بفعل كورونا.. أوروبا تغرق في فخ الديون

ولاء عدلان

كتبت -ولاء عدلان

قفزت ديون منطقة اليورو خلال العام الماضي إلى 11.1 تريليون يورو أو ما يعادل 98% من ناتجها المحلي الإجمالي، بحسب ما كشف مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي “Eurostat”، أمس الجمعة، وهو معدل تاريخي لديون منطقة طالما عرفت بقيودها الصارمة فيما يتعلق بسقف الدين العام، لكن الأوضاع الاستثنائية التي عصفت بالعالم بما فيه القارة العجوز في 2020، هي كلمة السر في فهم هذا الارتفاع الذي كانت المفوضية الأوروبية تتوقعه بنسبة أسوأ تصل إلى 100% أو أكثر من الناتج المحلي لبلدان المنطقة الـ19.

أوروبا وثنائية كورونا والديون

في العام الماضي اقترضت الحكومات الأوروبية بكثافة لتمويل حزم التحفيز الاقتصادي المهولة التي تم رصدها لعلاج الآثار الاقتصادية لإغلاقات كورونا، كما انخرط البنك المركزي الأوروبي في قلب الأزمة فقام بشراء سندات سيادية بنحو 1.85 تريليون يورو، ما رفع نسبه استحواذه على السندات السيادية التي تصدرها الحكومات في منطقة اليورو إلى 20% من هذه السندات، وبفعل خطوات المركزي الأوروبي باتت بعض الدول التي تعاني قبل الجائحة من أزمة ديون مستحقة مثل اليونان وإيطاليا أكثر قدرة على إعادة تمويل ديونها بعوائد أقل، ما يعني أنها استفادت أكثر من غيرها ومن هنا تعالت الأصوات الرافضة لدعم هذه البلدان بصورة أكبر.

وقال مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي -في بيان صدر أمس- إن الدين الحكومي المجمع في دول منطقة اليورو ارتفع بنحو 1.24 تريليون يورو خلال 2020، ما دفعه للقفز إلى سقف الـ98% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة مقارنة مع 83.9% في 2019 إذ بلغ العجز 3.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي من 0.6%.

خلال 2020، سجلت اليونان زيادة في اقتراضها بواقع 25 نقطة مئوية، مما وصل بالتزاماتها إلى 341 مليار يورو أو ما يعادل 205.6% من الناتج المحلي الإجمالي -وهو أعلى دين في أوروبا مقارنة بحجم الاقتصاد- تلتها إيطاليا بديون تشكل نحو 155.8% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة 21.2 نقطة مئوية مقابل 2019.

هذه الأرقام تكشف إلى أي مدى بدأت تغرق بلدان أوروبا في أزمة الديون أكثر بفعل الجائحة، حتى الاقتصادات الكبرى كألمانيا -صاحبة الاقتصاد رقم واحد في المنطقة- لم تنج فارتفعت ديونها عشر نقاط مئوية لتشكل 69.8% من الناتج المحلي الإجمالي، كما سجلت فرنسا -ثاني أكبر اقتصاد بالمنطقة- زيادة 18 نقطة مئوية إلى 115.7 بالمئة من الناتج المحلي.

أحد عوامل غرق بلدان أوروبا في أزمة الديون خلال 2020، هو تعليق العمل بقوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة بسقف الاستدانة، لإعطاء الدول حرية أكبر في الأنفاق وسياسات التمويل لمعالجة التداعيات الاقتصادية لـ”كورونا”، وتنص هذه القوانين – المعلقة حاليا- على ألا يزيد سقف الدين العام عن 60% من الناتج المحلي الإجمالي كحد أقصى، مع عجز في الميزانية يبلغ 3٪ فقط.

وبحسب المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية باولو جينتيلوني تم تعليق هذه القوانين بسبب الركود الحاد الذي ضرب بلدان المنطقة بفعل إجراءات العزل العام، وحتى اللحظة تشير التوقعات إلى أن الصعوبات الاقتصادية لن تتوقف قبل 31 ديسمبر، ما يعني أن الأزمة ستستمر هذا العام وأن تعليق قوانين الاستدانة سيمتد إلى 2022.

الديون.. أزمة قابلة للانفجار ويجب حلها

جينتيلوني -قال في تصريح لـ”يورو نيوز” شهر مارس الماضي- إن تراجع النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو، ليس كارثيًا في الوقت الحالي بفضل أسعار الفائدة المنخفضة وإجراءات المركزي الأوروبي العلاجية، لكن على المدى المتوسط مشكلة الديون المرتفعة ​​يجب حلها، دون تغاضي.. وهنا تحذير واضح من أنه في حال بدأ الاقتصاد الأوروبي يتعافى أو ارتفع التضخم بصورة أكبر وقرر المركزي الأوروبي تشديد سياسته النقدية، فستكون أزمة الديون مضاعفة.  

جونترام وولف رئيس معهد Bruegel للبحوث الاقتصادية في بروكسل يقول -في تصريح لـDW- ما زالت أوروبا تعاني من وضع استثنائي، لذا فمن المتوقع أن تبقي قيود الاستدانة والإنفاق معلقة، وحتى اللحظة تبدو أزمة الديون أقل مما كانت عليه خلال الأزمة المالية 2008، فأسعار الفائدة على السندات الحكومية منخفضة للغاية، ما يعني أن تكلفة الديون على خزائن الحكومات منخفضة، وحتى في حال ارتفعت أسعار الفائدة بنهاية العام، فالأمر لا يشكل خطرا طالما أن مؤسسات مثل المركزي الأوروبي تلتزم بسياستها المتمثلة في طباعة النقود وإغراق السوق بها.

ويرى وولف أن أزمة الديون ستعالج تلقائيا بمجرد عودة مستويات النمو بدول المنطقة إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، مدعومة بعدة عوامل أهمها استقرار الأوضاع في منطقة اليورو وصندوق الانتعاش الأوروبي البالغة قيمته نحو 750 مليار يورو، ومن المنتظر أن تبدأ بلدان القارة في الاستفادة منه بحلول يونيو المقبل، بما سيعزز معدلات النمو ويتوقع أن يضع أزمة الديون على طريق الحل.

لكن المفوضية الأوروبية في مارس الماضي خفضت تقديراتها للنمو خلال 2021 إلى حدود 3.7% نتيجة لعودة إجراءات الإغلاقات في عدة بلدان بالمنطقة لمواجهة خطر السلالات الجديدة من كورونا، معولة على نمو أفضل بحلول الصيف، وتحديدا خلال النصف الثاني من العام مع تغطية أكبر للفئات المستحقة للقاح كورونا ومعظم البالغين في بلدان أوروبا..  ويبقى الأمر مرهونا بتغيرات الوضع الوبائي، يقول المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية:عدم اليقين والمخاطر ما تزال مرتفعة بشأن تطور الوباء فيما تبقى من العام.

ونظرا لضبابية أزمة كورونا وصعوبة التنبؤ بتداعياتها على الاقتصاد العالمي وليس الأوروبي وحده، تعالت بعض الأصوات في أوروبا لمطالبة “المركزي الأوروبي” بإلغاء بعض الديون السيادية التي يستحوذ عليها كطريقة لخفض مستوى المديونية، إلا أن هذا الأمر مخاطره تتجاوز فوائده وقد يضر بسمعة اليورو في الأسواق العالمية، لذا من المرجح أن تميل أوروبا إلى الاستمرار في نهج تعليق قيود الاستدانة وتحفيز الاقتصاد والتيسير النقدي، وسبق وأن أكدت كريستين لاجارد رئيسة المركزي الأوروبي في أكثر من موضع أنه من السابق لأوانه الحديث عن تخفيف الدعم الحكومي للاقتصاد.. ما يعني أن أزمة الديون قد تخرج عن السيطرة في أي وقت وحتى إن تمكنت أوروبا من تحجيمها في الوقت الراهن فإن السنوات المقبلة سيكون كاهلها مثقلا بجبل من الديون.. وربما العزاء الوحيد للقارة العجوز أنها ليست وحدها في هذا المأزق فبلدان العالم خرجت من 2020 بديون تتجاوز الـ280 تريليون دولار، وفي أمريكا – أكبر اقتصاد بالعالم- من المتوقع أن يرتفع الدين العام إلى 102% من الناتج المحلي بنهاية 2021.    

Untitled 6

ربما يعجبك أيضا