسؤولون كبار في تل أبيب إنّ حكم قضاة المحكمة الدولية في لاهاي، زاد بشكل كبير من اعتماد إسرائيل على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الجديدة فضلًا عن الحاجة إلى الدعم السياسي.

وحضر صباح يوم الإثنين إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية القائم بأعمال السفير الأمريكي في تل أبيب، واجتمع بوزير الخارجية غابي إشكنازي وناقش معه قرار قضاة المحكمة في لاهاي. بعد عدة ساعات على ذلك جرت محادثة هاتفية بين اشكنازي ووزير الخارجية الأمريكي طوني بلينكن، وهذه المكالمة هي الثانية بين الوزيرين منذ أنْ تولى بلينكن منصبه.

وقالت مصادر إسرائيلية رفيعة أنّ بلينكن أكد لأشكنازي أن الولايات المتحدة ستواصل معارضة قرار القضاة وستعمل مع تل أبيب على كبح التحقيق.

يُشار في هذا السياق إلى أنّ بايدن، خلافًا لرؤساء أمريكيين سابقين، لم يتصّل مع نتنياهو حتى اللحظة، الأمر الذي أثار حفيظة المسؤولين في تل أبيب، وتحوّل سفير إسرائيل السابق في الأمم المتحدّة، داني دانون، إلى نكتةٍ عالميّةٍ بعد أنْ نشر استجداءً للرئيس الأمريكيّ كي يتصّل هاتفيًا بنتنياهو، وأرفق لنشر التغريدة على (تويتر) رقم هاتف ديوان رئيس الوزراء في القدس المحتلّة.

إسرائيل تستجدي روسيا أيضا

وذكر موقع “i24 news” الإسرائيلي، أن وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس أجرى محادثة مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، واتفق معه على استمرار الحوار المهم بين البلدين بهدف الحفاظ على أمن القوات الأمنية.

 وبحسب الموقع، طرح غانتس خلال المحادثة الحاجة للعمل المشترك أمام “الطريقة التي تعمل بها المحكمة الجنائية الدولية” في لاهاي، واتفق مع شويغو على وجود أهمية للاستمرار بالعمل من أجل الحفاظ على قدرات إسرائيل وروسيا وحماية أنفسهم من أية تهديدات”.

المعيقات أمام المحكمة

بالنسبة للإسرائيليين فإن هذا القرار مصيري وخطير، وسيحاولون أن يفعلوا كل ما في وسعهم من أجل منع مشهد وجود سياسي أو عسكري إسرائيلي معتقل، أو متهم في قاعة المحكمة، وحتى الآن لم تقرر المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا، موعد إطلاق مكتبها تحقيقا رسميا بالحالة في فلسطين.

ويخشى الفلسطينيون من وضع عراقيل أمام عمل المحكمة مثل الضغوطات السياسية والمالية والتهديدات ضد المحكمة، إضافة إلى أن إسرائيل لديها جيش كبير من القانونيين محليا ودوليا، الذين سيحتشدون للدفاع عنها، كما فعلوا حتى الآن.

ومن أجل أن تقبل هذه المحكمة النظر في قضية ما، فإن هناك شروط يجب أن يتم استيفاؤها، ومنها أن يكون هناك ما يشير إلى اقتراف جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

ربما يعجبك أيضا