«شبح التدويل» يهدد الأزمة السياسية في تونس

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

دخلت الأزمة التونسية في سباق جديد بعد أن تسببت في انسداد سياسي ناتج عن خلاف قائم بين السلطات الثلاث وتحركات برلمانية بسحب الثقة عن رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وسط تحذيرات متصاعدة من أن يفسح المجال لتزايد الضغوط الخارجية ومن ثم مواجهة عاصفة شبح التدويل.

بيد أن هذا الخطر يقترب من المشهد السياسي في تونس بخطى ثابتة لا سيما بعد غياب التوافق بين الرئاسات الثلاث وتعثر جهود بقية القوى والمنظمات الوطنية في عقد مؤتمر وطني للحوار لبلورة خارطة طريق واضحة من أجل الخروج من هذا المأزق الذي عمقته أزمة اقتصادية خانقة، وأخرى اجتماعية ضاغطة ترافقت مع تحركات شعبية غاضبة شملت غالبية محافظات البلاد.

اجتماع رئيس تونس مع سفراء بلدان الاتحاد الأوروبي

كشفت هذه التطورات عن تسلل واضح للقوى الدولية إلى المشهد من خلال اللقاءات التي تواترت بين الرؤساء الثلاثة وعدد من السفراء الأجانب، وخاصة منهم السفير الأمريكي وسفراء الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا مع الرؤساء الثلاثة، “رئيس الجمهورية قيس سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي”، إلى جانب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي.

لفت خبراء إلى أن توقيت هذه اللقاءات يشير إلى “شد خيوط اللعبة السياسية في البلاد، ومن ثم إطلاق العنان إلى “تدويل” الأزمة التونسية مما يزيد من تأجيج الصراع.

بدوره، حذّر النائب البرلماني زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب، من الدفع بالأزمة التونسية نحو التدويل، داعيا إلى عدم التقليل من مغزى ودلالات التحرّك الأمريكي والأوروبي نحو الملف التونسي، لاسيما في هذا التوقيت بالذات.

الغنوشي والسفير الأمريكي

ونقلت صحيفة «العرب» اللندنية عن المغزاوي: إن ما أقدم عليه الغنوشي في علاقة باجتماعه مع السفير الأمريكي دونالد بلوم لا يُلزم البرلمان في شيء؛ فهو «يُريد من وراء ذلك الاستقواء بأمريكا، حيث بدا ذلك واضحا قبل هذا الاجتماع، وتحديدا من خلال المقال الذي نشره في وقت سابق في صحيفة «يو.إس.أي توداي» الأمريكية وسعى فيه إلى تلميع صورته».

شدد المغزاوي على أن التخوّف من تدويل الأزمة في تونس موجود، خاصة في ظل تزايد الأصوات التي تُريد أن تُشيع فكرة أنّ القوى الفاعلة في البلاد أصبحت لا تتحكم في مسار الأزمة الحالية، مؤكدا أن هذا الأمر مرفوض وأن القوى الوطنية ستتصدى له.

وانشغلت غالبية الأوساط السياسية في تونس بهذه اللقاءات لا سيما التي أجراها السفير الأمريكي مع الغنوشي أولا، ثم مع رئيس الحكومة هشام المشيشي ثانيا، والتي عكست تحركا دبلوماسيا يحمل رسائل بدلالات سياسية لافتة، وخاصة أنها تزامنت مع لقاء عقده الرئيس سعيد مع سفراء الاتحاد الأوروبي المُعتمدين لدى تونس، وآخر جمع الطبوبي مع سفير فرنسا لدى تونس أندري باران.

وخلال لقاءه بالسفير الأمريكي، أعرب الغنوشي عن أمله في أن تواصل الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لتونس عبر مواصلة إسنادها لدى الممولين الدوليين والمؤسسات المالية.

وبيّن من جهة أخرى أن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس حققت نجاحات معتبرة ومكّنت من تأسيس النموذج في التداول على السلطة، ناهيك أن تعاقب الحكومات تم عبر مجلس نواب الشعب من خلال منحها الثقة أو سحبها منها، وهو ما يترجم تكريس الفعل الديمقراطي.

وبخصوص الصعوبات التي تميّز الوضع السياسي في تونس، أوضح رئيس مجلس نواب الشعب أن الحكومة القائمة حاليا تتمتع بالشرعية التي منحها إياها البرلمان وهي تضطلع بمهامها على الوجه المطلوب، وتتطلّع إلى إنجاز الإصلاحات الضرورية التي تحتاجها البلاد في أكثر من مجال حتى تستأنف نموّها الاقتصادي والاجتماعي.

من جهته بيّن السفير الأمريكي عزم بلاده على مواصلة دعمها لتونس في مختلف الميادين، ولاسيما في المجال الصحي في ظل ما تفشي فيروس كوفيد 19 خاصة من حيث  توفير التلاقيح وحفظها وتوزيعها، مؤكدًا استعداد بلاده لتمكين المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس من الهبات والمساعدات الأمريكية لاسترجاع عافيتها.

كما أكد تعهّد بلاده الولايات المتحدة الأمريكية مواصلة دعمها القوي للتجربة الديمقراطية التونسية حتى تحقق أهدافها.

من جانب آخر، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد خلال لقاءه مع سفراء بلدان الاتحاد الأوروبي المعتمدين بتونس، حرصه على بناء دولة ومجتمع القانون، وذكّر بثوابت السياسة الخارجية التونسية، مجددا بالمناسبة تمسكه بالدستور، كما بيّن أن عدم الاستقرار السياسي لا علاقة له بعدم الاستقرار الحكومي، مؤكدا على أن تونس لها من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على أن تكون ديمقراطية بعيدا عن الحسابات الضيقة.

وشدد على أهمية الدور الذي تضطلع به المرأة التونسية في مختلف المجالات، وكذلك على الدور الهام للمجتمع المدني التونسي، معتبرا أنه المحرك الحقيقي للحياة السياسية اليوم، وأشار إلى الدور الكبير للشباب في إنجاح مسار الثورة معتبرا أن الحرية هي الركيزة الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

في غضون ذلك، اعتبر مراقبون أن هذه اللقاءات اكتسبت أهمية ودلالات سياسية قوية لارتباطها بالوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد في سابقة هي الأولى من نوعها وسط تحذيرات من أن الوضع في تونس لا يقبل المزيد من الأزمات، ومن ثم أصبحت الأزمة التونسية بالقرب من دائرة التدويل ولا يمكن استبعادها أو التقليل من تداعياتها خاصة في ظل غياب التوافق بين السلطات الثلاث وتصاعد موجة الغضب الشعبية.

ربما يعجبك أيضا