أفغانستان على مفترق طرق.. معضلة بايدن بالانسحاب تغازل طموح طالبان

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بعد أطول حرب أمريكية في أفغانستان، قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب قواته بحلول 11 سبتمبر، على أن يتبعها سحب القوات الأجنبية الأخرى، مخلفَا ورائه فرصة ذهبية لحركة طالبان لإعادة سيطرتها مرة أخرى على البلاد، متكئًا على محادثات السلام التي تشير احتمالاتها بحسب الوقائع الميدانية إلى سيطرة طالبان وعودة تهديدات تنظيم القاعدة رغم الوعود الأمريكية باستحالة حدوث ذلك، والذي سيتبعه إخفاق جديد للولايات المتحدة في أطول حرب خاضتها بالمنطقة.

بايدن والانسحاب الوشيك

تنفيذًا لما وقع عليه سلفه دونالد ترامب، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن انسحاب ما يتراوح ما بين 2500 إلى 3500 جندي أمريكي من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر المقبل، على أن تقوم بريطانيا بسحب ما تبقى من قواتها هناك والبالغ عددها 750 جنديًا.

ويعد التاريخ مهما إذ يصادف ذكرى مرور 20 عامًا بالضبط على هجمات تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، وهي الهجمات التي خطط لها التنظيم ووجهها من أفغانستان، ورداً على تلك الهجمات قادت الولايات المتحدة تحالفاً غربياً واجتاحت أفغانستان وأطاحت بحكم طالبان وطردت تنظيم القاعدة من هناك مؤقتا.

وكانت تكلفة هذا الغزو والوجود العسكري والأمني لمدة 20 عامًا هناك باهظة للغاية من الناحية البشرية والمالية حيث قُتل أكثر من 2300 جندي أمريكي وأصيب أكثر من عشرين ألف جندي، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 450 جندياً بريطانيا ومئات آخرين من جنسيات أخرى.

لكن الأفغان أنفسهم هم الذين تحملوا العبء الأكبر من حيث الضحايا، حيث قُتل أكثر من 60 ألفا من أفراد قوات الأمن ونحو ضعف هذا العدد من المدنيين.

بدا الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر من عام 2001 للإطاحة بحركة طالبان، متهمة إياها بإيواء أسامة بن لادن وشخصيات أخرى في القاعدة مرتبطة بهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة.

وبحسب التقديرات الأخيرة، تقترب التكلفة المالية لهذه العملية بالنسبة لدافعي الضرائب في الولايات المتحدة من تريليون دولار أمريكي تقريباً.

واليوم وبعد مرور 20 عامًا لم تنعم هذه البلاد بالسلام، وبحسب مجموعة البحث في العنف المسلح فقد شهد عام 2020 مقتل عدد من الأفغان بالعبوات الناسفة أكثر من أي دولة أخرى في العالم، ولم يختف من هناك بعد تنظيم القاعدة وتنظيم داعش والجماعات المسلحة الأخرى فهي تنشط من جديد ويشجعها بلا شك الرحيل الوشيك لآخر القوات الغربية المتبقية.

عودة طالبان وتهديدات القاعدة

مع  اقتراب الانسحاب الأجنبي من أفغانستان، تثار التساؤلات حول إمكانية عودة طالبان مرة أخرى فضلًا عن تنشيط هجمات القاعدة من جديد، حيث يرى الخبراء أنه على ضوء محادثات السلام في الدوحة والتقدم العسكري الذي تحققه الحركة على الأرض قد تلعب طالبان دورًا حاسمًا في مستقبل البلاد بأكملها.

ومع ذلك، يشير الجنرال السير نك كارتر، رئيس أركان الجيش البريطاني والذي خدم عدة جولات هناك، إلى أن “المجتمع الدولي قد بنى مجتمعا مدنيا غير الحسابات بشأن نوعية الشرعية الشعبية التي تريدها طالبان، فالبلاد في وضع أفضل مما كانت عليه في عام 2001 وقد أصبحت طالبان أكثر انفتاحا”.

من جهته، يتنبأ الدكتور ساجان غوهيل من مؤسسة آسيا والمحيط بأن “تتجه موجات جديدة من الإرهابيين الأجانب من الغرب إلى أفغانستان لتلقي التدريب على العمليات الإرهابية هناك ولن يكون الغرب قادرا على التصدي لهم لأن التخلي عن أفغانستان سيكون قد اكتمل بالفعل”.

وقد لا يكون ذلك حتمياً حيث يعتمد الأمر على عاملين. الأول هو ما إذا كانت حركة طالبان المنتصرة ستسمح بأنشطة القاعدة وتنظيم داعش في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، والثاني هو مدى استعداد المجتمع الدولي للتعامل مع الحركة.

لذلك فإن الصورة الأمنية المستقبلية لأفغانستان مبهمة حيث أن البلد الذي تغادره القوات الغربية هذا الصيف يفتقر لأدنى مقومات الأمن، في وقت باتت طالبات والتنظميات المسلحة تسيطر على العديد من المواقع أكثر مما كانت عليه في 2001.

وفيما يتعلق بتجديد هجمات القاعدة، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن بلاده لديها الإمكانيات لمنع وقوع هجوم إرهابي من الأراضي الأفغانية، على الرغم من قرار الرئيس جو بايدن سحب كلّ القوات الأمريكية بحلول 11 سبتمبر.

وقال بلينكن لمحطة “أي بي سي” الأمريكية: “ستكون لدينا الوسائل لمعرفة إن تجدد ظهور التهديد الإرهابي من أفغانستان. سنتمكن من رؤيته في الحين واتخاذ الإجراءات اللازمة”، وأضاف: “سنضمن أن نكون محميين من التجدد المحتمل” لنشاط القاعدة في أفغانستان.

ويعتبر مسؤولون في إدارة بايدن أن التهديد الإرهابي ماثل في أماكن عديدة وليس متركزًا في أفغانستان. ويذكّر هؤلاء بالتزام طالبان بعدم السماح بأنشطة معادية للولايات المتحدة في أفغانستان.

إخفاق التدخل العسكري

لا شك أن الأحداث التي مرت بها الحرب الأفغانية، أكدت أن التدخلات الغربية قد أخفقت أيضًا ليس فقط في القضاء على الإرهاب، بل إنها أدت إلى تدهور مجمل الأوضاع في البلاد، وربما في باكستان أيضًا، ونقلها من السيئ إلى الأسوأ.

فبعد أطول حرب أمريكية، والتي امتدت لمدة عشرين عامًا في أفغانستان، وفاقت نفقاتها- وفقًا لوكالة بلومبرج- التريليون دولار، اتخذ الرئيس بايدن قرارًا بإتمام انسحاب كافة القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر 2021، على أن يصاحب ذلك انسحاب كافة قوات حلف الناتو من البلاد.

 ويأتي الانسحاب الأمريكي على الرغم مما تضمنه التقرير، الصادر عن مجتمع الاستخبارات الأمريكي، من أن احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية في أفغانستان لا تزال محدودة، وأن حركة طالبان يمكن أن تحقق المزيد من النجاحات العسكرية، في وقت يقتصر فيه دور القوات الأفغانية على حماية مواقعها والتي قد لا تحتفظ بها لمدة طويلة.

ومن ناحية أخرى، يواجه الرئيس الأفغاني «أشرف غنى» حالة من العزلة، التي تتزامن مع ضغوط أمريكية تدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية تشمل عناصر من حركة طالبان، وهو ما ترفضه العديد من القوى الأفغانية أخذًا في الاعتبار بتزايد معدلات العنف، التي راح ضحيتها العديد من السياسيين والصحفيين وممثلي منظمات المجتمع المدني منذ انعقاد مباحثات السلام مع «طالبان» في الدوحة، إذ إن أكثر من 30% من إجمالي ضحايا أعمال العنف هم من المدنيين.

ورغم ما يتم تداوله عن مباحثات السلام التي ستنعقد في إسطنبول بهدف إحلال السلام الدائم في أفغانستان إلا أن هناك مخاطر حقيقية من انهيار البلاد وإحكام «طالبان» سيطرتها على مقاليد الدولة وسقوطها تحت سيطرتها، وهو دليل واضح على إخفاق التدخل العسكري الأمريكي في القضاء على عدوه الذي كان هدفه من أطول حرب خاضتها لمدة 20 عامًا.

ربما يعجبك أيضا