اقتصاد ماليزيا.. وفرص منافسة الكبار

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

رجح تقرير حديث صدر عن البنك الدولي أن تحقق ماليزيا إنجازا اقتصاديا جديدا بحلول العام 2024، حيث ستتمكن من تعزيز وضعها الاقتصادي والانضمام إلى ما يعرف باقتصادات المستوى الأول “ذات الدخل المرتفع”، في خطوة ستشكل معلما رئيسيا في تنمية البلد الآسيوي الشهير.  

ماليزيا وفرص الخروج من شرك “الدخل المتوسط”

يبلغ نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في ماليزيا نحو 11200 دولار أمريكي، ما يقل بمقدار 1335 دولارًا أمريكيًا فقط من مستوى نصيب الفرد في اقتصادات الدخل المرتفع، ويشكل هذا الرقم الماليزي ثالث أعلى مستوى في جنوب شرق آسيا بعد سنغافورة وسلطنة بروناي.

 يرى البنك الدولي في ضوء ذلك ورغم ندوب جائحة كورونا، أن ماليزيا ستنتقل إلى نادي الدول ذات الدخل المرتفع بحلول 2024  أو 2028 على أقصى تقدير، في انعكاس إيجابي لمسار التحول الاقتصادي للبلاد على مدى العقود الماضية.

وقال البنك -في تقرير صدر منتصف هذا الشهر- إن ماليزيا تعرضت لـ”صدمة ثلاثية”، من الوباء وعمليات الإغلاق والركود العالمي، وتوقف تقدمها اقتصاديا العام الماضي مع تسجيلها انكماشا بنسبة 5.6%، في أكبر تراجع منذ الأزمة المالية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، إلا أن هذا لن يمنعها من مواصلة الحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية ومواصلة النمو ووصولا إلى الانضمام إلى الاقتصادات الرائدة.

وأضاف التقرير: بعد تحسن مستويات المعيشة في فترة أقل من جيل، فإن الارتقاء إلى مستوى الاقتصادات الرائدة والمتقدمة سيكون معلما رئيسيا في تنمية ماليزيا، فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية تمكنت 19 دولة فقط يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة من تحقيق قفزة إلى هذا المستوى، مع وجود 55 دولة بينها ماليزيا، عالقة فيما يسمى “شرك الدخل المتوسط”.

فيكتوريا كواكوا، نائبة رئيس البنك الدولي لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، قالت: “إن ماليزيا لديها طموح ليس فقط لأن تصبح اقتصادًا ذا دخل مرتفع، ولكن أيضًا اقتصاد يكون فيه النمو مستدامًا، وهذا بناء على مقارنة تقريرنا لوضعها مع  نظرائها الإقليميين في آسيا والأهم مع البلدان التي انتقلت بنجاح من مستوى “الدخل المتوسط” ​​إلى “الدخل المرتفع” خلال الثلاثين عامًا الماضية”.

إصلاحات هامة تفصلها عن منافسة الاقتصادات الرائدة

لكن تقرير البنك أكد الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات لدعم انضمام ماليزيا إلى صفوف الاقتصادات الرائدة، وقال: من أجل الاستعداد بشكل أفضل لهذا التحول المحتمل في الدخل ولضمان ألا تتخلف ماليزيا عن البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع، سيتعين عليها إيجاد طرق لتعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين قدرتها التنافسية، وخلق وظائف عالية الجودة، وتعزيز دور مؤسساتها، وتعزيز قدرتها على تمويل هذا الانتقال إلى وضع الدولة المتقدمة ذات الدخل المرتفع.

وترى كواكوا – بحسب ما جاء في بيان إطلاق التقرير- أن انتقال ماليزيا إلى المرحلة التالية من التنمية سيتطلب إجراءات جريئة وإصلاحات صارمة، فنموذج التنمية الذي نجح في الماضي لم يعد كافياً لمساعدتها على اجتياز هذه المرحلة، وبالتالي ستكون هناك حاجة إلى مجموعة مختلفة من السياسات لتحسين الجودة والشمولية واستدامة النمو الاقتصادي في المستقبل.

تعليقا على التقرير قال وزير المالية الماليزي تنكو ظفر التنكو عبدالعزيز: “لقد أقمنا أسسًا جيدة للتنمية، لكننا ندرك أيضًا الحاجة إلى زيادة الاستثمار في تطوير رأس المال البشري “عالي الجودة” للحصول على المزيد من الفرص الاقتصادية، وإصلاح سياسات القطاع الخاص ودعم الأنشطة القائمة على الابتكار.

وأوضح أن الحكومة تبنت بشكل متزايد أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في ميزانياتها السنوية، وحافظت على مسار التنمية طوال السنوات الماضية – وإن كانت تراجعت قليلا العام الماضي تحت وطأة الجائحة-، إلا أنها تتطلع في الوقت الراهن إلى جني فرص اقتصاد ما بعد الجائحة والعودة إلى المسار الصحيح لتحقيق وضع الدولة ذات الدخل المرتفع في غضون خمس سنوات، وصولا إلى تحقيق رؤية الازدهار المشترك 2030.

كبير الاقتصاديين في البنك الدولي لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ أديتيا ماتو قال -في تصريحات أمس الجمعة- إن ماليزيا  تأثرت بشكل أساسي بكوفيد19، والآن يجب عليها التركيز على تطوير رأس المال البشري واحتضان أكبر لفرص الاقتصاد الرقمي، والتعامل مع حالة عدم اليقين السياسي وإيجاد حل لحالة الطوارئ المفروضة منذ يناير الماضي.

وفي مؤشر جديد على تداعيات “كورونا” على الاقتصاد الماليزي، خفض البنك الدولي أمس، توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال العام الجاري إلى 6٪، مقارنة مع 6.7% في توقعات سابقة، وقال في تقرير: من المتوقع أن يتم دعم النمو في ماليزيا من خلال التحسن التدريجي في مستويات الطلب المحلي مع بدء توزيع لقاحات كورونا اعتبارا من الشهر الجاري، مدعوما أيضا بتحسن حذر في الطلب الخارجي، ومع ذلك فإن قوة وتوقيت الانتعاش الاقتصادي لماليزيا سيعتمدان إلى حد كبير على وتيرة حملة التطعيم الوطنية ورفع حالة الطوارئ، ومن المتوقع أن يغطي برنامج التطعيم ما لا يقل عن 30٪ من السكان بحلول أغسطس المقبل.

وأضاف: على المدى المتوسط​​، من غير المرجح أن يعود الاقتصاد الماليزي إلى مستويات ما قبل الجائحة، وبالتالي فإن توقعات النمو معرضة لمخاطر هبوطية كبيرة.

قصة نجاح عظيمة

أديتيا ماتو يعتبر ماليزيا لديها ما يمكنها من تجاوز تحديات كورونا ومواصلة مسيرة النمو، ويقول إن ماليزيا قد انتقلت بنجاح إلى مصاف الدول الصناعية، وهذا هو أصل قصة نجاحها العظيمة لتحقيق نمو كثيف العمالة تقوده حركة الصادرات.

تعد ماليزيا واحدة من أكثر الاقتصادات انفتاحًا في العالم، حيث يبلغ متوسط ​​نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 130٪ منذ عام 2010، وكان الانفتاح على التجارة والاستثمار عاملاً أساسيًا في مسيرة النمو الاقتصادي، حيث يرتبط حوالي 40٪ من الوظائف في ماليزيا بأنشطة التصدير، ومنذ الأزمة المالية 1997-1998 ، أخذ الاقتصاد الماليزي مسارا تصاعديا، بمتوسط نمو 5.4% منذ 2010.

منذ حصولها على الاستقلال في عام 1957 ، نجحت ماليزيا في تنويع اقتصادها من اقتصاد كان يعتمد على الزراعة والسلع الأساسية إلى اقتصاد يرتكز على قطاعي الصناعة والخدمات، ويحقق ريادة عالمية في تصنيع وتصدير الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وكان لرئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد دورا هاما في هذا التحول فعندما تولى رئاسة الوزراء لأول مرة عام واستمر لمدة 22 عاما بتفويض شعبي، تمكن من تحويل أفكاره التنموية إلى واقع وتحويل بلاده إلى بيئة حاضنة للاستثمارات الأجنبية ومحفزة للاستثمار المحلي، وإلى بلد صناعي متقدم يسهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي، ونتيجة لذلك ارتفع معدل دخل الفرد وتراجع الفقر -1% فقط من السكان ” 29.3 مليون نسمة” يعيشون في فقر مدقع- ، كما تراجعت البطالة إلى أقل من 4%.

تتطلع الحكومة الماليزية اليوم إلى توجيه أفضل لخطط التعافي الاقتصادي والتنمية المستدامة خلال السنوات الخمس المقبلة وصولا إلى الانضمام إلى الاقتصادات المتقدمة وتحقيق رؤية 2030 التي تهدف من خلالها إلى رفع إجمالي الناتج المحلي إلى نحو 3.4 تريليون رنجيت ماليزي، والحفاظ على متوسط نمو بـ4.7%، لكن يظل التعافي الاقتصادي مرهونا على المدي القريب بقدرة الحكومة على الحد من انتشار كورونا وتحقيق المناعة المجتمعية ورفع حالة الطوارئ للدفع باتجاه العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة فيما يتعلق بمعدلات الإنتاج والاستهلاك والتصدير، وفي ظل العولمة لن تتمكن ماليزيا من التعافي بشكل كامل دون نجاح جهود بلدان العالم كافة في السيطرة على الوباء والعودة إلى الحياة الطبيعية بدون إغلاقات.

Untitled7485

 

ربما يعجبك أيضا