في ذكرى اغتيال الحريري.. لبنان يحارب الثلث المُعطل لتشكيل الحكومة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بعد مرور 16 عامًا على اغتيال الحريري، يفتقد اللبنانيون لتلك المرحلة التي جسدت استقرار لبنان، ذلك البلد الذي شهد أزمات سياسية وأمنية متلاحقة لعل الحدث الأبرز بها اليوم عدم الاتفاق على تشكيل حكومة لبنانية قادرة على مواجهة التحديات والأزمات التي يعانيها اللبنانيون، والتي لا زالت تحت قبضة الثلث المعطل المفروض من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون وحليفه حزب الله، وهو ما يرفضه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في تكرار لسيناريو بات واضحًا فيه للجميع من هو الطرف المعرقل لاستقرار لبنان.

اغتيال الحريري

في مثل هذا اليوم من عام 2005، اغتالت الأيادي العابثة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، وهي التي شكلت أخطر عملية اغتيال سياسي نظرًا لكمية المواد المتفجرة المستخدمة، فرغم مرور تلك السنوات يتذكرها اللبنانيون وكأنها وقعت بالأمس، نظرًا لما كان يجسده الراحل من مرحلة هامة من مراحل الاستقرار في لبنان والتي باتت تفتقدها اليوم.

ورغم تداول القضية سياسيًا لسنوات تدخلت فيها المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنها انتهت بتوجيه أصابع الاتهام لعصابات تنتمي لميليشيات حزب الله اللبناني التي كانت ولا زالت تمثل حالة من الانقسام في الداخل اللبناني.

وحتى الآن لا تزال انعكاسات اليوم الحزين سارية المفعول، حيث دخل معه لبنان والعالم العربي في مرحلة مختلفة تحمل كل سمات الاحتقان المذهبي الذي لا يزال يهدد بإشعال حريق كبير في المنطقة.

وفى عام 2021 الجارى أجبر انتشار فيروس كورونا المستجد، “تيار المستقبل” اللبناني على عدم إقامة احتفال في ذكرى الاغتيال،  لكنه سيقتصر هذا العام على كلمة متلفزة لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، سيتطرق فيها إلى معاني الذكرى، وإلى “محاولة البعض قتل الشهيد رفيق الحريري مرتين، من خلال الإصرار على تدمير كل إرثه وإنجازاته والمشاريع التي ما كانت لتتحقق لولا إصراره على إعادة الإعمار، وقيام الدولة بجميع مؤسّساتها”، كما تتضمن الكلمة سلسلة رسائل سياسية واضحة.

ملفات متطايرة وفراغ حكومي

مع استعادة ذكرى رحيل الحريري، يضع اللبنانيون أنفسهم على سكة استعادة دولتهم المفقودة وأمنهم المُهدد وبنيتهم التحتية التي باتت تلامس حافة الكارثة الوطنية، بعد مرور لبنان بالكثير من الأزمات الاقتصادية وانفجار مرفأة بيروت وغيرها من قضايا وملفات متطايرة باتت تبحث عن الحكومة التي طال أمد تشكيلها.

ومنذ نحو 4 أشهر ولا يزال ملف تشكيل الحكومة اللبنانية يبحث عن مخرج وباتت الحياة السياسية متوقفة على مبادرة فرنسية للإتيان بحكومة تتبنى برنامجًا إصلاحيًا يحسم الموقف من هذه المبادرة.

وفي محصلة المشهد الحكومي، اختلاف الرؤى بين القوى السياسية كانت السمة الأساسية لتوتر العلاقات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والرئيس المكلّف سعد الحريري، إذْ بعد زيارة الأخير للقصر الجمهوري، أمس الأول، وفي ضوء وقائع اللقاء وحيويّة المصادر والتسريبات، ثبت أن لا حكومة في المدى المنظور.

وبحسب مصادر لبنانية، سيتطرق الحريري في كلمته اليوم بمناسبة ذكرى استشهاد والده، إلى ما واجهه في ملف تشكيل الحكومة من عرقلة من الفريق الذي يُفترض فيه أن يكون حريصاً على عملية التشكيل بحكم الدستور، فإذا به فريق محاصصة وتعطيل وقد أخذ البلد بكل ما يعيشه من مآسٍ رهينةً لتحقيق المكاسب على حساب جوع اللبنانيين ومعاناتهم.

واستباقًا لكلمته، هاجمه «التيار الوطني» متهماً إياه بتجاوز الدستور، وقال في بيان له: «إنه يستعمل الوقت الثمين في التجوال ويعود بزيارة رفع عتب إلى رئيس الجمهورية من دون أي مقترح جدي يحترم أصول تأليف الحكومة»، ومنتقداً ما قال «إعلانه أنه هو من يقرر منفرداً شكل الحكومة، ومن دون أن يقيم وزناً للدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية وشراكته الكاملة بالتأليف».

أزمات متلاحقة

أزمة تشكيل الحكومة الحالية بين الحريري وعون ليست الأولى، فمنذ اغتيال رفيق الحريري في 2005 شهد لبنان أزمات سياسية وأمنية متلاحقة، نُفذت فيها عمليات اغتيال طالت بشكل أساسي المعارضين لحزب الله كان آخرها اغتيال الناشط اللبناني لقمان سليم والذي وجهت فيه أصابع الاتهام لحزب الله.

بداية من الحرب بين حزب الله وإسرائيل في 2006، ومن ثم أحداث ” 7آيار” في 2008 التي أدت فيها المواجهات لتدخل عربي واسع، انتهى بـ”اتفاق الدوحة” الذي تضمن التوافق على انتخاب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.

وبعد ذلك توالت أزمة تشكيل الحكومة  برئاسة السنيورة، يليه تولى سعد الحريري للمرة الأولى منذ اغتيال والده ، لكن تم إسقاط حكومته على خلفية محاكمة الحريري المتهم فيها أعضاء من حزب الله، وتحولت لحكومة تصريف أعمال حتى 2011، حتى تم تكليف نجيب ميقاتي .

ومع دخول حزب الله على خط الحرب في سوريا تفاقمت الأوضاع في سوريا، ما تسبب في توتر سياسي وخلافات حادة لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم، حيث توالت العراقيل ووصل الاحتقان لأعلى مستوياته بفراغ في رئاسة الجمهورية، ووصولًا لانتخاب ميشال عون رئيسًا في نوفمبر 2016.

ورغم ذلك استمرت العراقيل وصولًا إلى سقوط حكومة الحريري تحت ضغط الشارع في أكتوبر 2019، وسعى حزب الله بعدها لتشكيل حكومة محسوبة عليهم لكنها لم تحقق وعودها نتيجة الخلافات، إلى أن جاء انفجار مرفأ بيروت من العام نفسه، ليزلزل الأرض تحت أقدام الطبقة الحاكمة.

السيناريو يتكرر

كارثة انفجار المرفأ أعادت الاهتمام الدولي بلبنان بعد ابتعاده عنه لأسباب مرتبطة بشكل أساسي بسيطرة حزب الله عليه، تخللتها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت وطرحه مبادرة تقضي بتشكيل حكومة مصغرة من الكفاءات، وهو ما وافقت عليه القوى اللبنانية لكن تشكيل الحكومة حينذاك اصطدم بعرقلة الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) .

تطورات الأحداث أعادت الحريري للمواجهة مُجددًا بطرح نفسه لرئاسة حكومة وفقًا للمبادرة الفرنسية، ورغم معارضة عون وصهره في البداية لكن حصوله على أصوات الأكثرية النيابية- أدت إلى تكليفه مرة جديدة في أكتوبر الماضي.

واليوم يتكرر السيناريو نفسه أمام مهمة الحريري من قبل باسيل وعون، مدعومين بحليفهما حزب الله، وذلك عبر فرض شرط حصولهما على الثلث المعطل في الحكومة، إضافة إلى مطالبتهما بحقائب سيادية، وهو ما يرفضه الحريري الذي لا يزال مستمرًا بالمواجهة ومتمسكًا بالمبادرة الفرنسية، في انقسام يعكس عدم وجود أي آمال قريبة بإمكانية تشكيل الحكومة.

ربما يعجبك أيضا