وسط ضبابية الجائحة.. إغلاقات أوروبا تربك أسواق النفط

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تراجعت أسعار النفط أمس بحدة لتستقر عند أدنى مستوياتها منذ فبراير الماضي، حيث بدد الإعلان عن تمديد وفرض سلسلة من تدابير الإغلاق في أوروبا آمال تعافي الطلب، وإن كان النفط استرد جزءا من خسائره، صباح اليوم الأربعاء، إلا أن هذا الارتفاع يظل مؤقتا ولا يعني أن الأسواق قد تخلصت من مخاوفها بشأن ضبابية الجائحة وتداعياتها على مستويات الأسعار، التي تكافح “أوبك” وحلفاؤها منذ العام الماضي في الحفاظ على استقرارها خشية الانهيار.

الإغلاق الأوروبي يضرب “النفط”

بالأمس مددت ألمانيا – أكبر مستهلك للنفط في أوروبا ورابع أقوى اقتصاد بالعالم- تدابير الإغلاق العام لمدة ثلاثة أسابيع إضافية،  في خطوة للوراء للسياسة التي أعلنتها مطلع العام الجاري للعودة إلى الحياة الطبيعية تدريجيا، ومن المقرر أن تفرض وقفا تاما للأنشطة التجارية خلال عطلة عيد الفصح من 1 إلى 5 أبريل المقبل، خشية تفشي الموجة الثالثة من إصابات كورونا.

المستشارة الألمانية انيجلا ميركل قالت: إن السلالة المتحورة من فيروس كورونا التي ظهرت في المملكة المتحدة انتشرت في ألمانيا، الأمر الذي جعل البلد ينزلق إلى ما أطلق عليه “وباء جديد” أكثر فتكا بكثير مقارنة بالسلالات الأخرى.

في بريطانيا أيضا رفضت حكومة بوريس جونسون الضغوط البرلمانية لرفع قيود كورونا أو تخفيفها، نظرا للزيادة القياسية في أعداد الإصابات رغم إجراءات الإغلاق، كما أعلنت السلطات في فرنسا عن تمديد تدابير الإغلاق رغم الاحتجاجات المطالبة بتخفيفها.

أضف إلى ذلك أن بلدان أوروبا لم تسجل حتى اليوم تقدما ملحوظا فيما يتعلق بعمليات توزيع لقاحات كورونا على الفئات الأكثر استحقاقا، نتيجة مشاكل الإمداد المتعلقة باللقاحات وتحديدا لقاح أسترازينكا الذي أشعل خلافا حادا بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي أخيرا، حيث يشتكي المسؤولون في بروكسل من أن جزءا كبيرا من اللقاحات تستأثر به بريطانيا وليس الاتحاد.

هذه العوامل دفعت أسعار النفط في بداية تعاملات أمس إلى التراجع بأكثر من 5%، قبل أن تسترد جزء من خسائرها في نهاية التعاملات، حيث أنهت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تسليم مايو الجلسة متراجعة بنحو 3.4% لتستقر عند مستوى 59.49 دولار للبرميل، فيما هبط “برنت” إلى مستوى 62.5 دولار للبرميل متراجعا 3.4%.

كما فرض ارتفاع الدولار بالأمس، ضغوطا على حركة أسعار النفط، فمع تسعيره بالدولار، فإن أي ارتفاع للعملة الأمريكية يجعل النفط أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى، واليوم واصل الدولار ارتفاعه مسجلا أعلى مستوياته منذ 23 نوفمبر.

طريق التعافي طويل ومحفوف بالعقبات

صباح اليوم ارتفعت أسعار النفط، بأكثر من 3%، مع توقف الملاحة في قناة السويس – أحد أهم الممرات الملاحية بالعالم- إثر جنوح سفينة حاويات ضخمة بسبب سوء الأحوال الجوية، وقالت شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية – في بيان نقلته “رويترز”- إن 10 ناقلات تحمل 13 مليون برميل من الخام قد تتأثر بفعل هذه الواقعة، موضحة أن المعدل التقريبي لتراكم السفن يبلغ نحو 50 سفينة يوميا وإن أي تأخيرات تؤدي إلى تعديل المسار ستضيف 15 يوما لرحلة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، هذا تحديدا ما دفع النفط للارتفاع، وسط توقعات بتراجع الإمدادات خلال اليومين المقبلين -على الأقل- بما يسهم في دعم الأسعار، ومن جانبها توقعت هيئة قناة السويس عودة الملاحة إلى طبيعتها بحلول الغد الخميس.

بارت ميليك  رئيس استراتيجيات السلع في TD Securities، قال في مذكرة: “كان التأرجح الهبوطي ناتجًا عن تدهور توقعات الطلب على المدى القريب وتجدد الإغلاق الأوروبي، ناهيك عن إعلان معهد البترول الأمريكي عن زيادة أسبوعية في إمدادات الخام المحلية بمقدار 2.93 مليون برميل، في خامس زيادة أسبوعية للمخزونات الأمريكية على التوالي، ما يعني أننا أمام تخمة في المعروض، ما قد يدفع المتداولون الفنيون إلى التحرك لخفض خام غرب تكساس.

مايكل لينش، خبير الطاقة قال لـ”بلومبرج”أمس، “بدت الأمور رائعة خلال الأسبوعين الماضيين وتحرك النفط فوق مستوى الـ60 دولارا، وتدفقت مجموعة من الصناديق إلى السوق، لكن يبدو أنهم قرروا التراجع للوراء خطوة، مع إعلان أوروبا عن سلسلة إغلاقات جديدة، ما يعني أن مستويات الطلب لن تتعافى في المدى القريب والمتوسط، ويجعل قرار “البيع” شبه جماعي.

كانت وثيقة أعدها خبراء “أوبك بلس” دعت مطلع مارس الجاري، إلى تفاؤل حذر بشأن تعافي الطلب مشيرة إلى الضبابية الكامنة في الأسواق والمعنويات على المستوى الكلي، لا سيما ارتفاع المخاطر المتعلقة بطفرات كورونا، وقالت: إن ارتفاع سعر النفط خلال الفترة الأخيرة ربما يكون بسبب لاعبين ماليين أكثر منه تحسن في العوامل الأساسية لأسواق النفط.

وقبيل اجتماع المجموعة في الرابع من مارس، قال رئيس أوبك: “نرى قدرا من التوازن بين الطلب والعرض، لكن بسبب وضع الجائحة الذي يمر به العالم وظهور طفرات جديدة، قد نشهد وضعاً يقل فيه الطلب نتيجة عودة إجراءات العزل”، ولهذا السبب قررت “أوبك بلس” تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج.

الطريق إلى تعافي الطلب على النفط تبدو محفوفة بالعقبات، وسط ضبابية الجائحة التي تفرض بدورها ارتباكا واضحا على سياسات تخفيف قيود الإغلاق في كافة بلدان العالم وليست أوروبا وحدها، فعلى الرغم من إعلان أمريكا قبل أسبوع عن حزمة تحفيز مالي بـ1.9 تريليون دولار وبدء توزيع لقاحات كورونا في غالبية البلدان إلا أن عملية التصحيح في الأسواق والعودة إلى مستويات ما قبل الجائحة ما زالت مرهونة بتطورات الوضع الوبائي المتأرجح.  

ربما يعجبك أيضا