أردوغان المُتخبط.. ما بين التصريحات العنترية ومغازلة الرئيس الأمريكي!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

تصريحات عنترية، وهجوم حاد اللهجة، لم يلبث أن يشتعل إلا ويهدأ من جديد، وكأن شيئًا لم يكن، هكذا بدا الحال على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المُتخبط خلال الفترة الأخيرة، خاصة في مسألة تحديد هوية العلاقات القادمة بين واشنطن وأنقرة في ظل الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي جو بايدن.

التخبط الذي انتاب أردوغان خلال الأيام الماضية، ظهر جليًا بعد الضغوط التي تعرض لها داخليًا من خلال انتقادات أكثر من جهة وحزب معارض على خلفية مقتل 13 من الرعايا الأتراك، كان يحتجزهم حزب العمال الكردستاني في شمال العراق -بحسب أنقرة- الأمر الذي دفعه لمهاجمة واشنطن ووصفها بدعم الإرهاب.

لكن، نبرات الاستهجان تجاه الجانب الأمريكي لم تدم طويلًا، إذ تراجع أردوغان وبشكل ملفت عن تصريحاته العنترية، بأخرى اتسمت بنبرة تصالحية نادرة، معلنًا أن المصالح المشتركة بين تركيا والولايات المتحدة تفوق الخلافات، وأن أنقرة ترغب في تعاون أفضل مع واشنطن، وكأنه يبحث عن أسباب مريحة لعلاقة إيجابية مع بايدن!

تطورات الأحداث

في التطور المُلفت للأحداث، أعادت تركيا الإثنين الماضي، إحياء إحدى أبرز نقاط الخلاف العالقة مع الولايات المتحدة، مع اتهام الرئيس التركي واشنطن بدعم “الإرهابيين” بعد “إعدام” 13 تركيا في العراق على أيدي مقاتلي حزب العمال الكردستاني بحسب ما أفادت أنقرة.

وعلى الفور، قال نيد برايس -المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في بيان مقتضب- إن “الولايات المتحدة تستنكر مصرع مواطنين أتراك في كردستان العراق”.

وأضاف البيان “أنه إذا صحت التقارير التي تشير إلى مسؤولية حزب العمال الكردستاني.. فإننا نندد بهذا العمل بأشد العبارات الممكنة”.

ومن جانبه، قدم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مكالمة هاتفية مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، التعازي في مقتل الرهائن الأتراك بشمال العراق، مؤكدًا على أن “حزب العمال الكردستاني يتحمل مسؤولية الإرهاب”.

في المقابل، عبّر وزير الخارجية التركي، في أول مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي، عن “استياء” بلاده من البيان الأمريكي الأخير بشأن الضحايا الأتراك.

لم يضيع أردوغان فرصة الخروج بتصريحاته العنترية، إذ شن حربه الكلامية على واشنطن خلال خطاب لأنصار حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، واصفًا الموقف الأمريكي بأنه “مؤسف”.

وأضاف: “تقولون إنكم (الولايات المتحدة) لا تدعمون الإرهابيين، لكنكم بالواقع تقفون إلى جانبهم”، واصفًا بيان الإدانة الأمريكي بأنه “نكتة”.

وقال أردوغان مخاطباً الأمريكيين: “إن كنا معًا في حلف الناتو، وستستمرون في تحالفنا، فعليكم التحلي بالإخلاص تجاهنا.. عليكم ألا تنحازوا إلى صف الإرهابيين.. عليكم أن تنحازوا إلى صفنا”.

وقال أردوغان: إن 53 من مسلحي حزب العمال الكردستاني قتلوا خلال الهجوم الذي شنته القوات التركية، وتعهد بالضغط على مسلحي الحزب، ومطاردتهم في عمليات عبر الحدود مع العراق، والتصدي للمسلحين الموجودين في سوريا.

لم يكن هذا كل شيء، بل ترافق مع هجوم أردوغان على واشنطن، احتجاج دبلوماسي تمثل في استدعاء السفير الأمريكي بأنقرة إلى وزارة الخارجية التركية المستاءة من رد الفعل الأمريكي، مما زاد التوترات على الجانبين.

زيادة التوتر

طفح كيل أردوغان، بعد أن زادت الضغوط التي تعرض لها، خلال الأيام الماضية، إذ حمل حزب الشعوب الديمقراطي المعارض -ذو الغالبية الكردية- أنقرة مسؤولية مصرع الجنود الأتراك شمالي العراق.

وشدد مسؤولون في الحزب، على ضرورة “تفاوض الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني، وإخلاء سبيل الأسرى بالطرق الدبلوماسية، بدلًا من الاقتتال، الذي يذهب بأرواح الكثير من الضحايا الأبرياء”.

ومن جانبها، قالت رئيسة الحزب في ولاية إسطنبول، هدى كايا، عبر حسابها على تويتر: “لماذا تغيرون الحقائق لهذه الدرجة؟ جاءت عائلات الأسرى لزياراتنا مرات عديدة، لكننا كلما طالبنا الحكومة بالسلام كانت تهاجمنا.. تركيا هي من قصفت المغارة وعندما علمت أنها قتلت مواطنيها، أنهت العملية فورًا”.

وعقب هذه التغريدة التي جاءت ضمن سلسلة تغريدات أخرى، أصدر المدعي العام في أنقرة، قرارًا بفتح تحقيق مع النائبة كايا، والنائب فاروق غرغرلي أوغلو، عن حزب الشعوب، وعدد من المواطنين، إذ أفاد في بيان له أن قوات الأمن فتحت تحقيقات ضد “من نشروا صورًا ومنشورات لعمل دعاية للمنظمة الإرهابية وإذلال الجمهورية التركية ومؤسسات الدولة وأجهزتها”.

خطوة للوراء

حرب التصريحات التي اشتعلت ضد واشنطن، وأطفأها أردوغان بالرجوع خطوة للوراء، قد تعكس مدى التخبط الذي ينتابه أو قد تكون حيلة جديدة لدهاء ماكر يُغطي على قلقه من ناحيه، وينقذ مركب علاقاته مع بايدن التي لم تبدأ رحلتها بعد من ناحية أخرى.

ففي تصريحات ناعمة، قال الرئيس التركي، أمس السبت، إن المصالح المشتركة بين واشنطن وأنقرة تفوق الخلافات، وإن تركيا ترغب في تعاون أفضل مع أمريكا.

وأضاف أردوغان -في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي- “أنقرة ترغب في تعزيز التعاون عبر رؤية بعيدة المدى تعود بالفائدة على الطرفين”.

وقال: إن أنقرة “ستستمر في تنفيذ ما عليها بأسلوب جدير بمستوى التحالف والشراكة الاستراتيجية بين البلدين”، مضيفًا أن العلاقات التركية الأمريكية تعرضت لاختبار خطير في الآونة الأخيرة”.

وبخلاف مصرع الجنود الأتراك مؤخرًا، كانت العلاقات بين البلدين قد شهدت توترًا في عدة قضايا، لعل أبرزها عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أنقرة في ديسمبر لشرائها منظومة الدفاع الصاروخي الروسية “إس 400″، بينما ثار غضب تركيا بسبب دعم واشنطن وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، التي تصنفها أنقرة “منظمة إرهابية”.

ترقب وقلق

مما لا شك فيه، أن تأخير خطوة الجلوس على “مائدة بايدن” لتحديد مسار العلاقات بين البلدين حتى الآن أربك أردوغان بشكل واضح، إذ أن الرئيس الأمريكي يحاول إظهار إنه غير معني بهذا الأمر، أو على الأقل غير مستعجل، فهو لم يفكر بالاتصال بأردوغان، ولا حاول أن يوجه لأي نوع من أنواع التواصل معه، في رسالة ضمنية لتركيا مفادها أنه يجب أن يكون ثمة مساحة متاحة للقلق في العهد الجديد.

مساحة القلق التي يعول عليها بايدن، حتمًا أوقعت أردوغان في فخ القلق، خاصة بعد التطورات التي تحدثنا عنها، إذ يحاول ذو النبرات العنترية أن يتسلق جدران التوتر القائمة مع واشنطن، لكن بالتأكيد ومن خلال مواقفه السابقة، لن يكون أردوغان قادرًا على ذلك ما لم يقدم شيئًا أعلى من رسائل التطمين.

فهذا النوع من الرسائل لن يقنع بايدن، إذ يقول “غونول تول” -من معهد الشرق الأوسط في واشنطن- إن الرئيس التركي عليه أن يقدم تنازلاً “يفقد معه ماء وجهه” بحسب تعبيره، مؤكدًا: “إذا فعل أردوغان ذلك، فسيكون الجميع من سياسيين ومحللين سياسيين، على قناعة تامّة بأن ثمة من سيتكفل بإقناع الرئيس الأمريكي بمقاربة واقعية مع تركيا”.

ومن ناحية أخرى، يزداد قلق أردوغان داخليًا، خاصة بعد الهجوم الحاد عليه من قبل المعارضة التركية الفترة الماضية، الأمر الذي أدخله في حالة هستيريه، خوفًا على حظوظه وحظوظ حزبه في الانتخابات القادمة، لاسيما أن استطلاعات رأي تركية، أشارت مبدئيًا إلى تقدم المعارضة على حساب أردوغان الذي يخطط للعام 2023 ولما بعده لتثبيت فترة حكم أطول.

في نهاية الأمر، وبالعودة إلى العلاقات الثنائية بين أردوغان وبايدن، نجد أن الأخير يحاول الاستفادة من أخطاء سلفه دونالد ترامب، محاولًا طبخ وجباته السياسية على نار هادئة، في المقابل يخلق قلق الرئيس التركي ورغبته بسرعة إتمام اتفاقيات مصالحه المشتركة، جوًا من التخبطات، من شأنه التنبؤ بسيناريوهات جديدة ومتعددة داخل المنطقة.

ربما يعجبك أيضا