العملات الرقمية المدعومة من الدولة.. الفرص والمخاطر

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

منذ بداية العام والعملات الرقمية هي محط اهتمام كبير داخل الأوساط الاقتصادية حول العالم، ليس فقط لصعودها الجنوني بين ليلة وضحاها، بل أيضا نتيجة لما فرضته جائحة كورونا من تغيرات على نمط حياة الشعوب، كان أبرزها زيادة الاعتماد على أنظمة المدفوعات الإلكترونية، ومن أجل تقليل الوقت فيما يتعلق بتحويل الأموال وسدادها واستلامها بين أطراف المعاملة المالية الواحدة، برزت العملات الرقمية كوسيلة مثلى لتحقيق كفاءة أكبر لهذه العمليات، وبرز الحديث عن ضرورة طرح عملات رقمية مدعومة من البنوك المركزية استعدادا لمرحلة قادمة يتم فيها الدمج بين النقد التقليدي وهذه التقنية سريعة الانتشار.

تبني المال الرقمي للسيطرة على “بتكوين” وشقيقاتها

قبل يومين وتحديدا في 16 مايو، نصح البنك المركزي البريطاني حكومات العالم بتبني استخدام العملات الرقمية، للسيطرة على حركة المدفوعات الإلكترونية وأسواق العملات الرقمية.

وقال جون كانليف، نائب محافظ بنك إنجلترا – في تصريح نقلته “بلومبرج”- إن العملات المستقرة “العملات الرقمية المدعومة من الدولة” من الممكن أن تكسب وبسرعة دعم المستهلكين؛ نظرا لأن التجارة الإلكترونية ترفع الطلب على عملية إدخال التكنولوجيا في مجال صرف العملات.

وأضاف: في حين أن القرار النهائي بشأن المضي قدما في طرح العملات الرقمية هو شأن داخلي لحكومات الدول، إلا أن هناك خطرا في التنازل عن أنظمة الدفع لصالح شركات القطاع الخاص، وترك الأمر بدون تدخل من الدولة، مضيفا لا شك أن ضمان الثقة في المال كوسيلة للدفع وتخزين القيمة أمر أساسي للاستقرار المالي، وهذا لا تحققه العملات الرقمية الحالية على غرار بتكوين، لكن يمكن تحقيقه في حال طرح عملات مدعومة من البنوك المركزية.

ويرى بنك إنجلترا أن وجود عملة رقمية جنبا إلى جنب مع الودائع النقدية والمصرفية التقليدية أمر ضروري في المستقبل للمساهمة في عملية دمج هذه التقنية الحديثة ضمن منظومة الدولة، لذا وبحسب تصريحات سابقة لمحافظه أندرو بيلي، يدرس جديا بالتنسيق مع وزارة الخزانة إمكانية إنشاء عملة رقمية تابعة لأنظمة البنك المركزي.

خلال العام الماضي بدأت بعض الدول الكبرى فعليا خطوات على طريق التحول إلى عصر العملات الرقمية الرسمية – إن جاز التعبير- فأصدر بنك الشعب الصيني أول عملة رقمية في 4 مدن ضمن اختبارات يجريها، لقياس مدى قبول المستهلكين لهذه العملات والقدرة على مراقبة معاملاتها بدقة، ومطلع هذا العام قام بتوسيع هذه الاختبارات لتشمل مدنا كبرى مثل بكين وشنغهاي.

وفي يوليو الماضي كانت ليتوانيا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تستخدم تقنية “البلوك تشين” والعملات الرقيمة رسميا، بضوء من البنك المركزي، ضمن مشروع لتطوير عملة رقمية رسمية، وكانت السويد أول دولة تطلق عملة رقمية مدعومة من البنك المركزي في فبراير 2020 تستخدم في المعاملات المصرفية اليومية، وسبقتها تجارب مماثلة في فنزويلا وجزر مارشال في العام 2018.

وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، فقد جربت أكثر من 60 دولة في العالم خلال 2020، عملات رقمية وطنية، ارتفاعاً من 40 في العام 2019.

مساعي الصين وغيرها من دول العالم لاختبار عملات رقمية رسمية، تأتي ليس فقط كمحاولة لتجربة أشكال جديدة من الأموال التي يمكن أن تتحرك بشكل أسرع وتمنح حتى الأشخاص الأكثر حرمانا إمكانية الوصول إلى الأدوات المالية عبر الإنترنت، بل أيضا للسيطرة على سوق المدفوعات الإلكترونية التي تضاعفت بفعل جائحة كورونا، والأهم من كل ذلك أنه سباق محموم في انتظار ولادة الدولار الرقمي، فالحديث هنا عن الدولار الأمريكي الذي يهمين حاليا على نحو ثلثي احتياطيات البنوك المركزية من النقد الأجنبي، وعلى 85% من المعاملات المصرفية حول العالم وعلى حركة التجارة العالمية بلا منازع.

في فبراير الماضي أعلن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول – أمام مجلس الشيوخ- أن المركزي الأمريكي يدرس بعناية إمكانية طرح نسخة رقمية من الدولار، قائلا: إن تطوير عملة رقمية تابعة للفيدرالي يمثل أولوية كبرى، مضيفا: نحن ملتزمون بحل المشاكل التكنولوجية التي قد تعوق الدولار الرقمي، والتشاور مع العامة على نطاق واسع وبالشفافية، ومع جميع الفئات المعنية حول ما إذا كان ينبغي لنا القيام بذلك وكيف يمكن القيام به بشكل صحيح.

لا شك أن أصدار عملات رقمية تتبع أنظمة البنوك المركزية أمر جيد يسمح بسيطرة أكبر على سوق المدفوعات الإلكترونية ومستقبل العملات الرقمية عموما، إلا أنه يكتنف على عدة مشكلات تقنية يبنغي على الحكومات التعامل معها أولا.

مخاطر وفرص

في تقرير صدر أمس ، تحت عنوان “العملات الرقمية للبنك المركزي: الفرص والمخاطر والتأثير” ، حذّرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أن العملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية قد تشكل تهديدًا للأنظمة المالية، إذا لم تتم إدارة المخاطر المرتبطة بها.

وقالت إن الفوائد الرئيسية للعملات الرقمية للأفراد تكمن في قدرتها المحتملة على توسيع المدفوعات غير النقدية المدعومة من الحكومة، في مسعى لمواكبة الرقمنة الأوسع للمجتمع.

وأشارت إلى أن أكبر الأسباب لاستكشاف عملة رقمية لبنك مركزي وبعض الأسواق الناشئة هي فرصة التعامل مع غير المتعاملين مع البنوك، وكذلك تقليل تكلفة سرعة المدفوعات، كما أن العملات الرقمية المدعومة من الدولة تُعد وسيلة لمواجهة تحديات تراجع استخدام النقد مع القطاع الخاص المنخرط بنشاط في المدفوعات الإلكترونية.

وفي حين ترى أن الاستخدام الواسع للعملات الرقمية للبنوك المركزية يمكن أن يحسن قدرة الحكومات على تتبع بيانات المعاملات المالية ومنع الجرائم المالية والتهرب الضريبي، لكنها حذرت من أن هذا الاستخدام ينطوي على مخاطر تتعلق بأن توسيع التعامل بالعملات الرقمية المغطاة من الدولة قد يكون معطلًا للأنظمة المالية إذا لم تعالج السلطات مخاطر مثل احتمال انتقال الأموال بسرعة إلى حسابات العملات الرقمية للبنوك المركزية من الودائع المصرفية التقليدية، ومخاطر الأمن السيبراني، حيثُ من السهل أن تتعرض أنظمة البنوك المركزي في حال التوسع في استخدام العملات الرقمية للقرصنة.

كما ألمح التقرير إلى أن بعض الأشخاص قد تكون لديهم مخاوف من استخدام العملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية، في حال تحديد سقف معين للمحافظ الإلكترونية أو صلاحية قصيرة لاستخدام الأموال الناتجة عن هذه العملات أو خشية التمتع بخصوصية أقل في تعاملات النقدية.

ولادة عملات رقمية مدعومة من البنوك المركزية، لا شك أنها ستعطي الدولة يدا في سوق جديدة باتت ضرورة ملحة بفعل تداعيات كورونا وهي سوق الدفع الإلكتروني والرقمي الآخذة في الانتشار والتمدد، إلا أن هناك نقاطا يجب التعامل معها أولا مثل بيروقراطية الانظمة الوطنية للمدفوعات وتأسيس البنية التحتية الخاصة بهذا النوع من العملات المعتمدة على تقنية “البلوك تشين” والتغلب على الهاجس الأمني من خلال إطلاق حسابات ومحافظ لهذه العملات “موثوقة” ومرتبطة ببروتوكلات مصادقة هوية المستخدم.. وربما تساعد الجائحة في الدفع بقوة باتجاه أصدار البنوك المركزية لهذه العملات لكن هذا على الأرجح لن يقلل من جاذبية العملات المشفرة “البتكوين وشقيقاتها” إذ أنها باتت تجذب شريحة واسعة من المستخدمين – بما في ذلك رجال أعمال وبنوك استثمار كبرى- الراغبين في تحقيق أرباح سريعة وطائلة بعيدا عن رقابة الدولة، فمنذ بداية العام ارتفعت البتكوين بنحو 40%، وخلال 2020 ارتفعت بأكثر من 300%، وليس من المبالغة القول بأن المستقبل هو للعملات الرقمية.

ربما يعجبك أيضا