الانتخابات الفلسطينية تأجيل للخلاف والتفاف على الإشكاليات‎

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

تشهد الساحة الفلسطينية في هذه الأيام تحشيدا كبيرا، لإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي يفترض أن تعقبها رئاسية وأخرى للمجلس الوطني، على أمل إنهاء حالة الانقسام المستحكم منذ عام 2007 ، ورغم نجاح الحوار بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة، وخروجها ببيان مشترك من 15 نقطة تحفظت علية “الجبهة الشعبية”، لتمهيد الطريق أمام إجراء الانتخابات أعلنت “الجهاد الإسلامي” أنها لن تشارك فيها، إلا أن المحاذير كثيرة وكبيرة.

وما بدا توافقا فلسطينيا عكسته الابتسامات أمام الكاميرات، كان خلفه إصرار مصري على الحل بتعليمات من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبتنفيذ من وزير المخابرات عباس كامل، الذي قال في افتتاح جلسات الحوار: “يجب إنهاء أيّ خلاف دعماً للقضية الفلسطينية التي تقف على مفترق طرق، وتحتاج إلى أن نكون على قلب رجل واحد، ولا تفهموني خطأً، لا بدّ من خروجكم من هذا الحوار متفقين”.

ليضيف بعدها مازحا: «سأطلب من رئيس الوزراء إغلاق جميع المعابر الجوية والبرية والبحرية حتى لا تخرجوا قبل اتفاقكم”.

مزاح وزير المخابرات كان كلام العالم بخفايا وحجم الخلافات التي انعكست ساعات طويلة من الحوار الساخن، انقلبت إلى مشادات وتراشق في الاتهامات كادت أن تصل إلى تعارك بالأيدي لولا تدخل الجانب المصري”.

ومن أبرز النقاط في البيان المشترك: الالتزام بالجدول الزمني الذي حدده مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية، مع التأكيد على إجرائها في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهد باحترام النتائج وقبولها. وكان عباس قد أصدر، في الخامس من يناير/ كانون الثاني الماضي، عدداً من المراسيم حددت مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية في مايو/ أيار المقبل، تليها انتخابات الرئاسة في يوليو/ تموز المقبل، ثم انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في أغسطس/ آب المقبل.

كذلك يتمسّك البيان بضمان حيادية الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة وعدم تدخلها في الانتخابات أو الدعاية الانتخابية لأي طرف. وتتولى الشرطة الفلسطينية (دون غيرها) في الضفة وغزة بزيها الرسمي تأمين مقار الانتخابات، ويكون وجودها وفقاً للقانون.

 كذلك اتفق المجتمعون على إطلاق الحريات العامة وإشاعة أجواء الحرية السياسية، والإفراج الفوري عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلّق بحرية الرأي.

الخلافات قد تفجر التفاهمات في أي لحظة

كثيرة هي العواصم العربية وغير العربية، التي أعلنت الفصائل الفلسطينية منها توصلها لاتفاقات تنهي الانقسام، لذا يبقى التشكك والخوف من العودة إلى المربع الأول سيد الموقف.

ولأن الملفات الفلسطينية ثقيلة، سياسياً وأمنياً، يرى سياسيون أن رغبة “فتح” و”حماس” في إنجاح الحوار بأي ثمن دفعتهما لتأجيل ملفات سياسية إشكالية معقدة لمناقشتها لاحقاً، مثل الانقسام وإصلاح منظمة التحرير، في إصرار على المضي إلى الأمام، على الرغم مما تحمله من ملفات ملغومة قابلة للانفجار بأية لحظة، والعودة إلى المربع الأول. ويؤكد قانونيون أن بيان الفصائل لم ينجح في إزالة الألغام القانونية من الطريق، بل عمل على تسكينها ليس أكثر، دون أي ضمانات قانونية حقيقية.

1-يعكس إصرار قيادة حركة “فتح” التنظيم الوطني الأبرز على ترشيح الرئيس محمود عبّاس لكي يكون مُرشّحها في الانتخابات الرئاسيّة المُفتَرضة، مصدرا للاستِغراب أنّ سنّ الرّجل اقترب من السّادسة والثمانين، ويُعاني من وضعٍ صحّي صعب، وهُناك من يهمس داخل المُقاطعة بأنّه لم يَعُد يُدير أُمور السّلطة والسياسة الفِلسطينيّة بالشّكل المطلوب.

2-كما أن إصرار بعض المشاركين على احترام أجواء الانتخابات ونتائجها، يعكس تخوفا من أنّ الرئيس عباس سيمضي قُدمًا في إجراء هذه الانتِخابات، واحتِرام نتائجها، فمن أصدر مراسيمها يستطيع إصدار مراسم أخرى مُضادّة بإلغائها، أو تأجيلها إلى أجلٍ غير مُسمّى تمامًا مثلما أقدم على حلّ المجلس التشريعي وأسّس لمجلس وطني، وآخَر مركزي، على مقاس السّلطة واتّفاقاتها وسياساتها، ألمْ يُصدِر المجلس المركزي قرارات بإلغاء اتّفاقات أوسلو وسحب الاعتِراف بإسرائيل، وإلغاء التّنسيق الأمني، ماذا حدث لهذه القرارات؟.

3-هل ستتنازل حركة “حماس” عن سُلطتها في قِطاع غزّة وتُسلّمها إلى رام الله، في حال فوزها أو خسارتها للانتخابات التشريعيّة أو الرئاسيّة؟ أم سيستمر الانقِسام الحالي.

4- الفصائل الفلسطينية أخفقت في الإجماع على تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على إجراء الانتخابات، لكنها اتفقت على ضرورة اتخاذ خطوات تتيح إجراءها بحرية وشفافية، في ظل وجود سلطتين تحكمان الضفة الغربية وقطاع غزة.

5-حوار القاهرة قام بتأجيل القضية الأهم، والتي عبرت عنها النقطة العاشرة في البيان، والتي نصت على تشكيل لجنة بالتوافق، تقدم تقريرها للرئيس، الذي يحيله لحكومة ما بعد انتخابات المجلس التشريعي للتنفيذ لمعالجة إفرازات وترسبات الانقسام، أي إن الانقسام برمته، الذي من المفترض أن تكون الانتخابات مدخلاً لإنهائه تم تأجيله إلى ما بعد الانتخابات، وهذا هو اللغم الأكبر، نحن أمام مشهد مكرر”، ويعتبر أن “هذه الانتخابات ستؤدي إلى نظام من الهيمنة والمحاصصة بين طرفي الانقسام، فتح وحماس، وستضمن الانتخابات استمرار الوضع القائم، ليس أكثر”.

5- على الصعيد القانوني فلا يبدو المشهد أقل تعقيداً، وتغذيه الاعتصامات والاحتجاجات اليومية لنقابة المحامين الفلسطينيين المستمرة منذ نحو شهر، ضد قيام عباس بإصدار قرار بقانون، عدل بموجبه قانون السلطة القضائية، لإحكام قبضته عليها، كما أكدت نقابة المحامين أكثر من مرة. ويرى المختص في الشؤون القانونية والحقوقية المحامي عصام عابدين أن “المراسيم التي أصدرها عباس لها قوة القانون، وهي أعلى وأقوى من البيان الذي صدر عن حوار الفصائل في القاهرة”، وأن “بيان القاهرة لم ينجح بإزالة أي لغم قضائي. كل ما جرى هو تقاسم حصص على حساب عدالة القضاء ونزاهته”.

6-وبالتوازي مع حوارات القاهرة، قرّرت السلطات المصرية فتح معبر رفح «لأجل غير مسمّى» في «بادرة حسن نية لتشجيع الحوار الوطني الفلسطيني»، وذلك بعد نحو عام من تشغيله بصورة متقطّعة واستثنائياً لأيام فقط. وبينما نقلت مصادر أن الاتحاد الأوروبي بات يشترط عودة عناصر السلطة إلى العمل على المعابر، قالت مصادر في «فتح» إن هناك حديثاً عن عودة العمل على معبر رفح بـ«اتفاقية المعابر 2005» مع وجود المراقبين الأوروبيين (الإيطاليين)، من دون أن تعطي تفاصيل أخرى. لكن المصادر المصرية تقول إن المعبر سيكون من «وسائل الضغط المصرية على الفصائل من أجل إكمال المسار السياسي وإجراء انتخابات جديدة… للانخراط في مفاوضات سلام مع الإسرائيليين.

كيف يبدو واقع الحريات السياسية بالضفة قبيل الانتخابات؟

يفترض أن يتولى جهاز الشرطة في الضفة الغربية وقطاع غزة “أمن الانتخابات”، إلا أنها تنقصها القيادة الموحدة، وتعمل وفق أيدولوجيات مختلفة، وتحت قيادات تخدم أهداف سياسية، وهذا الأمر يعزز فكرة التشكيك بقدرتها على تأمين الانتخابات”.

ولا تتوافر أرقام رسمية عن عدد المعتقلين السياسيين عند كلا الطرفين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن تضمين الوثيقة الصادرة في القاهرة، إلى وجوب إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، يعكس أن هناك انتهاكا للحريات العامة وقمعا سياسيا عند الطرفين، ورغم تضمين الوثيقة لهذا الشرط، إلا أن أي إعلان باطلاق المعتقلين لم يصدر حتى اللحظة، وهذا يعطي انطباعاً مبدئيا غير جيد.

ويقول مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك، فيرى أن حرية تعبير المواطن عن رأيه والمشاركة السياسية واختيار من يمثله حق يجب احترامه.

ويؤكد دويك، ضرورة وقف أشكال الملاحقات والاعتقالات السياسية وملاحقة النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.

ويلفت إلى أن الهيئة المستقلة تراقب بشكل خاص العملية الانتخابية، وأخذت على عاتقها مراقبة الحريات، إذ ستحيل لجنة الانتخابات الانتهاكات والشكاوى إلى الهيئة أثناء الانتخابات.

وشدد دويك على ضرورة احترام رأي المواطن، كي تسير الانتخابات بشكل شفاف وسط مشاركة فاعلة من الجمهور.

وأُجريت آخر انتخابات للمجلس التشريعي مطلع العام 2006، وأسفرت عن فوز “حماس” بالأغلبية، فيما جرت آخر انتخابات رئاسة في عام 2005 وأسفرت عن فوز الرئيس الحالي محمود عباس.

ربما يعجبك أيضا