واشنطن تسعى إلى ما بعد الاتفاق النووي .. وطهران تصر على جني المكاسب أولًا

يوسف بنده

رؤية

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: إن الدبلوماسية مفتوحة الآن أمام إيران، مشيرًا إلى أن “الخطوة الأولى هي عودة إيران إلى التنفيذ الكامل للاتفاق النووي”.

وفي مقابلة مع ماري لويس كيلي في الإذاعة الوطنية العامة، (NPR)، والتي بثت أمس الثلاثاء، شرح أنتوني بلينكن السياسة الخارجية لحكومة جو بايدن.

وخلال هذه المقابلة، وجهت ماري لويس كيلي سؤالًا لـ” أنتوني بلينكن”: “أطرح عليك السؤال نفسه الذي طرحته على وزير الخارجية السابق مايك بومبيو العام الماضي؛ كيف نمنع إيران من امتلاك سلاح نووي؟”.

وقال أنتوني بلينكن ردًا على هذا السؤال: “لقد فعلنا هذا في الماضي. كان الاتفاق النووي مع إيران، وهو اتفاق خطة العمل المشتركة الشاملة، فعالًا للغاية في إغلاق جميع طرق الوصول لإيران لإنتاج المواد الانشطارية للأسلحة النووية”.

وأضاف: “كنا نعلم أن هذا الاتفاق كان يعمل. أخبرنا خبراء استخباراتنا، وكذلك المجتمع الدولي، أن الاتفاق يعمل وفقًا لشروطه، ومنع وصول إيران إلى الطريق المؤدية إلى المواد الانشطارية للقنبلة”. وتابع: “من المؤسف للغاية أننا انسحبنا منه”.

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد انسحب من الاتفاق النووي في مايو (أيار)  2018، وفرض عقوبات واسعة النطاق وشديدة على إيران كجزء من استراتيجية “الضغط الأقصى” لإجبار إيران على التفاوض بشأن اتفاق آخر. وردًا على هذا الإجراء الأمريكي، بدأت إيران في التخلي عن التزاماتها النووية منذ عام 2019.

وأضاف: “نحن نعلم ذلك. وبانسحابنا من الاتفاق بدأت إيران في التخلي عن القيود المفروضة على هذا الاتفاق. ونتيجة لذلك، تقترب إيران اليوم من تحقيق القدرة على إنتاج المواد الانشطارية لتصنيع الأسلحة في وقت أقل مما كانت عليه وقت الاتفاق”.

وتابع وزير الخارجية الأميركي أنه على الرغم من أن الاتفاق النووي قد أخّر “مدة الهروب” النووي الإيراني لمدة عام (الوقت الذي تحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية واحدة)، فقد تقلصت المدة الآن لأربعة أشهر.

وقال أنتوني بلينكن: “إذا عدنا إلى هذا الاتفاق، وإذا عادت إيران إلى الوفاء بالتزاماتها، سنفعل الشيء نفسه، وعلينا العمل على اتفاق أطول وأقوى من الاتفاق الأصلي”.

وأضاف: “علينا أن نتعامل حول قضايا أخرى لم تكن جزءًا من الاتفاق الرئيسي، وهي قضايا كانت إشكالية للغاية بالنسبة لنا ولبلدان أخرى في المنطقة والعالم مثل: برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وأعمال زعزعة الاستقرار في دول أخرى”.

وشدد “بلينكن” على أنه يجب التعامل مع جميع هذه القضايا. لكن الخطوة الأولى هي أن تعود إيران إلى الوفاء بالتزاماتها.

وفي مقابلة مع راديو “إن بي أر”، أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن وجهة نظر مفادها أن إيران يمكنها تخصيب المواد النووية بغرض صناعة أسلحة في غضون ثلاثة أشهر.

وقال رئيس الدبلوماسية الأمريكية: “النتيجة اليوم هي أن إيران أقرب بكثير إلى إمكانية إنتاج مواد نووية للأسلحة مما كانت عليه عندما كان الاتفاق ساري المفعول (خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني). ما يسمى بوقت الاختراق الذي يمكن أن تحتاجه إيران لإنتاج مواد نووية صالحة لصنع الأسلحة تمت زيادته بموجب الاتفاقية لمدة عام. الآن، وفقا للتقارير، تبقى لدينا ثلاثة أو أربعة أشهر”.

وشدد بلينكن على أن الولايات المتحدة ستعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا التزمت إيران ببنود الاتفاقية، لكنه رأى ضرورة العمل على اتفاقيات أكثر جدية وطويلة الأمد في هذا المجال. وعلى وجه الخصوص، يجب أن تغطي الاتفاقية الجديدة برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، إضافة إلى ما يزعم من أعمال لزعزعة الاستقرار من جانب طهران في البلدان الأخرى.

الانسحاب من البروتوكول الإضافي

وقد قال الرئيس الإيراني حسن روحاني اليوم الأربعاء 17 فبراير (شباط) إن طهران ستنسحب من البروتوكول الإضافي، ولن يتسبب هذا الإجراء في أي مشاكل، مؤكدا على عدم قبول بلاده أي تغيير في الاتفاق النووي.

وأشار روحاني إلى قرار البرلمان بخفض التزامات إيران النووية، في الـ23 من فبراير الجاري، وقال: “سننسحب من البروتوكول الإضافي الذي قبلناه طوعًا”، مؤكدا: “لن تحدث أي مشكلات، ولن نطرد المفتشين وسنواصل التعاون مع الوكالة الدولية في إطار اتفاقية الضمانات في معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي”.

وشدد على أن إيران لا تسعى إلى حيازة أو تخزين السلاح النووي أو أسلحة الدمار الشامل و”هذا قرار حاسم”، حسب قوله.

في الوقت نفسه، أعلن المندوب الإيراني لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كاظم غريب آبادي، أن بلاده أبلغت الوكالة نيتها إنهاء عمليات التفتيش المفاجئة الأسبوع المقبل.

وأبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدول الأعضاء بقرار إيران. فيما يشير تقرير للوكالة إلى أن رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اقترح أن يسافر إلى إيران “لإيجاد حل مقبول من الطرفين لمواصلة أعمال التحقق الضرورية للوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

وجدد الرئيس الإيراني حسن روحاني موقفه بشأن إجراء محادثات حول تفاصيل أخرى في الاتفاق النووي. وقال: “إذا رفعت العقوبات اليوم فسنعود إلى جميع التزاماتنا مساء اليوم نفسه”.

من جهته، قال ممثل إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن 8 إجراءات ستقوم بها بلاده بدءا من 23 فبراير، حسب ما أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وذكرت غريب زاده، بأن إيران ستعلق تنفيذ الإجراءات التالية:

1 – أحكام البروتوكول الإضافي، ووقف عمليات التفتيش وتعليق عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

2 – وقف تنفيذ القانون 3.1 تعديل الترتيبات الفرعية لاتفاقية الضمانات وهذا يعني الإعلان عن بدء منشآت نووية جديدة في وقت مبكر.

3 – وقف استخدام التقنيات الحديثة في مراقبة برنامج إيران النووي، ووجود الوكالة طويل الأمد في إيران.

4 – وقف الإجراءات الشفافة حول “الكعكة الصفراء” المصنوعة من اليورانيوم الخام، وهي مادة لصنع وقود المفاعل وكذلك لتخصيب اليورانيوم.

5 – وقف الإعلان عن عمليات التخصيب.

6 – منع الوصول إلى المراكز التي سمح بالوصول إليها وفقا للاتفاق النووي.

7. وقف المراقبة والتحقق من تنفيذ العمل التطوعي الذي قبلته إيران.

8 – وقف الإبلاغ عن عملية تصنيع أجزاء أجهزة الطرد المركزي.

خامنئي: الأفعال أولًا

وقد أشار الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى أن إيران تريد “أفعالا لا أقوالا” من أطراف الاتفاق النووي المبرم في 2015. وأضاف خامنئي: “سمعنا الكثير من الأقوال والوعود الجيدة التي انتُهكت على أرض الواقع، لا جدوى في الكلام والوعود بل هذه المرة نطلب العمل بالوعود وإذا لمسنا ذلك من الجانب الآخر سنقوم بالعمل أيضا”.

وأوضح خامنئي في كلمة بثها التلفزيون: “سمعنا الكثير من الأقوال والوعود الجيدة التي انتُهكت على أرض الواقع، لا جدوى في الكلام والوعود بل هذه المرة نطلب العمل بالوعود وإذا لمسنا ذلك من الجانب الآخر سنقوم بالعمل أيضا”.

وقد صفت صحيفة “فرهيختكان” التي يرأسها مستشار خامنئي للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، ما تعلنه الولايات المتحدة الأميركية من استعداد للدخول في مفاوضات مع طهران بأنه محاولات للخداع، مشيرة إلى ما نشرته وزارة الخارجية الأميركية على موقعها والإعلان عن عودة جديدة للدبلوماسية واعتبرت ذلك “بداية لعمليات الخداع” حسب تعبير الصحيفة.

وشبّهت الصحيفة هذا الأسلوب الذي تنتهجه إدارة بايدن بأسلوب إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والذي كان بايدن نائبا له لمدة 8 سنوات، حيث إنه كان من وقت لآخر يرسل، هو والمسؤولون في إدارته، رسائل باللغة الفارسية في مناسبات مختلفة كالأعياد.

وذكرت الصحيفة أن مثل هذه السياسة تهدف لتحقيق غايتين، الأولى التواصل مع الشعب الإيراني من خلال دبلوماسية عامة وتبعا لذلك خلق نوع من التفاؤل لدى الإيرانيين تجاه الولايات المتحدة الأميركية، فيما تمثل الغاية الثانية فرض عقوبات أكثر تعقيدا على طهران.

وقد تساءلت صحيفة “ابتكار” عن مستقبل الاتفاق النووي في ظل تصلب مواقف كل من إيران والولايات المتحدة واشتراط كل منهما عودة الآخر أولا، وتساءلت الصحيفة بالقول “هل تكون الدبلوماسية الصامتة هي الحل والطريق الأمثل لإنقاذ الاتفاق النووي؟”.

واستندت الصحيفة لتصريحات رئيس اللجنة الوطنية في البرلمان البريطاني، والذي ذكر أن هناك حاجة ملحة لاعتماد سياسة “الدبلوماسية الصامتة” للحفاظ على الاتفاق النووي وتجنب التصعيد المحتمل.

وتعني هذه الدبلوماسية أن تعتمد طهران وواشنطن على مبدأ السرية في التواصل مع بعضهما البعض للوصول إلى حل حول قضية الاتفاق النووي.

وقد توقع الخبير في العلاقات الدولية يوسف مولائي في مقال بصحيفة “آرمان ملي” أن نشهد ردود فعل متشددة من الدول الأوروبية المعنية بالاتفاق النووي بعد انتهاء موعد المهلة التي قررتها طهران (21 فبراير/ شباط) والتي ستقلص وتقيد نشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة، معتقدا أن هذه الدول سوف تنضم إلى الولايات المتحدة الأميركية لممارسة الضغوط وفرض العقوبات على طهران.

وذكر أن المجتمع الدولي ليس مهيأ للرضوخ إلى محاولات طهران الضغط عبر قناة إلغاء البروتوكول الإضافي، ولهذا فقد توقع أن تكون نتائج هذه الإجراءات التي تقوم بها طهران عكسية، حيث إن دول العالم قد تتوصل إلى أن الطريقة الحالية ليست كافية لكبح جماح إيران، لهذا فقط تفكر في أدوات أخرى وإجراءات أكثر صرامة.

ربما يعجبك أيضا