تهديد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي لإيران.. دوافع ودلالات

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

يترقب الجميع خطوة الإدارة الأمريكية، فيما يتحسس بايدن طريقه كرئيس جديد للولايات المتحدة؛ ينتظر الجميع لرؤية المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، ومستقبل الاتفاق النووي 2015، رغم أن الولايات المتحدة هي التي تقود العالم في هذه المفاوضات، أو الجولة الجديدة من الشد والجذب حول مستقبل إيران النووي، فإن الجميع، في الشرق الأوسط خصوصا، يضغطون بالفعل على بايدن وإدارته، فإيران تشعر بالتوتر، وتقترب من حالة نفاد الصبر، مع الضغوط الاقتصادية الكبيرة الواقعة عليها جراء عقوبات ترامب، وبسبب الأوضاع الاقتصادية الداخلية المتأزمة بسبب السخط الشعبي ووباء كورونا، فيم تترقب إسرائيل خطوات بايدن، وتلوح مقدما برفضها العودة لاتفاق 2015، وتتحرك لإقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بعدم جدوى العودة لاتفاق النووي، بل والتأكيد على زيادة العقوبات على إيران، كيلا تجد فسحة من الوقت والإمكانيات لتنتج رأسا نووية تكون قبلتها إسرائيل أو دول الخليج.

يلعب البعد الزمني دورًا مهما في تحديد مسار التحركات، بيم الولايات المتحدة وإيران من جهة، وبين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، وتستخدم إسرائيل أقصى جهودها للتأثير على إدارة بايدن لتتحرك في الاتجاه الذي تريده، كذلك تستخدم طهران عامل الوقت، تضغط بكل ما تملك كي تتخلص من العقوبات التي فرضها ترامب، كي يبدأ اقتصادها في التعافي، ويهدأ غضب المواطن الإيراني قليلا، ومن المهم لإسرائيل أن تضغط على الولايات المتحدة، لتبتز إيران أكثر، حتى تدفعها لتقديم مزيد من التنازلات، ثم توافق على رفع قدر من العقوبات، ومنها رفع الحظر النفطي.

لكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الأمر يحتاج وقتًا، فالإدارة الأمريكية تحتاج أولا لصياغة مخطط لإجراء المفاوضات الدبلوماسية مع طهران، ثم تحتاج وقتا للمفاوضات نفسها، ومزيدا من الوقت لتنفيذ ما تؤول إليه المفاوضات، وهذه مهمة ليست بسيطة، عندما يتعلق الأمر بمستوى منخفض تماما من الثقة بين الطرفين، ومن هنا لم يشأ وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكين رفع سقف التوقعات، وإنما يحاول إقناع الأطراف كافة بالتحلي بالصبر، فلا يريد أن تستمر إسرائيل في ضغطها، أو تُستفز إيران.

لهذا السبب أوضح بلينكن في مؤتمره الصحفي الأخير في واشنطن أن عملية المفاوضات مع إيران تستغرق وقتًا طويلا، وأن على إيران أن “تبدأ بالخطوة الأولى، وتتوقف عن انتهاكها لبنود الاتفاق النووي”، فيما ردت طهران على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة أن على الولايات المتحدة أن “تبادر بخطوتها الأولى”، وهذا ما يؤكد على المستوى “صفر” من الثقة بين الطرفين.

تحرك أفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، واقتحم ملعبا ليس له، حيث وجه تحذيرا مباشرا لإيران، باستعداد إسرائيل للهجوم في أقرب وقت ممكن، وانتقد “التفكير الأمريكي في العودة لاتفاق النووي 2015″، أو حتى اتفاق آخر “معاد تعليبه”.

يرى كوخافي أن أي اتفاق مماثل يمكن أن يرفع الضغط قليلا عن طهران هو بمثابة سيناريو سيئ لإسرائيل، فهو يرى ضرورة استمرار الضغط، والعقوبات، لا السماح لإيران باستنشاق بعض الأكسجين وكسب الوقت، فكل يوم إضافي ممنوح للإيرانيين يمنحهم فرصة للوصول إلى “صاروخ حربي يحمل رأسها نووية”.

من المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن كوخافي غالبا لديه، تعلق بالمعركة الداخلية التي يخوضها مع وزارة المالية حول ميزانية الجيش الإسرائيلي، وتدعم تصريحاته مطالبه بزيادة خاصة في الميزانية لتمويل “الاستعدادات لمواجهة إيران”، وربما معركة مستترة مع رئيس الوزراء نتنياهو، وعلى ما يبدو أن علاقة الاثنين ليست في أفضل حالاتها مؤخرا، على عكس علاقة نتنياهو بيوسي كوهين رئيس الموساد، والصديق المقرب جدا من بيبي، ولكن من المؤكد أن تصريحات كوخافي تعكس بلا شك موقف نتنياهو، أو بعلاقاته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، والتي ليست في أفضل حالاتها. مؤخرا. ومع ذلك ، فإن ما قاله كوخافي في السياق الإيراني يعكس بلا شك موقف رئيس الوزراء.

حديث كوخافي وتهديده العلني لإيران، مع التأكيد على استعداد الجيش الإسرائيلي للهجوم عليها يعكس خوفه على منصبه، فرئيس الأركان لا يرغب أن تكون إسرائيل، في ولايته كقائد للجيش، في مرمى صواريخ إيرانية بعيدة المدى، ورغم أن احتمال حملها لرؤوس نووية بعيد جدا، لكن رئيس الأركان يمكن أن يتحمل لوم القيادة السياسية، ممثلة في بيني جانتس ومجلس الوزراء، أو يواجه غضب رئيس الموساد، وكذلك المراقبين الذي اعتبروا تصريحاته تدخلا فظا في مسار سياسي بين إسرائيل والولايات المتحدة، يمكن أن يتحمل كل هذا، لكنه لا يتحمل أن تنطلق صافرات الإنذار في إسرائيل للتحذير من سقوط صاروخ، وهذا ما ينهي مسيرة رئيس الأركان الطامح لإثبات جدارته بمنصبه، وفي هذا السياق، لابد من الإشارة إلى إعلان إسرائيل عن تطوير منظومة الصواريخ “حيتس” (سهم) بعيدة المدى، ردا على نشاط سابق لطهران، التي أعلنت عن “نجاح تجربة إطلاق صاروخ بعيد المدى”.

بالتأكيد كوخافي وقيادة الجيش الإسرائيلي مطلعان بشكل كامل عما يجري في إيران، من عمل حثيث في المفاعلات النووية، فالاستخبارات العسكرية والموساد يتمددان في قلب طهران، ومن هنا يشعر كوخافي والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية بالقلق من العودة للاتفاق النووي، حيث ترى إسرائيل أن هذا الاتفاق يشمل على بنود “معضدة” للنشاط النووي الإيراني.

على سبيل المثال ترى إسرائيل أن بند زيادة مدة إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لتصنيع قنبلة نووية حتى عشر سنوات كحد أقصى بدلا من شهرين، لم يكن سوى محاولة “إبطاء” للنشاط النووي الإيراني، والآن يمكن لطهران “تنفيذ برنامج نووي كامل دون قيود بحلول 2030″، كما أن البند الذي يلزم إيران بتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي من 20 ألف إلى ما لا يزيد عن 5 آلاف جهاز ليس سوى تحجيم لقدرات طهران.

عملت بجهد لتحصل على معلومات دقيقة وموثقة عن البرنامج النووي الإيراني، وتزعم أنها تملك معلومات مؤكدة تشير إلى أن إيران طورت أجهزة طرد مركزية عالية السرعة،  وتشرع في تركيبها في منشآت تحت الأرض في منشأتي نطنز وفوردو، وأجهزة الطرد المركزي هذه، من طراز IR-6 وIR-8، قادرة على تخصيب اليورانيوم بمعدل يزيد بخمس إلى عشر مرات عن أجهزة الطرد المركزي القديمة التي كانت في نطنز.

إيران من البداية كانت تنفي أن يكون هدفها تدشين برنامج بغرض إنتاج سلاح نووي، وبالطبع تدرك إسرائيل أن طهران تتحرك لإنتاج رأس نووي في المقام الأول، وليس البرنامج لأغراض سلمية على الإطلاق، لذا لم تقف إسرائيل ساكنة طوال الفترة الماضية، لكنها عملت بجهد لتحصل على معلومات دقيقة وموثقة عن البرنامج النووي الإيراني، وتلا عملية الحصول على المعلومات ضربات متتالية لمنشآت نووية، على رأسها مفاعل نطنز، ثم اغتيال العقل المفكر العالم الإيراني محسن فخرزاده.

يخشى كوخافي أنه حتى لو جرت مفاوضات بين الإدارة الأمريكية وبين طهران؛ فإن الإيرانيين لن يلتزموا بالتخلي عن حلم الصواريخ بعيدة المدى التي تحمل رؤوسا نووية، وهذا ما يمثل ذروة مخاوف رئيس الأركان.

ربما يعجبك أيضا