لماذا فرنسا تتصدر مؤشر الإرهاب؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تعتبر فرنسا من أكثر دول أوروبا التي تعرضت إلى هجمات إرهابية، ينفذها فرنسيون من الداخل، فبحسب تقرير مؤسسة “فوندابول”، وهي أحد مراكز التفكير النافذة في البلاد، يقول التقرير إن فرنسا قد تعرضت خلال عام 2020 لنحو 44 بالمئة من الهجمات الإرهابية التي نفذتها الجماعات المتشددة في أوروبا.

وضمن مساعي فرنسا في محاربة التطرف والإرهاب، قدم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، يوم 28 أبريل 2021 أمام مجلس الوزراء مشروع قانون جديد مؤلف من 19 بندا حول الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، فيما شهدت البلاد في وقت سابق هجوما على مركز للشرطة في مدينة رامبوييه بالضاحية الباريسية، قتلت خلاله شرطية على يد متطرف. ويستند النص الذي اقترحه دارمانان على ترسانة من التدابير القائمة بالأساس، أعيدت صياغتها من أجل إرسائها في قانون. وفي مجال الاستخبارات الأمنية، يقترح مشروع القانون باستخدام تقنية “الخوارزمية” من أجل الحصول على بيانات لكل من يستخدم الإنترنت ومعالجة هذه البيانات.  كيف يمكن تعزيز إجراءات مكافحة الإرهاب ودعم أكثر الاستخبارات الفرنسية لتمكينها من كشف المخططات الإرهابية قبل وقوعها؟

قانون تعزيز قيم الجمهورية

كانت فرنسا، حريصة على مراجعة نصوصها القانونية، من أجل مواجهة التطرف والإرهاب من الداخل، والذي أصبح ربما “معضلة” إلى الحكومة الفرنسية، فرغم ماقامت به فرنسا من أجراءات وسياسات وتشريعات منذ عام عام 2015 في اعقاب موجة الإرهاب التي ضربت أوروبا، فإنها ما زالت لحد الآن تعاني من ثغرات. ما تسعى فرنسا القيام به، هو منح أجهزة الشرطة والاستخبارات مساحة أوسع من الصلاحيات تمكنها من رصد ومتابعة وتنفيذ عمليات استباقية ضد الجماعات المتطرفة من الداخل. وهنا لابد من الإشارة إلى قانون 2020 “تعزيز قيم الجمهورية” يتكون من أربعة وخمسين بندا. 

تصنيف العناصر الخطرة

إن التهديد الإرهابي في فرنسا ما زال مرتفعا ، في ظل وجود ما يقارب عن من ثمانية آلاف متطرف في فرنسا  مدرجين على قائمة التقارير للوقاية من التطرف ذات الطابع الإرهابي. وتعتمد الداخلية الفرنسية  نظام تصنيف العناصر الخطرة وهو نظام “S” تُجَمِّعُ فيه الوزارة كلَّ المعلومات عن أي شخص يُشتبه بأنه يُشكل خطرًا على الأمن العام الفرنسي  كالأشخاص المتطرفين، إضافة إلى الأشخاص الذين يتم تقييمهم على أنهم يُشَكِّلونَ “تهديدًا إرهابيًّا”، والذين تَمَّ تسجيلهم في سجلاتِ بلاغاتِ الوقايةِ من التطرف (FSPRT). وهناك العديد من المستويات من المصنفين “S” وفقًا لدرجة خطورتِهِم، حيثُ تتراوحُ درجاتُ الخطورة من( 1 ـ 16).

نيابة عامة وطنية في مجال مكافحة الإرهاب

اعتمدت فرنسا ولأول مرة خلال شهر يونيو من عام 2019 أول ادعاء عام مختص في النظر في قضايا الأرهاب والتطرف، والتي تضم 26 قاضيا تحت مسؤولية فرانسوا ريكار، وتأتي هذه الخطوة ضمن مساعي فرنسا بسد الثغرات وإيجاد ربما تكامل ما بين القضاء الفرنسي وأجهزة الشرطة والاستخبارات .

وبالتوازي مع خطوة، الادعاء العام، شكلت الداخلية الفرنسية وحدة خاصة لرصد ومتابعة العناصر الخطرة من المتطرفين، داخل صفوف أجهزة الشرطة والاستخبارات، وذلك في أعقاب مقتل أربعة موظفين في مقر شرطة باريس طعنا في 3 أكتوبر 2019 من طرف زميل لهم اعتنق الإسلام قبل عشر سنوات وتبنى فكرا متطرفا.

محاربة والتطرف على الانترنت

اعتمدت فرنسا في 09 يوليو 2019 قانونا جديدا لرصد الخطاب المتطرف على الإنترنت، وأجرت فرنسا اتفاقيات مع محركات الإنترنت تنص على حذف الخطاب المتطرف في غضون 24 ساعة، غير ذلك فرضت فرنسا عقوبات مالية كبيرة على محركات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. ويشمل القانون التحريض على الكراهية والعنف العنصرية  وإلى جانب ذلك القانون وضع  قيودا جديدة على المواقع ومحركات البحث يلزمها بالتعاون الفعال مع العدالة.

ويعتقد  الأستاذ الجامعي مدير مركز “فوندابول” للأبحاث دومينيك رينيه،  أن فرنسا “تدفع ثمن وجودها في العالم، خاصة انتشارها العسكري في الخارج”، ويقول: “نحن إحدى القوى الديمقراطية الثلاث، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ننشر القوات خارج حدودنا الوطنية لا سيما لمحاربة الجماعات المتطرفة، كما هو الحال في مالي”.  ويتابع: “هناك أيضا بلا شك تأثيرات ماضينا الاستعماري، رغم أن العديد من الدول الأوروبية قد تأثرت بهجمات المتطرفين من دون مشاركة هذا الماضي، مثل ألمانيا أو الدنمارك أو السويد أو النمسا على سبيل المثال”. 

النتائج

ـ ما زالت فرنسا تعيش حالة تأهب مرتفعة مقارنة مع باقي دول أوروبا، وتشهد فرنسا ارتفاع أكثر في حالات التأهب مع الأعياد والمناسبات، والتي غالبا، ما تشهد خلال عمليات إرهابية.

ـ تبقى فرنسا، ربما من أكثر دول أوروبا عرضة إلى التطرف والإرهاب، من الداخل وهذا يعود إلى جملة عوامل داخلية وخارجية، جميعها تتعلق سياسات فرنسا : فما زالت أطراف باريس تشهد أحياء “أزمة الضواحي” الفرنسية ، أن عمليات الإفقار والتهميش الحضري والاجتماعي، والصعوبات السكنية والتعليمية، وتزايد المشكلات الصحية، وتفاقم الانحراف وزيادة الأعمال غير القانونية أمر واقع في كثير من هذه الأحياء، التي تشكل حزاماً يحيط بأضخم وأعرق مدن فرنسا.

ـ أصول أجنبية : تمثل الجاليات أو بالأحرى الفرنسيون من اصول عربية  ذات خلفية مغاربية وأفريقية وآسيوية، هي الأخرى من شأنها تعقد المشهد الأمني في فرنسا، كون هذه الدول شهدت الكثير من التحديات الأمنية، والتي تناقلت إلى الشباب عبر أكثر من جيل يعيش في فرنسا ويتمتع بالمواطنه، لكنه يعيش أزمة الهوية ما بين فرنسا وبلد الأم .

ما تقوم به فرنسا من إجراءات وتشريعات، هي بالاتجاه الصحيح، وهي محاولة منها على لسد الثغرات الأمنية وإيجاد تكامل ما بين القضاء والسلطة التنفيذية، لكن رغم ذلك تبقى فرنسا تدفع الثمن في محاربة التطرف والإرهاب من الداخل أكثر من بقية دول أوروبا، لأسباب أيضا تتعلق بسياسات فرنسا ومصالحها في الخارج.

ربما يعجبك أيضا