رغم التزامها بأمن إسرائيل.. ألمانيا ترفض تهويد القدس

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تستمر التجاوزات الإسرائيلية بحق الفلسطيني في القدس المحتلة من قبل جماعات يهودية يمينية متطرفة، من أجل الاستيلاء على مساكن الفلسطينيين في حي الشيخ جراح ـ القدس منذ مطلع الشهر الحالي مايو 2021  . وتسعى الجمعيات اليهودية الاستيلاء  على منازل 58 عائلة فلسطينية أخرى، وبات خطر الإخلاء يهدد نحو 500 فلسطيني.

أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية، الدكتور منذر الدجاني، أن قرار المحكمة الإسرائيلية بإخلاء المنازل في حي الشيخ جراح لا يستند على مسوغ قانوني. وأشار الدجاني إلى أن “المؤسسة التي تقاضي الفلسطينيين في حي الشيخ جراح هي ذاتها التي تعمل في باب الخليل عبر اتجاه واحد لربط المستعمرات ببعضها البعض في القدس”. وتابع: “المؤسسة اليهودية تستهدف مجموعة معينة لاعتبارات جغرافية، حيث ترغب بربط المستعمرات في القدس، إضافة إلى ربط حارة اليهود بالقدس الغربية في منطقة باب الخيل”.

وإذا رفضت المحكمة العليا استئناف العائلات الفلسطينية على قرار الإخلاء، من المرجح أن يتم استبدالهم بقوميين يهود يمينيين يقولون إن المنازل الفلسطينية بنيت على أراض مملوكة للجمعيات اليهودية قبل إقامة دولة إسرائيل.

وقعت الاشتباكات بعد أن نظمت حركة “لاهافا” (لهب) اليهودية اليمينية المتطرّفة المعادية للفلسطينيين مسيرة هتف بعض المشاركين فيها “الموت للعرب” بحسب شهود عيان، ما اعتُبر خطوة استفزازية وأدت إلى مواجهات مع الفلسطينيين الذين صادف خروجهم من صلاة العشاء والتراويح في المسجد الأقصى.

حي الشيخ جراح في القدس الشرقية

يقع حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة التي كانت تخضع للسيادة الأردنية كسائر مدن الضفة الغربية، قبل أن تحتلها إسرائيل عام 1967 وتضمها، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.  ويستولي مستوطنون يهود على منازل في الشيخ جراح بدعوى أن عائلات يهودية عاشت هناك وفرّت خلال حرب عام 1948 عند قيام دولة إسرائيل. لكن إسرائيل لا تقوم بالمقابل بإعادة أملاك وبيوت إلى فلسطينيين فقدوها ويسكنها يهود.

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

يقع في صميم الصراع المفتوح بين الإسرائيليين والفلسطينيين ادعاءات إقليمية على المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وتمتد دولة إسرائيل التي أقيمت في 14 أيار 1948 على 78 % من مساحة هذه المنطقة، في حين يتطلع الفلسطينيون إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة عام 1967 (الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة). تبقى قضايا الوضع النهائي موضع خلاف، وهي القضايا المتعلقة بمستقبل المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى توزيع مصادر المياه الشحيحة.

تشكل الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى سلام عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط أحد المحاور الرئيسية في السياسة الألمانية الخارجية. ويعتبر بناء دولة فلسطينية ديمقراطية ومتصلة وقادرة على الحياة أمر جوهري لإحلال السلام طويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط، وما زالت في هذا السياق خطة “خارطة الطريق” تشكل القاعدة لذلك، تلك الخطة التي أعلنها مجلس الأمن الدولي بشكل رسمي في قراره رقم 1515 لعام 2003. لقد تأخر نيل الشعب الفلسطيني حقه الثابت في تقرير المصير كحق أساسي من حقوق الإنسان الأساسية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية كخطوة أساسية في هذا الاتجاه. بالإضافة إلى أن هذا الاعتراف سيساعد في حماية آفاق حل الدولتين على أساس حدود 1967.

ألمانيا والسلطة الفلسطينية

نشرت ألمانيا والسلطة الفلسطينية خلال شهر يونيو 2020 إعلان استثنائي مشترك كتب فيه بأن ضم مناطق في الضفة الغربية وفي شرقي القدس يعتبر خرقا للقانون الدولي ومسا بحل الدولتين. وقد أكدوا على الالتزام بهذا الحل على أساس حدود 1967 ودعم اتفاق شامل بين إسرائيل والفلسطينيين يتم تحديده في مفاوضات على أساس قرارات الأمم المتحدة. قبل زيارة ماس قالت مصادر في وزارة الخارجية بأن ألمانيا تعارض “بشكل قاطع” فرض عقوبات على إسرائيل، وبأنها لن تعترف بدولة فلسطينية ردا على الضم.

لكن في الوقت نفسه تميزت سياسة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بعد استلامها للسلطة عام 2005 بالتقارب الشديد مع إسرائيل، لدرجة جعلت الرئيس الإسرائيلي إيهود أولمرت يصف ألمانيا عام 2006 بأنها “الدولة الأقرب لإسرائيل في العالم”. وفي عام 2008، كانت ميركل أول رئيسة دولة أجنبية تدعى (أو تذهب) إلى الكنيست لإلقاء كلمة أمام أعضائه. وخلال حروب إسرائيل على قطاع غزة، التزمت السياسة الألمانية بتحميل الجانب الفلسطيني “كامل المسؤولية”، دون أي انتقاد للانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة.

احتجاجات مناهضة لإسرائيل في مدن ألمانية

لكن في نهاية 2009 الذي شهد تشكيل ميركل لحكومة الائتلاف الكبير، بدأ موقف الحكومة الألمانية بالتغير قليلاً نحو انتقادات محدودة لإسرائيل. ففي عام 2011، نقل عن المستشارة الألمانية قولها لنتنياهو في مكالمة هاتفية “إنها لا تتفهم أبداً” سياسته بالسماح ببناء المستوطنات في القدس الشرقية.  حذرت السلطات الألمانية، يوم 12 مايو 2021، من خروج مزيد من الاحتجاجات في البلاد بسبب الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقال متحدث باسم وزارة الداخلية “تتوقع وكالات الأمن تصاعد الأنشطة الاحتجاجية للفلسطينيين في ألمانيا، وأيضا أجزاء من الحركة اليسارية”.

وشهدت مدن ألمانية أخرى، بما فيها برلين وهامبورغ وهانوفر، احتجاجات مناهضة لإسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية، فيما تعرض كنيسان يهوديان لهجوم، كما تم تمزيق العديد من الأعلام الإسرائيلية وإحراقها منذ اندلاع العنف الأخير في إسرائيل وقطاع غزة.

ونظمت الجالية الفلسطينية في كوبلنز وضواحيها – ألمانيا وقفة جماهيرية حاشدة وذلك في مدينة كوبلنز ونويفيد  والمدن المجاورة شارك بها عددا من أبناء الجاليات العربية والإسلامية ومتضامنين أجانب وذلك دعما وتضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للاعتداءات الصهيونية في المسجد الأقصى المبارك ، وفي حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة

إن جداول أعمال الاتحاد الأوروبي في فترة رئاسة ألمانيا خلال النصف الثاني من عام 2020  كانت فرصة لألمانيا والاتحاد الأوروبي في تحسين سجل ألمانيا هذه المرة عبر اعتراف الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين.

ترتكز سياسة ألمانيا في الشرق الأوسط على سياسة أوروبا في المنطقة ولكن نظراً لتاريخها، فإن ألمانيا تحمل على عاتقها مسؤولية خاصة عن أمن دولة “إسرائيل”. في نفس الوقت، تعترف ألمانيا بحق الفلسطينيين في دولتهم الخاصة بهم، وتؤمن بأنه لا يمكن بناء دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وقابلة للتعايش جنبًا إلى جنب بسلام وأمن مع “إسرائيل” إلا من خلال المفاوضات.

ربما يعجبك أيضا